السلام عليكم ورحمه الله و بركاته
تاريخ النشر: الجمعة 28 يناير 2024
النعمة هي خير يصل الى المرء في دينه ودنياه فالمال والجاه والإيمان والسمع والبصر والعلم والحكمة وغيرها نعم، أما القرآن الكريم فهو أجل وأعظم النعم على الإطلاق لذا كان من أسمائه «النعمة» وقال بذلك ابن كثير والقرطبي ومجاهد وابن عباس وغيرهم عما جاء في معنى قوله تعالى «وأما بنعمة ربك فحدث».
أحمد محمد (القاهرة) – قال ابن عباس هي الاسلام كله، ويستدل الذين ذهبوا الى أن «النعمة» اسم من أسماء القرآن الكريم بقوله تعالى:» واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به..» البقرة الآية 231 وقوله سبحانه «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..» آل عمران الأية 103 وقوله عز وجل: «يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون» النحل الآية 83 وقوله تعالى:»فذكر فما انت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون» الطور الآية 29 وقوله: «وأما بنعمة ربك فحدث» (الضحى الآية 11)
التبليغ الواضح
جاء في التفاسير عن هذه الآيات الكريمات البينات: اذكروا نعم الله عليكم وما انزل من كتاب مبين للرسالة المحمدية والعلوم النافعة والأمثال والقصص التي بها تتعظون وتهتدون، وتمسكوا بدين الله مجتمعين، ولا تفعلوا ما يؤدي الى فرقتكم، وتذكروا نعمة الله عليكم حين كنتم في الجاهلية متعادين فألف بين قلوبكم بالإسلام فصرتم متحابين وكنتم على طرف حفرة من النار فخلصكم منها بالإسلام يمثل ذلك البيان البديع يبين الله لكم دائما طرق الخير لتدوموا على الهدى، وأن السبيل للاجتماع الكامل على الحق في ظل كتابه الله ورسوله.
واذكروا نعمة الله عليكم بهدايتكم إلى الإسلام وحافظوا على تنفيذ عهده الذي عاهدكم عليه حين بايعتم رسوله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وإن اعرض الذين تدعوهم الى الاسلام فلا تبعة عليك في أعراضهم، فليس عليك إلا التبليغ الواضح وقد فعلت، وإن إعراض هؤلاء الكفار ليس لأنهم يجهلون أن الله سبحانه وتعالى هو مصدر كل النعم عليهم ولكنهم يعملون عمل من ينكرها حيث لم يشكروه عليها فدُم على ما انت عليه من التذكير، فما أنت بما أنعم الله عليك من النبوة ورجاحة العقل بكاهن تخبر بالغيب دون علم، ولا مجنون تقول ما لا تقصد، وليأتوا بحديث مثل هذا القرآن إن كانوا صادقين.
ويقسم الله سبحانه وتعالى -وهو غني عن القسم- بالقلم الذي يكتب به الملائكة وغيرهم وبما يكتبونه من الخير والمنافع، ما أنت بضعيف وقد أنعم الله عليك بالنبوة وأن لك على ما تلقاه من تبليغ الرسالة ثوابا عظيما غير مقطوع، وأما بنعمة ربك فحدث، شكرا لله وإظهارا للنعمة، وحدث بالنبوة التي أتاك الله وهي أجل النعم، والصحيح أنها تعم جميع نعم الله ومنها تعليم القرآن والشرائع.
الرحمة ثمرة هداية
يدلل العلماء على أن القرآن نعمة، بل اكبر النعم وجامعها بأن المؤمنين به أرحم الناس، والرحمة ثمرة هداية من القرآن يفيض بها على قلوبهم وهي صفة كمال من آثارها إغاثة الملهوف وبذل المعروف وكف الظلم ومنع التعدي والبغي وغير ذلك من أعمال الخير والبر ومقاومة الشر، فقد احدث القرآن في انفس العرب ثورة بما جاء به من إصلاح للبشر، غير ما بالأنفس من مفاسد الجاهلية وأحدث اعظم ثورة روحية اجتماعية في التاريخ، هدم معاقل الوثنية وحصونها المشيدة في الافكار والقلوب، بدحض الشبهات وتفصيل الحجج العقلية والمواعظ الخطابية وضرب الأمثال وطهر العقول من رجس الشرك وخرافات الوثنية وتزكيتها بالأخلاق العالية والفضائل السامية.
ان عقيدة التوحيد القرآني هي أعلى المعارف التي ترقي الإنسان الى أعلى ما خلق، جاء القرآن للبشر بالإصلاح وأعاد دين النبيين الى اصله المعقول وهو ما كرم الله تعالى به الإنسان وجعل سعادته وشقاءه منوطين بعمله وإيمانه وان الجزاء على الكفر والظلم والفساد في الأرض يكون بعدل الله تعالى بين جميع خلقه، يذكر به القرآن بأساليبه العجيبة التي فيها حس البيان، وتقريب البعيد من الأذهان تارة بالحجة والبرهان وتارة بضرب الأمثال وقد تكرر في آيات بينات لعلها تبلغ المئات.
ومن إعجازه لا تمل ولا تسأم لاختلاف الأسلوب والنظم والفواصل ففي كل عصر وكل جيل يقوم القرآن بالمهمة التي كانت تقوم بها المعجزة المحسوسة لتصديق الرسل ولكنه معجزة معقولة تخاطب الضمير والوجدان وتستثير الإنسان لتحكيم عقله، والاعتبار بما أبدع الله عز وجل في الكون من آيات بينات وشواهد واضحات على وجوده وألوهيته ووحدانيته وصدق رسوله فيما اخبر به عنه من أحوال المعاد، وما دعا اليه من عبادته والعمل بشريعته التي تحقق السعادة الأبدية وتكفل للناس ما يصبون اليه من طمأنينة نفس وراحة بال وأى نعمة اعظم من ذلك وما كان شيء يحقق هذه النعم إلا القرآن.
نعمة المعرفة
القرآن كتاب الله ورسالته الخالدة الى البشر التي أخرجتهم من الظلمات الى النور واستنقذتهم من الضلال الى الهدى، وضمنت لهم سعادة الدنيا والآخرة بعد ان كان الناس يهيمون في أودية الجهل فجاء القرآن بالتوحيد وألزمهم الحجة، وعرف المؤمنين بالله عز وجل تعريفا يحصل معه الاطمئنان، وتنتفي به الوساوس، ودلهم على صفاته وأفعاله، علما بقصورهم عن إدراك حقيقته.
ولم يكتف القرآن بنعمة المعرفة وهي أعظم النعم والتي تقطعت دونها أعناق الفلاسفة منذ القدم، لم يكتف بهداية البشر الى هذه النعمة بل زاد فتفضل عليهم بالإرشاد الى كيفية شكرها الواجب، وذلك بأن دلهم على طريقة عبادته تعالى والتقرب اليه وطلب مرضاته، وشرح للناس ما ينظم أحوالهم المعيشية ويضبط أمور حياتهم وما يصون مصالح الفرد والجماعة ويحمي الحقوق ويحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس.
عجائب وأسرار
القرآن الكريم هو الذي فك العقول من عقالها وأطلق النفوس من إسارها وأنحى على التقليد والمقلدين بالذم والتوبيخ، وجه الأنظار الى الأنفس وما فيها من عجائب وغرائز وأسرار، والى النظر في آيات الكون علوية وسفلية وظاهرة وخفية، وقضى على دعاوى الجاهلية والتفرقة العنصرية والنسبية واللونية، ووضع أسس المساواة بين الناس. فلا فضل ولا منزلة ولا نعمة أكبر من القرآن.
والسلا معليكم ورحمه الله و بركاته