البارحة شعرت بالحسرة والندامة وأنا أقف فوق الميزان، فقد زاد وزني وتضخم كرشي بضعة كيلو جرامات منذ أن دخل علينا الشهر الفضيل، شعرت بأن جهودي خلال الأيام والشهور الماضية ضاعت هباء، فقد حرصت وعملت على إنقاص وزني حتى ولو لم يكن ذلك بجهود حثيثة ولا ببرامج حمية و«رجيم» قاسية، وكلما أنقصت جزءا من الكيلوجرام كنت أحتفل وأكافئ نفسي بوجبة دسمة غير محسوبة كأنها مسروقة، لكنني مع ذلك تمكنت من إنجاز رقم جديد ووصلت إلى وزن مناسب بعد شهور بشق الأنفس والصبر والمجهود في رحلة طويلة نحو الوزن المثالي، أمني النفس فيه كلما رأيت كرشي في المرآة.
غير أن أحلامي بالوزن المعتدل تصطدم في كل مرة بصخرة الواقع، فلست من الذين يقدرون على مقاومة إغراء الطعام والشراب وما لذ وطاب في الأيام العادية، فما بالك بأيام شهر الصيام التي يزداد فيها الخشية من الجوع والعطش في نهار الصيام.
وكيف نصل إلى وزن مثالي بدون جهد جهيد وبدون برامج حمية وغذاء صحي مفيد، وكيف نمتنع عن الطعام وكيف نصبر على الجوع وعلى مغريات الطعام، وكيف الصمود أمام موائد رمضان العامرة بما لذ وطاب!
وفي شهر الصيام عن الطعام والشراب وترك المنكرات من سيئ العادات والتقاليد، تزداد شراهتنا للطعام، فما إن يحل موعد الإفطار حتى نلتهم الأخضر واليابس من على مائدة الطعام، ولا نمهل البطن كثيرا من الوقت حتى نلاحقه “بالفوالة” التي يستمر وقتها وطقسها حتى موعد السحور، فنباغت البطن بمزيد من الدهون والشحوم وطيب الطعام والشراب.
غير أن ذلك مخالف لروح الشهر الفضيل الذي لم ندخل بعد نصفه الأخير، لازلنا صامدين نصوم أيامه وقد زادت حرارته وتعددت ساعاته، ننام في نهاره ونزدرد الطعام في لياليه، وهو شهر تنزيل البركات والرحمات، شهر العتق من النيران ومن زيادة الأوزان، فطوبى لمن انتهز ساعاته واغتنم أوقاته، وهنيئا لمن استثمره في الطاعات وفي كبت الشهوات وإنقاص الوزن وترك التدخين والابتعاد عن المنبهات، فهو شهر للصوم عن الطعام، وليس فرصة لالتهام المزيد مما لذ وطاب، ولتسمين الأكتاف وتربية الكروش اتباعا لسنة من قال إنها وجاهة ونعمة ودليل شبع وسعة حال.
غير أن ذلك غير صحيح، وهو بالتأكيد ليس صحيا ولا مفيدا، لكن للناس فيما يعتقدون سنن ومذاهب.
غير أنه والحال كذلك، فقد فتح الله باب رزق للكثير من رجال الأعمال والمسترزقين، فتكاثرت مراكز التخسيس والرشاقة وبرامج الحمية واختراعات وخلطات إنقاص الوزن والتحكم به، وزادت وصار منها للرجال ومنها للنساء، بل ومنها ما يخدم الجميع دون تفريق في الجنس أو النوع، ولم تعد تلك المراكز مقصورة على النساء ممن يحاولن الحفاظ على رشاقتهن وجمالهن، وتحولت المسألة إلى صناعة تدر مئات الملايين.
ووجدت أن الشباب والكبار يتسابقون على مراكز التخسيس من أجل قوام ممشوق وجسم متناسق مضبوط، فلا كرش ولا شحوم تثقل الجسم وتبطئ الخطوات وتقطع الأنفاس، ومن أجل عضلات مشدودة في الصدر والأكتاف.
تجد أحاديث الشباب لا تخلو من تبادل الأفكار حول أفضل الخلطات والوصفات التي تزيل الكرش وتضبط الأوزان، بل إنك كلما رأيت أحدا من الأصدقاء فلا بد أن تقول له ما شاء الله عليك إنقاص وزنك ملحوظ، ماذا فعلت وكيف استطعت وأي البرنامج اتبعت؟
أما هو فقد يكون لئيما، فما إن يراك حتى يربت على كرشك ساخرا مرددا يا سلام كيف استطعت تربية هذا الكرش الجميل؟
ومع تحول المسألة إلى صناعة ويندرج تحتها البرامج والخلطات الغذائية الصحية الخالية من الدهون وبرامج التمارين التي تساعد على الحفاظ على الرشاقة والجسم الممشوق ويعمل بها كثيرين منهم الخبير ومن المسترزق النصاب، فقد تحولت أيضا إلى موضة وظاهرة تشغل كثير من الناس من الجنسين وتجدهم يتبادلون المعلومات والنصائح والوصفات ويحجزون مواعيد للتخسيس تستمر لأيام وشهور وفيها يراقبون الأوزان في كل آن وحين.
وتبقى الشركات والمراكز من أكبر المستفيدين، فتنشط أكثر وتزيد من العروض والمنتجات والأسعار، ويبقى أمثالي لا يعرفون الموضة وكروشهم متهدلة مترهلة ممتدة.