تخطى إلى المحتوى

الغفلة

الغفلة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]

أما بعد

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .

فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

أحبتي في الله :

" الغفلة "

هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم وكعادتنا فسوف نركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان الهام في العناصر التالية :

أولاً: التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة

ثانياً: الإستخفاف بأوامر الله ورسوله

ثالثاً: الغفلة عن الغاية

وأخيراً: ففروا إلى الله

فأعرني قلبك وسمعك فإن هذا الموضوع في هذه الأيام من الأهمية بمكان والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن يستمعون القلب فيتبعون أحسنه، وأن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الموحدين وعز الإسلام والمسلمين أنه ولي ذلك والقادر عليه .

أولاً: التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة

قال تعالى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ الأنبياء : 1

كلمات تهز الغافلين هزاً… الحساب يقترب وهم في غفلة!! والآيات تتلى، ولكنهم معرضون ، لأنهم في اللهو والباطل والملزات والمتاع الزائل غارقون .

" لاهية قلوبهم " والقلب الغافل اللاهي عن الله صاحبه في ضنك وشقاء ولو كان في نعيم ورخاء ، فالشقاء ثمرة الضلال ، والضنك ثمرة الإعراض قال تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى طه 124

فالشقاء ثمرة الضلال ، والضنك ثمرة الإعراض

أيها الأحبة : أليس عجيباً أن يعرض المسلم عن الله ؟!

أيها الأحبة : أليس عجيباً أن يقضي المسلم جُلَ عمره في غفلة عن مولاه ؟!

لا تزيده نِعمَ الله عليه إلا إعراضاً وعصياناً وضلالاً ، ولا يزيده حلم الله عليه ، وستر الله عليه إلا تمادياً واستخفافاً وإعراضاً فمن الناس من يغتر بنعم الله عليه ، ويظن أن الله عز وجل ما أنعم عليه بهذه النعم إلا لأن الله يحبه ، ولولا أنه أهل لهذه النعم ما أنعم الله بها عليه ، مع أنه مقيم على المعاصي ، مقصر في الطاعات ، ونسى هذا المسكين أن هذا استدراك له من رب العالمين ، كما قال سيد النبيين في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي في الشُعب وغيرهما وحسنه الحافظ العراقي وصححه الشيخ الألباني من حديث عقبة بن عامر أنه قال

(( إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد ما يُحِب ُ وهو مقيم على معاصيه : فاعلم فإنما ذلك منه استدراج )) (1)

ثم قرأ المصطفى قول الله جل وعلا فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأنعام 44 -45

ومن الناس من يغتر بحلم الله عليه ، يظلم خلق الله وعباد الله ، يصد الناس عن سبيل الله وعن دعوة الله ، يرتكب المعاصي والذنوب ولكن الله عز وجل يمهله فلا يأخذه بذنوبه ، لا يؤاخذه بِجُرِْمه !! فيظن هذا المسكين أن المعصية حقيرة وأن الذنب هين !! ولو كان الذنب عظيماً عتد الله لأخذه الله بهذا الذنب في الدنيا ولًَعجَل له العقوبة !! ونسى هذا المسكين أن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل كما في الصحيحين من حديث أبي موسى أن النبي قال (( إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وقرأ المصطفى قول الله جل وعلا " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " هود : 102(2)

ومن الناس من ينصرف بكُلَيته إلى الدنيا ، ويكرس لها كل وقته وجهده وفكره… بل ويجعلها كل همه ويتفانى في السعى لها ولو على حساب الآخرة !!

ومع ذلك فقد يقولون : إنا نحسن الظن بالله ، ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .

وهذا الصنف من الناس لا يعرف لله طريقاً .. لا يعرف لله سبيلا ً ، إذذا ما ذكر تذكر …!! وإذا نُصحَ ما انتصح !! وإذا دَلَهَ صادق أمين على طريق الله سَخَرِ به !! واستهزأ منه وكأن الأمر لا يعنيه !!

فكل همه الدنيا… كل غايته الدنيا… انصرف بكل طاقة إلى الحياة ، فهى معبوده الذي يتوجه إليه بخالص العمل ، وبخالص العبادة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

مع أنه لن يحصل من الدنيا إلا ماقدر الملك له قال المصطفى وصححه الألباني بشواهده في الصحيحة من حديث أنس ومن حديث ابن عباس ومن حديث زيد بن ثابت وغيرهم أن النبي قال(( من كانت الدنيا همَه فرق الله عليه أمره وجعل فَقره بين عينيه وفرقَ الله شمْلَه ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له ومن كانت الآخرة همه جمع الله غناه في قلبه وجمع الله عليه شمْلَه ، وأتته الدنيا وهي راغمة )). (3)

ألم يقل الحق جل وعلاَ : وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب الطلاق :2

ألم يقل الحق جل وعلاَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ الأعراف :96

ألم يقل الحق جل وعلاَ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا نوح :10

ما لكم لا توحدون الله حق توحيده؟! ما لكم لا تعبدون الله حق عبادته ؟! ما لكم لا تعرفون الله حق معرفته ؟! ما لكم لا تجلَون الله حق جلالته ؟!!

وقد حذر الله جل وعلا من التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة تحذيراً شديداً فقال سبحانه : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ

شغلتكم الدنيا وصرفكم نعيمها الزائل فلم تنتبهوا إلا وأنتم في المقابر قد عاينتم الحقائق كلها .

وفي التعبير القرآني بكلمة زرتم إشارة لطيفةُ إلى أن الميت في قبره ما هو إلا زائر وحتماً ستنهي مدة هذه الزيارة ولو طالت ليخرج هذا الزائر من القبر ليرجع مرة أخرى إلى الله جل وعلا ليقف بين يديه ليرى ما قدمت يداه في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى .

قال تعالى وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف : 45 – 49

تذكر وقوفوك يوم العرض عُريانا
مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهبُ من غيظ ومن حنقٍ
على العصاة ِ ورب العرش غضبانا

إقرأ كتابك يا عبدُ على مهلً
فهل ترى حرفاً غير ما كانا

فلما قرأت ولم تنكر قراءته
وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي
وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا

المشركون غدا في النار يلتهبون
والموحدون بدار الخلد سكانا

قال تعالى إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس : 7

هل سمعت هذه الآية؟ هذا قرآن يتلى !

من رضى بالدنيا واطمأن بها ولها ، محالُ أن يرجوا لقاء الله … محالُ أن يفكر في لقاء الله .. لماذا؟!

لأته رضى بالحياة الدنيا واطمأن بها .. عمَرَ دنياه وخرَب أخراه !!

فهو يكره أن بنتقل من العمران إلى الخراب .

هل يقبل أحد منا أن يترك العمارة والعمران لينتقل ليعيش في الخراب والصحراء؟! مُحَال!!

عَمَرنا الدنيا وخَرًبنا الآخرة ، ولذا فنحن نخشى الموت ونكره الموت ، لأننا نكره أن ننتقل من العمران إلى الخراب .

قال تعالى إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس : 7

يشرب الإنسان ويَعِبُ من كؤوس الدنيا كما يشتهي ، فًيُفَرَط في أمور الآخرة ويتغافل عن كل شئ يذكره بها .. لا يفكر في الآخرة .. بل إذا سمع آية تتلى خاف وغلق أذنيه ! إذا سمع شريط محاضرة أو موعظة خاف وأغلق الكاسيت !

يخشى أن يفتضح أمام نفسه ، يخشى أن تعري نفسه أمام نفسه ، فهو لا يريد أن يسمع لله موعظة ، ولا يريد أن يسمع لله أمراً ، ولا يريد أن يجتنب لله نهياً ولا يريد أن يقف لله عز وجل عند حَدَ !!

فيا أيها الغافلون، بل ويا أيها الطائعون :

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ الحديد 20

هذا كلام ربنا جل وعلا وقد بين المصطفى هذه الحقائق بعد ما جلاِها وبينها لنا القرآن فالقرآن يؤكد أن من غفل عن الله ومن نسي الله أنساه الله نفسه .

قال جلا وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ *وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ الحشر 18 – 20

وقال تعالى نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ التوبة : 67

فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

نسأل الله أن يستر علينا وعليكم في الدنيا والآخرة .

الرسول يؤكد لنا هذه المعاني أيها الأحباب ويبين لنا حقيقة الدنيا حتى لا نتخذ الدنيا غاية يقول المصطفى كما في الصحيحين من حديث عمر بن عوف الأنصاري :

(( ما الفقر أخشى عليكم وكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطَت على من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم )) (4)

وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال (( إن الدنيا خضرة وحلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء )) (5)

وفي سنن الترمذي أن النبي قال :

(( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء )) (6)

وفي صحيح مسلم من حديث أنس يقول رسول الله :

(( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فَيُصبْغ في النار صبغة ويقال له هل رأيت نعيماً قط ؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت نعيماً قط ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة قيقال له هل رأيت بؤساً قط فيقول لا وعزتك ما رأيت يؤساً قط )) (7)

الله أكبر – أنساه نعيم الجنة كل شقاء ، والآخر أنساه العذاب والجحيم كل نعيم !!

يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود : 105 : 108

اللهم اجعلنا من أهل السعادة ولا تجعلنا بفضلك ورحمتك لا بأعمالنا من أهل الشقاوة إنك ولي ذلك والقادر عليه يارب العالمين .

أيها الحبيب الكريم : من أجل ذلك كان يوصي النبي أصحابه والمؤمنين الصادقين من بعدهم بهذه الوصية فيقول لابن عمر رضي الله عنهما والحديث في البخاري (( يا ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) وكان ابن عمر يقول (( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (8)

إن لله عــــبــاداً فُطَنَا
طلَلقوا الدنيا وخافوا الفِتَنَا

نظروا فيها فلما علمـــوا
أنها ليست لحيً وطنـا

جعلوها لُجَــــة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا

أيها الحبيب الكريم إنني أرجو لا تفهم هذه الآيات وهذه الأحاديث فهماً خاطئاً فنحن لا نريد بذلك أن ينصرف الناس عن الدنيا ، كلا .. بل إن الإسلام دين عمل ودين جدً ودين بطولة ، وكذلك لا نريد أيضاً أن ينغمس الناس في الدنيا على حساب الآخرة لا إفراطاً ولا تفريطاً .. بل إن الإسلام دين ودنيا .

فهذا رسول الله يقول في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :

(( اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنُيَايَ التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر ))(9)

انظر إلى هذا الجمع البديع بين الدين والدنيا .

فالدنيا مزرعة للآخرة ، وكل ذمٍ واردٍ في القرآن والسنة في حق الدنيا لا ينصب أبداً على زمانها أو مكانها أو ما فيها من خيرات ونعيم فزمانها الذي هو الليل والنهار قد جعله الله خلفة لمن أراد أن يذكر أو أرادوا شكوراً .

ومكانها الذي هو الأرض قد جعلها الله عز وجل مسكنا لبني آدم وما فيها من خيرات ونعيم ، من سماء ، وأشجار ، وأنهار ، وكنوز وبحار أنما هى نِعَم الله عز وجل على عباده

إذن ما هو الذم الوارد في حق الدنيا ؟! ما تفسيره؟! وما تفصيله؟!

الجواب أيها الأحباب : أن الذم الوارد في حق الدنيا في القرآن والسنة كما ذَكَرْت ببعضه آنفاً ينصب على كل ما يُرتكب فيها من معاصي لا ترضي الله جل وعلا …

فالعاقل اللبيب هو الذي يعرف حقيقة هذه الدنيا ويجعل الدنيا مزرعة للآخرة كما قال عي بن طالب رضي الله عنه :

الدنيا دار صدِقٍ لمن صَدَقَهَا ، ودار غنى لمن تزود عنها ، ودار نعيم لمن فهم عنها فهى مهبط وحي الله وفيها مصلى أنبياءه وهى متجر أولياءه ربحوا فيها الرحمة وكسبوا فيها الجنة .

لابد من معرفة هذه الحقيقة لأن كثيراً من إخواننا حينما يتحدثون عن الدنيا يُشعرون كل صاحب نعمة في الدنيا أنه قد سقط وذَلَإلى الهاوية !! هذا كلام غير دقبق !!

إننا نركز الآن على جزئية خطيرة حًذٌر منها الله جل وعلا في القرآن ألا وهى (( رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها )) غفل عن الآخرة !!

نسى القبر!!ونسى الموت!! ونسى العرض على الله!!ونسى الوقوف بين يدي الله!! ونسي الميزان!!ونسي الصحف!!ونسي الجنة والنار!!

فتراه هائماً على وجه يأكل ويتمتع ويشرب وهو ينتسب إلى غلإسلام ولكنه لا يمتثل للإسلام أمراً ولم يجتنب للإسلام نهيا ولم يقف للإسلام عند حد قال الله جل وعلا :

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الأعراف : 179

هذا هو الصنف الذي وصفه الله عز وجل بأته أضل من الأنعام بنص القرآن أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ .

له عين ولكنه لايرى بها !! له أذن ولكنه لا يسمع بها !! له قلب ولكنه لا يفقه به !! فهو لا ينظر بعينه إلاَ إلى الحرام !! ولا سمع بأذنه إلاً الحرام !! ولا يفكر ولا يفقه بقلبه إلا من غير الرحيم الرحمن وعن غير سيد ولد عدنان !!

يا مسلمون: كم من الناس الآن ينتسب إلى الإسلام وهو في غفلة ، يكاد القلب أن يتمزق ويتقطع !! لا يكاد يعرف شيئاً عن الدين ، لا يكاد ينتسب إلى الدين أبداً .

إن ذُكًر ما تذكر !! بل ربما يهزئ بك أو ربما يسخر منك .

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ

وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ المطففين 29-31

فاذكر نفسي وإياكم أيها الأخيار الكرام بأن المال ظل زائل ، وبأن المنصب إلى زوال ، فالكرسي الذي تجلس عليه الآن أيها الحبيب جلس عليه قبلك المئات.. بل الألوف.. بل الملايين.. وسيجلس عليه من بعدك الألوف !! بل الملايين .. وسيجلس عليه من بعدك الألوف!! بل الملايين فأستحلفك بالله أن يقودك هذا الكرسي إلى الجنة ، إياك .. إياك أن يقودك هذا الكرسي إلى النار !!

فإن الكرسي زائل وإن المنصب فانٍ ، وإن المال ذاهب .

المال ظل زائل وعارية مسترجعة والدنيا مهما طالت فهى قصيرة ومهما عظمت فهى حقيرة لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر ، فاتخذ الدنيا مزرعة للآخرة ولا تنسى الآخرة أبداً .

مثل لنفسك أيها المغرور
يوم القيامة والسماء تمور

إذا كورت شمسُ النهار وأُدنيت
حتى على رأسِ العبادِ تسير

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وتبدلت بعض الضياء كدور

وإذا الجبال تقلعت بأصولها
فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا الوحوش لدى القيامة
وتقول للأملاك أين نسير

وإذا العشار تعطلت وتخربت
خلت الديار فما بها معمور

وإذا الجليل طوى السماء بيمينه
طيى السجل كتابه المنشور

وإذا الجليل طوى السماء بيمينه
طي السجل كتابه المنشور

وإذا الصحائف نشرت وتطايرت
وتهتكت للعالمين ستور

وإذا الجنين بأمه متعلقُ
يخشى القصاصَ وقلبه مذعور

هذا بلا ذنبً يخافُ جنايةً
كيف الُمصِرُ على الذنوب دهور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
ولها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
ولها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت
لفتى على طول البلاد صبور

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الزمر68 -69

أيها الأحباب الكرام : أذكر نفسي وإياكم وأسأل اله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .

وأكتفي بهذا القدر لأعرج سريعاً على بقية العناصر في كلمات موجزة وأسأل الله أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال وأقول قولي هذا واستفر الله لي ولكم …

منقول من موقع فضيلة الشيخ محمد حسان

جزاك الله خير
الله لا يجعلنا من الغافلين

جزاج الله خير اختي الغالية

حبيبي يا الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.