تخطى إلى المحتوى

لكل مبتلى المصائب والمحن

لكل مبتلى المصائب والمحن
وقفة:
قال ابن القيم –رحمه الله-: وتمام الكلام في مسائل المصائب والمحن يتبين بأصول نافعة جامعة:
الأول: أن ما يصيب المؤمنين من الشرور دون ما يصيب الكافرين.
الثاني: أن ما يصيب المؤمنين مقرون بالرضا والاحتساب فإن فاتهم فمعوَّلهم على الصبر وعلى الاحتساب، وذلك يخفف البلاء بلا ريب.
الثالث: أن المؤمن محمول عنه بحسب طاعته، وإخلاصه ووجود حقائق الإيمان في قلبه، بحيث لو كان شيء منه على غيره لعجز عن حمله، وهذا من دفع الله عن عبد المؤمن.
الرابع: أن محبة الله إذا تمكنت في القلب كان أذى المحب في رضا محبوبه مستحلى غير مسخوط.
الخامس: أن ما يصيب الكافر، والفاجر، من العز وتوابعه مقرون بضده.
السادس: أن ابتلاء الله لعبده المؤمن كالدواء يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه.
السابع: أن ذلك من الأمور اللازمة للبشر.
الثامن: أن لله في ذلك حكمًا عظيمة معروفة.
التاسع: أن ذلك من الابتلاء، والامتحان الذي يظهر به الصادق من الكاذب.
العاشر: أن الإنسان مدني بالطبع ولابد من الاختلاط، واختلاف التصورات، والإرادات التي تنشأ عنها كثير من الأكدار، والمؤمن مأمور أن يقوم بوظيفته فيها، وذلك مما يهون المصيبة.
الحادي عشر: أن البلاء الذي يصيب العبد لا يخرج عن أربعة أقسام: إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، أو في أهله ومن يحب، والناس مشتركون في حصولها، فغير المؤمن التقي يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن كما هو مشاهد.
الأبناء
أمر تربية الأبناء عظيم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..» فخافت هذه الأم من يوم الحساب وتذكرت جزاء التفريط في الأمانة مع كثرة الفتن وانتشارها وظهورها!!! فحرصت بكل ما تملك على حسن تربية أبنائها وجعلت لهم نصيبًا من الدعاء في سجودها، وقيامها، وجلوسها، وتكبدت المشقة في سبيل رعايتهم وتوجيههم والصبر على ذلك سنوات طويلة، وهي تقوم بهذا الأمر محتسبة صابرة، وكانت تتطلع إلى السماء وتشكو إلى الله صعوبة التربية مع كثرة أبنائها وتقارب أعمارهم.
لكنها بعد اعتمادها على الله عز وجل وثقتها به، جعلت من بيتها واحة إيمانية ليس فيها للفتن مكان، بل كانت المربي والموجه، ولم تجعل للشاشة وما يعرض فيها مدخلاً على قلوبهم، وكانت ترفض الذهاب لدعوة من معارفها ممن لديهم شاشة تلفاز، حتى تحافظ على صغارها! ولطالما تمنت تلبية الدعوة، لكنها تمتنع إتمامًا لنهجها في تربية الصغار.
وكان لهذا الجهد ثمرة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً فأكرمها الله بأبناء نجباء، حفظوا كتاب الله عز وجل، وعندما يؤذن المؤذن تسمع صوت أحدهم إمامًا يقتدي به المصلون فتسر وتفرح وتسأل الله الثبات!
وإذا أقبل الليل فرحت لأنه يجمع أبناءها حولها… في حين إذا أقبل الليل على غيرها من الأمهات بدأ القلق والهم، والغم يطرق قلبها: أين يذهب ابنها المراهق في ظلمة الليل؟!
حمدت الله عز وجل، وشكرته على نعمه العظيمة.
وقفة:
قال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال.

التحول الكبير
شاب في مقتبل العمر، أنعم الله عليه بالصحة والعافية، وكان والده ثريًا موسر الحال، يملك الدور والقصور، ولديه شركات تجارية ناجحة، فنشأ في بيت مدلل، لا يرد له طلب، لكنه –مع الأسف- لاه ساه غافل، لا يعرف الصلاة إلا بين الحين والآخر، ولما شب عن الطوق تخاطفه رفقاء السوء… منهم من يحبه لجرأته في التحدث عن علاقاته العاطفية، ومنهم من يخطب وده للمال الذي ينفقه! لم يفكر يومًا أن هذا المال بهذه الحياة هو طريق إلى النار والعياذ بالله!
في مطلع كل صيف يسافر شهورًا طويلة، ولا تسل عما يفعل من المعاصي! بل هل هو ترك امرًا لم يعص الله عز وجل فيه؟! لقد كان هذا المال معينًا له على الفساد والانحلال!
ومرت السنوات وهو على هذه الحال، حتى قارب عمره الخامسة والعشرين؛ وكانت الإجازة الصيفية على الأبواب وقد رتب أمر السفر،واستعد للفساد والإفساد بكل ما أوتي من قوة وحيلة، ومال وجاه، وصحة ونشاط! لكن الله عز وجل لطيفًا بعباده أمهله على كثرة ذنوبه، وأمد في أجله مع مبارزته له بالمعاصي لطف به حتى كان ذاك اليوم وتلك الليلة، ساق الله له الخير سوقًا، وأنقذه من جهله وغفلته، فإذا الخير يقدم مع سيارة مسرعة لتلقي بسيارته خارج الطريق ويمضي في السيارة قرابة الساعتين في غيبوبة لا يعلم عنه أحد ولما أفاق بعد أسبوع فإذا به يفاجأ لقد انتقل من قصره الواسع إلى غرفة في المستشفى، وتغيرت حاله، تكسرت أسنانه، وجرح وجهه،وتشوهت ملامحه، وأقعدت قدماه، لقد أصيب بالشلل!
لقد كانت صدمة قوية، غيرت مجرى حياته وأثرت فيه تأثيرًا عجيبًا، بدأ يسترجع أيامه ولياليه، فرأى أن صحته ذهبت في الحرام، ونشاطه كان في الجري وراء الشهوات.. اليوم أقعده الله عز وجل ليراجع نفسه ويفيق من غفوته، وقال بلسان حاله: الله لطيف بعباده يعصونه ويمهلهم وينكرون نعمته ويمدهم ويتم نعمته بأمر كهذا ليعودوا إليه! حزن أن تكون صحته تراق في شهوة، ونشاطه في معصية، وتذكر بعد شهور من لزوم الاستقامة حال يوسف –عليه السلام- وكيف أتته المعصية وردها وكيف رضي بالسجن ولا يقارف المعصية!
قال ابن القيم نقلاً عن شيخه ابن تيمية:
«كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخواته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا، ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شابًا وداعية الشباب إليها قوية، وعزبًا ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبًا والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا والمملوك أيضًا ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب، وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص، وتوعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارًا، وإيثارًا لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ماليس من كسبه»؟!
تأمل الشاب في حاله، فقال: الحمد لله الذي رد علي ديني، وأعانني على التوبة! اليوم عرفت أن فتنة الغنى والصحة والشباب كانت لي نقمة فلم أصرفها في الخير حتى لطف الله بي، وردني إليه ردًا جميلاً.
وقفة:
قال الأستاذ مصطفى الرافعي: ومثل الابتلاء كقشر البيضة سجن لما فيها… تحفظ ما بداخلها حتى يتشكل ويخرج بعد ذلك خلقًا آخر، وكذلك المبتلى يكون ابتلاؤه سجنًا له ويشكل وهو فيه حتى يخرج من الابتلاء وهو خلق آخر.

يزاج الله خير

اللَّهُمَّ يَا بَارِئَ البَرِيَّاتِ ، وَغَافِرَالخَـطِيَّاتِ ،
وَعَالِمَ الخَفِيَّاتِ ، المُطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِرِ وَالنِّيَّاتِ ،
يَا مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً ، وَوَسِعَ كُلّ شَيْءٍرَحْمَةً ، وَقَهَرَ كُلّ مَخْلُوقٍ عِزَّةً وَحُكْماً ،
اغْفِرْ لِها ذُنُوبِها ، وَاسْتُرْ عُيُوبِها ، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِها
وجعل كل ماتكتبه وتقدمة في ميزان حسناتها
آآآآآآمييييين

بارك الله فيك حبيبتي …

بارك الله فيكِ و أثابكِ خيراً و رزقكِ كل خير بإذنهِ تعالىَ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.