تخطى إلى المحتوى

التربية الحسنة وصلاح الذرية .

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن التربية الحسنة وصلاح الذرية أمنية كل أب وأم، وقد اعتنى بها الإسلام عناية خاصة، وأصَّل لها أصولاً راسخة في المصدرين الأولين الكتاب والسنة، وكتب في نظرياتها الكُتّاب على اختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم، وهذه الصفحات عبارة عن تجارب تربوية ناجحة – بإذن الله تعالى – مارسها بعض المربين، وأحببنا تسجيلها؛ لعل فيها ضياء يستنير بها المتطلعون إلى صلاح الأبناء والبنات؛ أملاً في أن يكونوا أعضاء نافعين لأنفسهم، ودينهم، وأمتهم الإسلامية.
ولقد حرصنا في عرضها على بساطة الأسلوب، والعرض القصصي الواقعي، فإن وُفِّقنا فمن الله – تعالى – وبتسديد منه، وإن كان غير ذلك فمن أنفسنا ولا تتعدى أن تكون اجتهادًا شخصيًا، نرجو ثوابها عند الله تعالى، ونسأله جل شأنه أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان حسنات كل من ساهم في إخراجها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

التربية، مصدرها ومتى تبدأ:
كنوز القرآن والسنة أصول تربوية كبيرة الفائدة، عظيمة الأثر، وحين يكون الحديث عن الطفولة فإن هذه المرحلة كالبذرة الصغيرة، والنبتة الضعيفة، إذ أرادنا لها النمو والقوة والاشتداد فعلينا بمنبع الإسلام الصافي؛ لنربي أبناءنا على منهج كتاب الله ووفق سنة رسول الله ، ولنحرص على هذه التربية منذ نعومة أظفارهم، حيث مرحلة التنشئة.
فالأطفال كالنبتة الصغيرة تحتاج على رعاية تامة؛ من ماء، وهواء، وشمس حتى تكبر وتشتد، والأطفال بحاجة إلى متابعة توجيه، ما داموا في هذه المرحلة من العمر، حتى إذا اشتد عودهم، وصاروا كبارًا كانوا على خير بإذن الله تعالى، أما إذا نشؤوا مهملين فيصعب عند الكبر توجيههم وإصلاحهم.
نجد في وقتنا الحاضر كثيرًا من الأمهات يشتكين من أبنائهن، لعدم أداء صلاة الفجر في جماعة، بسبب عدم تعودهم عليها منذ الصغر.
تحكي إحدى الأخوات أن طفلها منذ أن كان في الصف الثالث، أو الرابع الابتدائي كان لا يترك الصلاة مع الجماعة في كل وقت، حتى صلاة الفجر، وكان في ليالي الشتاء الباردة يلبس الملابس الثقيلة، ويخرج مع أبيه إلى المسجد، وفي إحدى الليالي قال أحد جماعة المسجد لوالده: لا تخرج به في مثل هذا الوقت؛ لبرودة الجو، وعدم تحمل الطفل لها، ولكن الأب استمر على الذهاب بابنه إلى المسجد في كل الأوقات؛ لأنه ليس هناك فرق بين ذهابه إلى المسجد، وموعد المدرسة -أي: بين صلاة الفجر وموعد الدراسة – سوى ساعة واحدة تقريبًا, فلماذا نهتم بأمر الدنيا أكثر من الاهتمام بأمر الله والدار الآخرة؟ واستمر هذا الابن على المحافظة على الصلاة في المسجد، في كل وقت، وقد بلغ قرابة العشرين عامًا من عمره وهو مثال في المحافظة على الصلاة في جماعة حتى في الفجر، وغيره؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يذكر عنه أنه يقول: كنا نعيش في بغداد وكان والدي قد توفي، وكنت أعيش مع أمي، فإذا كان قبل الفجر أيقظتني أمي، وسَخّنت لي الماء، ثم توضأت. وكان عمره آنذاك عشر سنين، يقول: «وجلسنا نصلي حتى يؤذن الفجر» – هو وأمه رحمهما الله – وعند الأذان تصحبه أمه إلى المسجد، وتنتظره حتى تنتهي الصلاة؛ لأن الأسواق حينئذ مظلمة، وقد تكون فيها السباع والهوام، ثم يعودان إلى البيت بعد أداء الصلاة، وعندما كبر أرسلته أمه لطلب العلم.
ويقول أحد العلماء: إن لأم الإمام أحمد بن حنبل من الأجر، مثل ما لابنها؛ لأنها هي التي دلته على الخير.
نعمة الذرية:
إن نعمة الذرية نعمة جميلة، لا يُقَدِّر قيمتها إلا من فقدها، والنعمة تستحق الشكر للمنعم، ومن أجَلِّ مظاهر شكرها حسن تربيتها، ورعايتها الرعاية الشرعية الصحيحة، فكيف تكون هذه التربية وتلك الرعاية؟
هذا التساؤل هو ما سنحاول الإجابة عليه قدر المستطاع في هذه الكلمات – بإذن الله -، إن هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا، وزين بها بيوتنا، ثم أوكل إليها حق رعايتها، وإصلاحها، والعناية بها جديرة بالدراسة، والتخطيط، والمتابعة، قال رسول الله : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» إلى أن قال: «والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده» الحديث متفق عليه.
فما هي تلك الرعاية؟
تبدأ الرعاية في الإسلام قبل عقد الزوجية، حيث أوصى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة، لما لها من أثر في صلاح الذرية، فن حكمة البدء بصلاح الأم، وحسن اختيارها، وهذا هو صريح وصية الرسول عليه الصلاة والسلام – «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فالأم الصالحة مثل الأرض الصالحة للزراعة، ثم يأتي – بعد الزواج – التوجيه النبوي الكريم إلى ما يكون سببًا في صلاح الأبناء، قبل تكوينهم في أرحام أمهاتهم، حيث ورد قوله : «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره». والحديث متفق عليه.
فسبحان الله، ما أعظم اهتمام الإسلام بالأبناء حتى في هذه اللحظة.. تسمية ودعاء, وهذا دليل على بركة التسمية، وأهميتها، وأهمية الدعاء وفي ذلك اعتصام بذكر الله، وتبرك باسمه، واستشعار بأن الله تعالى هو الميسر، والمعين، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله سبحانه وتعالى يطرد الشياطين.
وأمر آخر مما يدل على عناية الإسلام بالرعاية الطبية للأبناء، هو الدعاء لهم، فدعاء الله سبحانه وتعالى هو نهج الأنبياء والصالحين في كل حال من أحوالهم، فهذا زكريا  يدعو الله سبحانه وتعالى قبل أن يرزق الذرية قال تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فلننظر إلى قوله ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً لأنه لا يريد أية ذرية، بل ذرية طيبة.
ويحدثنا القرآن الكريم أيضًا عن امرأة عمران – أم مريم عليهما السلام – ودعائها ربها حين الحمل وبعد الولادة يقول تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 35، 36].
الله أكبر, تدعو لابنتها ولذريتها، فهل لفت انتباهنا – نحن المربين – هذا الدعاء ودعونا به؟
كانت إحدى الأخوات حاملاً، وعند آلام الوضع تذكرت دعاء أم مريم لابنتها مريم عليها السلام، بعد ولادتها لها وتقول: لقد ألهمني الله أن أدعو بهذا الدعاء بعد ولادتي طفلتي: «اللهم إني أعذيها بك وذريتها من الشيطان الرجيم».
تقول هذه الأخت: لقد رأيت على هذه البنت صفة الهدوء، والراحة في تربيتها، ما لم أجده فيمن قبلها من أخواتها، ولله الحمد، ونسأل الله أن يديم عليها ويجعلها قرة عين لوالديها، وذخرًا للإسلام والمسلمين.
عناية السلف بالتربية
يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله: كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ فقال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية؛ لأن التربية يُبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل، أو بعد مضي سنوات من عمره الأول، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة؛ لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله، وبعد ولادته، والأم هي الفاعل الأساسي في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب؛ وذلك لالتصاقها بالطفل، ولأن الطفل قطعة منها، ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم؛ لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهميةً، وهي مرحلة ما قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة الأساس في حياته، وكلما دعمت بالرعاية والإشراف والتوجيه، كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه.
وكلما أخذت التربية منا جهدًا أكبر أثمرت هذه التربية ثمرة أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس؛ ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تجب العناية بتأسيس الأبناء.
وهنا إشارة إلى أن التربية الإسلامية، التي عليها الأساس القوي، هي تربية الروح، فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير، وربط صلتها بالله تعالى بالذكر والدعاء في كل حين، وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في خلقه، ومأكله، ومشربه، ولبسه، ذلك مطلب أهم من العناية بالأكل، والشرب، واللباس، مجردة من استشعار فضل الله فيها، فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها، ومتابعتها، وتحقيقها للطفل، إذن فالمهم الاعتراف والإقرار، والحمد والشكر للذي هيأها وأنعم بها علينا.
من ثمار التربية الحسنة
يذكر أن طفلة في السنة الخامسة الابتدائية، كانت تؤدي سنة الضحى قبل ذهابها إلى المدرسة، وفي اليوم الذي يضيق فيه الوقت، ولا تتمكن من أداء السنة في البيت قبل الخروج، تقول: أشعر بضيق ينتابني في المدرسة في ذلك اليوم عندما أتذكر أني خرجت قبل أداء هذه السنة.
إن الطفل في هذه السن كالورقة البيضاء، مستعد لأن يُكتب فيه أي شيء، من خير، أو شر، لذا يجب على المربين أن يهتموا كثيرًا بالتربية في هذه المرحلة، وينبغي الاهتمام أكثر من جانب الأمهات، فعليهن منح الطفل ما يحتاجه من حب وحنان، وهذا ضروري؛ لتعليم الطفل محبة الآخرين، والمحبة غريزة طبيعية في كل طفل، ولذا ينبغي صرفها في البداية إلى محبة الله سبحانه وتعالى، ثم إلى محبة رسوله ، ثم الوالدين، والأقربين، وعامة المسلمين.
فمثلاً إذا أهدى للطفل قطعة من الحلوى، أو لعبة، أو غيرها، فسنجد أن هذا الطفل يحب من أهدى له, فما بالكم إذا ذُكِّر الطفل بنعم الله عليه من المآكل، والمشارب، والملابس، والصحة والعافية بين فترة وأخرى؟ ولفت انتباهه إلى أن هذا من رزق الله، فبإذن الله تعالى ستنغرس في قلب هذا الطفل محبة الله سبحانه وتعالى.
دخل الأب يومًا إلى المنزل، وقد أحضر معه أنواعًا من الفاكهة، فجلست الطفلة ذات الأربع سنوات تنظر إلى هذه النعم، بينما الأم والأب منشغلان في حديث ما، فإذا بالطفلة تقطع حديثهما قائلة: أنا أحب ربي! وعندما سئلت لماذا؟ قالت: انظروا ماذا أعطانا، تشير إلى الفاكهة، فقد يغفل الوالدان والطفل يُذَكِّرهما بنعم الله عليهم.
التربية الروحية الإيمانية للطفل
ينبغي لطفل الثالثة من العمر أن يرى أمه وأباه وهما يصليان، وينبغي أن يسمعهما يتلوان القرآن.
إن استماع الطفل للقرآن الكريم والأذكار اليومية، من والديه وإخوانه، وتكرار هذا السماع يغذي روحه، ويحيي قلبه كما يحيي المطر الأرض المجدبة، فإن سماع الطفل لوالديه، وهما يذكران الله تعالى ومشاهدته لهما في عبادتهما، لذلك أثر في أفعاله، وأقواله، ومن الأمثلة على ذلك القصة الآتية مع هذه الطفلة:
انتهت الأم من الوضوء، وإذا بطفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، تغسل وجهها، ويديها مقتدية بأمها، وترفع أصبعها السبابة قائلة: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أن الطفلة لاحظت من والديها أن هناك ذكرًا مخصصًا يقال بعد الوضوء.
وقصة أخرى:
أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء – في أحد الأيام – وقامت لإكمال عملها في المنزل وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك قبل أن تقولي: استغفر الله؟ هذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال لوالديهم.

* * * *

من وسائل التربية والتسلية البريئة
الأناشيد والأشرطة والقصص المفيدة:
لا ننسى أن الطفل بحاجة إلى المداعبة، والأناشيد، ولتكن الأناشيد لتنمية العقيدة أولاً، وبأسلوب يلائم الطفل كقول الشاعر مثلاً:
أنا أحب إلهي
ودِينَه وكِتَابَه

كذا أحب رسولي
محمدًا وصحابه

ولقد أدرك رسول الله  أهمية اللعب والتسلية للفتيان، والفتيات، وقصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين مكنها رسول الله  من رؤية أهل الحبشة، وهم يلعبون شاهد على ذلك، وتؤكد عائشة رضي الله عنها بقوله: «أقدر للجارية قدرها».
كما أن الطفل يحتاج إلى تجدد الأشرطة، والقصص المفيدة النافعة، بين فترة وأخرى، ولبيان أهمية الأشرطة، والكتب النافعة إليكم هذه القصة:
كان أحد الآباء حريصًا على شراء ما استجد من القصص، والكتب المفيدة لأولاده، وفي ضحى يوم من أيام رمضان دخلت أم الطفل ذي التسع سنوات؛ لإيقاظه، وعندما استيقظ قال لأمه قبل أن ينهض من فراشه: لقد خَطَّطْتُ برنامجًا يوميًا لي، بدأت به منذ صباح اليوم وقال: لقد صليت الفجر، وجلست اذكر الله حتى أشرقت الشمس، ثم أديت ركعتين، ونمت، وسأكمل برنامجي اليوم، سألته أمه: كيف ستنظم وقتك؟ قال: لقد أخذت تنظيم يومي من هذا الكتاب.
فانظر أيها المربي أثر الكتب النافعة على النشء المسلم.
الأذكار والطفل المسلم
يلقن الطفل في الثالثة والرابعة أذكار الصبح والمساء، والنوم، والطعام، والشراب.
وسماع الطفل للأذكار، وحفظها لها وممارستها ربط وثيق لروحه بالله عز وجل فتنمو روحه، وتسلم فطرته من الانحراف.
ذهبت إحدى الأسر للتنزه في البر، وعندما نزلت الأسرة ذهب الطفل مسرعًا يجري في البر، فرحًا مسرورًا، وإذا به يعود مسرعًا سائلاً والدته: ما هو الذكر الذي يقال في هذا المكان؟ وكما هو معلوم فإن الذكر المقصود، ما ورد عن الرسول  كما قالت خولة بنت حكيم رضي الله عنها: سمعت رسول الله  يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» رواه مسلم.
إن هذا الطفل أحسَّ أن المسلم له أذكار معينة، بعضها خاص بالزمان، وبعضها خاص بالمكان وهكذا، وقد أدرك هذا الطفل حقيقة العلاقة بربه، وأنها دائمة مستمرة، وذلك مما تعوده من والديه، وإذا تربى الطفل على ذلك كان صالحًا بإذن الله، وكان له أثر على أقرانه، ومن لهم به صلة.
ومن القصص حول نشأة الطفل على الذكر والصلة بالله، أنه في أحد الأيام جاء الطفل الصغير البالغ من العمر أربع سنوات إلى أمه بلباس جديد قد ألبسته إياه أخته، البالغة من العمر ثلاث عشرة سنة، فقالت له أمه: دعني أقول لك دعاء لبس الجديد، فقال الطفل: لقد قلته، فاستغربت الأم؛ لأنها تعلم أن الطفل لا يحفظ هذا الدعاء، قال الطفل لأمه: قالت أختي الدعاء، ورددته معها، فلننظر إلى أن صلاح هذه الفتاة كان له اثر حتى على إخوانها الصغار.
التعريف بالخالق بشكل مبسط
يُعَرَّف الطفل بالله عز وجل بطريقة تتناسب مع إدراكه، ومستواه، فيُعَلَّم بأن الله واحد لا شريك له، ويعلم بأنه الخالق لكل شيء، فهو خالق الأرض، والسماء، والناس، والحيوانات، والأشجار، والأنهار… وغيرها، ويمكن أن يستغل المربي بعض المواقف؛ فيسأل الطفل إذا خرجوا في نزهة أو كانوا في بستان، أو في البرية عن خالق الماء، والأنهار، وما حوله من مظاهر الطبيعة؛ ليلفت نظره إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى فقد يكون الأب، أو الأم، أو المربي، بصفة عامة مع طفل، أو مجموعة من الأطفال في سيارة في سفر، أو رحلة قوت غروب الشمس وهي تتوارى عن الأنظار تدريجيًا، فما على المربي حينئذ إلا أن يلفت نظر من معه إلى قدرة الله عز وجل في ذلك.
كما يوجه الطفل لإدراك فضل الله عليه، وما أسبغه عليه من نعمة الصحة والعافية، فيقال له مثلاً: من الذي أعطاك السمع، والبصر، والعقل؟ من الذي أعطاك القوة، والقدرة على الحركة؟… وهكذا.
ويُحث أيضًا على محبة الله، وشكره على هذه النعم، وهذا الفضل, إنَّ تحبيب الله إلى الطفل وما يحبه الله أمر جيد، وله مردوده التربوي عاجلاً وآجلاً بإذنه تعالى.
فتحت الأم الشباك من غرفة منزلهم في الدور الثاني للتهوية، وإذا بطفلها يأتي مسرعًا ويقفل الشباك، وعندما سألته أمه لماذا تصرفت هذا التصرف؟ قال: إني رأيت الدِّش في أحد سطوح المنازل المجاورة لنا، وأردف قائلاً: إني لا أريد أن أنظر إلى شيء لا يحبه ربي.
قد يَسأل الطفلُ عن ربه، هل يأكل؟ هل ينام؟ وعند ذلك لابد من إجابته بأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وأنه لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وإن الله ليس مثلنا بحاجة إلى النوم، والطعام، والشراب.
إن تبسيط هذه المعاني للطفل، وتوضيحها له بشكل مناسب لسنَّه وتعظيم الله في قلبه مما يساعد على مراقبته لربه في السر والعلانية.
القصة وأثرها في التربية
للقصة دورٌ وأثر فعال في تربية الطفل، وتحبيب الله ورسوله  إليه؛ فقصة نبع ماء زمزم عند قدمي إسماعيل  تملأ قلب الطفل محبة لله تعالى وكذا من القصص المحببة للطفل قصة موسى  وعصاه، وغرق فرعون وجنوده، وقصة اختفاء الرسول محمد  في الغار، وتحبيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الأطفال، والناشئة عامل مساعد على الاقتداء بهم، والتأسي بمسلكهم، وسنتهم.
ومما يحسن رواية الأحاديث المناسبة لأعمارهم وتحفيظهم إياها.
وقد يقول قائل: كيف يحبون الرسل والأنبياء، وهم لم يروهم؟
فالجواب، أن من أسدى لك معروفًا، أو ذكر لك بخير، فإنك تميل إليه، وتحبه وأنت لم تره, فالرسل أولى من غيرهم، وفضلهم بعد الله على أممهم لا يقدر بثمن.
إن مما ينمي في الأطفال محبة الرسول  ذكر طائفة من الأحاديث والمواقف النبوية المناسبة، كحديث: «يا أبا عمير ماذا فعل النغير؟» وقصة الغلام الذي كان في حجر الرسول  ويده تطيش في الصحفة، وحسن خلقه ، وتعامله معه، وأحاديث الحق على زيارة المريض، والعناية باليتيم، وبر الوالدين، وعدم التناجي بين الاثنين دون الثالث، كل هذه مما يقر به عليه الصلاة والسلام إلى قلوب الناشئة، وينمى شعورهم بمحبته ومعرفة فضله علينا .

* * * *

مواقف ونظرات في التربية
إن هدي الرسول  وذكره للأطفال دائمًا وتشجيع من يقتدي به منهم حث عملي على ارتباطهم بسنته، كما أن تحبيب شرائع الإسلام لهم حسب المناسبات؛ كقصر الصلاة في السفر مثلاً لفت لأنظار الأطفال والناشئة إلى أن هذا من يسر الدين وسهولته.
* أما القرآن الكريم فيحسن تلقين الطفل في الثالثة أو الرابعة من عمره، سورة الفاتحة، وقصار السور، ثم في سن السادسة يمكن إرسالهم إلى حلقة لتعليم القرآن الكريم في المساجد، ودور القرآن، وربط الطفل ببيت الله وبكلامه عز وجل صلة بين روحه وخالقها، كما أن مشاهدة الطفل لمعلم الحلقة وقد اهتم بتطبيق السنة في لباسه، ومظهره، ومحافظته على الصلاة، وإعفائه للحيته، وحسن تعامله، وأخلاقه، كل ذلك باعث على الاقتداء به في المستقبل بإذن الله تعالى.
* ومن طرائف الأطفال، أنه أتى طفل في يوم من الأيام من الروضة، وسأل والدته: ماذا سأكون إذا كبرت؟ وكان اسم الطفل محمدًا، فقالت له والدته: هل تريد أن تكون إمامًا لمسجد وتعلم الناس الخير؟ فأخذ الطفل يفكر قليلاً ثم سأل والدته، هل سيكون في بلدنا – وكان من أهل القصيم – شيخان اسمهما محمد؟ قالت له: ومن هما؟ قال: الشيخ محمد بن عثيمين وأنا.
فلننظر أيها المربون إلى هذا الطفل، وتطلعه، وإلى من بادر في تفكيره، حيث تبارد إلى ذهنه هذا العالم الجليل والطفل يتأثر بمن حوله وما يحيط به.
* إن من مهمات المربي: تهيئة الأبناء, ومن الوسائل المعينة على ذلك: إلحاق أبنائه في المراكز الخيرية، ودور القرآن الكريم، تلك الدور والمراكز التي تفتح أبوابها طوال العام، وتركز جهودها في فترة الصيف لاستثمار أوقات الشباب والفتيان، ولا شك أن الالتحاق بها ربط للنشء بأهل الخير، وهذا من أهم عوامل الصلاح بإذن الله.
* ولا ننسي غرس المراقبة الإيمانية الذاتية لدى الطفل، بأن نبذر في نفسه محبة الله، وأن الله تعالى مراقب لأفعاله، ومُطَّلع على سره، وعلنه، ومن الشواهد الواقعية القصة التالية:
* ذهب أحد الأطفال، إلى اجتماع عائلي، وجلس يشاهد التلفزيون، بينما كان هذا الجهاز غير موجود في منزلهم، فمرت والدته بالقرب منه، ولكنها لم تحب الحديث معه حتى يعود إلى المنزل، وعندما عادوا إلى منزلهم سألته قائلةً له: ألم أقل لك إنه لا تنبغي مشاهدة التلفزيون في كل وقت؟ لأنه يعرض فيه بعض المشاهد والأصوات التي لا ترضي الله تعالى فقال لها: أنا جلست عنده أنظر إلى صلاة الحرم، وعندما ظهرت المرأة – اللي ما تستحي – أغمضت عيني, فمن يشاهد هذا الطفل يا ترى؟ ومن يراقبه إذا لم يغمض عينيه؟ إلا أنه غرست في قلبه مراقبة الله له، وأُشعر أن المرأة التي تبدو سافرة امرأة لا تستحي ولا تخاف الله.
* قصة أخرى في الإحساس بالمراقبة، وتورع الشباب إذا نشؤوا على الخير، تقول إحدى الأمهات: وجدت يومًا بعض الريالات في أحد رفوف المنزل، فسألت أهل البيت جميعًا لمن هذه الريالات؟ فالكل قال إنها ليست لي، وكان يوضع عند هذه الأسرة بعض الأمانات، فخشيت الأم أن تكون هذه الريالات لأحد غيرهم، وقد نسيتها فأعطتها أحد الأبناء البالغ من العمر سبعة عشر عامًا، وطلبت منه شراء بعض الساندوتشات، وأمرته أن يذهب بها لأسرة فقيرة، وفعلاً ذهب ذلك الابن الشاب، واشترى الطعام المطلوب من أحد المطاعم، وسلمه للأسرة الفقيرة، وبعدما عاد إلى منزلهم، سأل والدته ممن هذه الصدقة التي ذهبت بها هل هي منك أو من غيرك؟ وعندما سألته والدته عن سبب استفساره، هذا قال: وجدت في السيارة قطعة من الطماطم فأكلتها، وخشيت أن تكون من مال صدقة قد وُكلت بها، أما إن كانت من مالك, فالأمر لا إشكال فيه.
هذا الموقف من هذا الشاب على ماذا يدل؟، من يراقب هذا الشاب إلا الله عز وجل، وإلا فبإمكانه أن يأخذ ساندوتشًا كاملاً، ولا يعلم عنه أحد, لكن قوة المراقبة لله جعلته يمتنع عن ذلك.
* ومما يساعد على ارتباط الأبناء بخالقهم تعليمهم التوكل على الله، واللجوء إليه سبحانه وتعالى، وأن والديه ليس لهم حول ولا قوة إلا به، ولقد عرفنا من القصص ما يغذي هذا الجانب التربوي.
ومن ذلك قصة إبراهيم : عندما ألقي في النار وتوكله على ربه عندما أتاه جبريل  ليسأل أله حاجة؟ قال أما لك فلا، وأما لله فحسبنا الله ونعم الوكيل، إن مثل هذه القصة لهي من أقوى الدوافع؛ لتوكل الأبناء على ربهم، وتربيتهم على ذلك.
* ومن قصص الأطفال في هذا المجال: ذلك الطفل الذي ذهب إلى إحدى المدن الترفيهية، وقد أراد أن يلعب في لعبة لم يعلبها من قبل، وكانت كبيرة، وترتفع أثناء اللعب بها ارتفاعًا شديدًا، بالنسبة للأطفال وعند تحركها حين ركبها الطفل، وكان بجواره طفل آخر، وقد بدا عليهما الخوف, فقال له:
دعنا نقرأ آية الكرسي، هذا الموقف يدل على إدراك الطفل لحفظ الله تعالى لهما، ونزول الطمأنينة عليهما بقراءة كتاب الله، أو شيء منه.
* وطفل آخر أحس بالملل من ذهابه للروضة، وطلب من والدته أن تسمح له بعدم الذهاب، لكن الأم استمرت تشجعه يوميًا على الذهاب إليها، والطفل لا يرغب في ذلك، وفي يوم من الأيام دخلت الأم على طفلها في الغرفة، فوجدته رافعًا يديه ويدعو قائلاً: يا سامع الصوت، أخرجنا من الروضة.
فهنا نلحظ أثر التربية الإيمانية، فقد لجأ هذا الطفل إلى الله في موقف هو محتاج إلى من ينقذه من هذه المشكلة بالنسبة له، وبعدها لم ترسله أمه إلى الروضة، حتى التحق بعدئذ بالمدرسة.
* إن لجلسة العائلة أو الأم مع أولادها، وتذكيرهم بالله تعالى ورسوله  بين فترة وأخرى، أثرًا كبيرًا عليهم، وعلى اهتمامهم بدينهم، وإن كانوا صغارًا، ونحن نهمل هذه الجلسات النافعة؛ بحجة عدم التفرغ، واعتقادنا عدم إدراكهم؛ لصغرهم، وهذا غلط كبير، فمثلاً في قصة الرسول  مع الغلام الذي كانت يده تطيش في الصحفة، إذا بُسطت للأطفال الصغار، فإن فيها آدابًا عظيمةً، يصعب تعلُّم الأبناء لها إذا كبروا، وعلى هذا نقيس من ذكر الأحاديث المناسبة لهم، كل حسب سِنِّه، ويؤكد نفع هذه الجلسات، ما ترويه إحدى الأخوات عن طفلها، الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي، حيث تقول: عاد ابني من المدرسة وقال لي: لقد حضر اليوم إلى مدرستنا فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ورغبت أن أطرح عليه سؤالاً، لكني لم أتمكن من ذلك؛ لأنه خرج من المدرسية قبل أن أصل إليه، فماذا تتوقعون أن يكون سؤال هذا الطفل؟ سألته أمه ما الذي تريد أن تسأل عنه الشيخ؟ قال لها: كنت سأسأله هل تحسب للمرأة خطاها من مكان وضوئها الذي تتوضأ فيه، إلى مصلاها، برفع درجة ومحو سيئة مثل الرجال أو لا؟ فتذكرت الأم أنه كان لها حديث حول هذا الموضوع، مع هذا الطفل قبل ما يقارب شهرين من هذه الحادثة، لكنها ما زالت عالقة في ذهن الطفل.
«إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه»:
أقبلت طفلة على أمها وهي جالسة في استراحة قصيرة من عناء عمل البيت، وتذكر الله بينها وبين نفسها، فسألت الطفلة أمها، لماذا أنت جالسة هكذا، وماذا تعملين؟ وقد تعودت هذه الطفلة من أمها أنها لا تضيع الوقت بدون فائدة، (عمل أو قراءة أو كتابة، ونحوها) فأجابت الأم: إني أذكر الله، وشرحت لطفلتها معنى الآية السابقة، فجلست البنت تفعل مثل أمها تذكر الله، وتقول في نفسها، هذه رفعت إلى الله، وإذا انصرفت لكلمة من أمور الدنيا قالت: هذه لم ترفع، وهكذا أحست الطفلة بأهمية العمل الصالح، وطبقت مباشرة ما علمت مقتديةً بأمها.
* مما يساعد على غرس الإيمان في قلوب الأطفال: إشعارهم بأهمية الإخلاص لله تعالى، وشرحه لهم، وإخبارهم أن العمل كله لله، من صيام، وصلاة، وصدقة كلها نتقرب بها إلى الله، بل أعمالهم الدنيوية المباحة، والمندوبة تجعلهم يستشعرون فيها النية الصالحة، وأنهم يؤجرون عليها، ويستشعرون مراقبة الله لهم وقربه منهم.
فمثلاً نذكِّر الطفل بأن من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ونستغل المواقف فنذكره بمثل هذا الفضل حينما نطلب منه إحضار الماء لنا أو لأخيه الصغير، ونروي له الحديث: «من سقى مسلمًا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» فسنجد الطفل يسارع بإحضار الماء متقربًا بذلك إلى الله تعالى.
* أعدت الأم الطعام لطفلتها البالغة من العمرة قرابة السنة، وأرادت أخت الطفلة الكبرى إعطاءها الطعام، وإذا بالأخت الثالثة البالغة من العمر حوالي خمس سنوات، تريد أن تطعم أختها الصغرى بنفسها قائلةً لأختها الكبري: أنا التي سأطعمها، أتريدين الأجر لك وحدك فقط؟! فلننظر إلى احتساب هذه الطفلة للأجر؛ لأن والدتها كانت دائمًا تحثهم على إطعام الطعام، ونية العمل لوجه الله تعالى.
* ذهب طفلٌ مع والده إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم الصلاة على أحد الأموات من الرجال، وبعد عودة الأب وابنه إلى المنزل، سأل الطفل والده قائلاً: لقد أدينا الصلاة على رجل وامرأة، ولم أكن أعلم بوجود جنازة المرأة، ولم أنو الصلاة عليها لعدم علمي بها فماذا عليَّ؟ فهذا السؤال يوحي بحرص الطفل على النية قبل العمل، فهل نحن الكبار احتسبنا الأجر من الله، والنية لله، مثل هؤلاء الصغار؟
بعض التنبيهات
ينبغي تنبيه الطفل على بعض الأعمال منذ صغره ومنها:
1- تعويده الأخذ والعطاء باليد اليمنى، وكذا الأكل والشرب منذ شهوره الأولى.
2- تعويده التيامن في ملبسه، والبدء بالشمال عند خلع ملابسه، ويعلم أنها سنة من سنن النبي .
3- أن تجنب البنت اللباس القصير.
4- التسمية عند الطعام، والحمد عند الانتهاء منه.
5- أن يُعَوَّدَ على ذكر الله تعالى، والصلاة على النبي ، وخاصة عندما يسمع ذكره.
6- أن يُعوَّد الحمد بعد العطاس، وتشميت العاطس.
7- أن يُعوَّد السلام عند الدخول والخروج.
9- أن يُجنب الصور في الملابس.
* وإليكم هذه الحادثة حول هذه الفقرة:
اشترى أحد الآباء لأبنائه بعض البالونات، وكانوا في سفر، فلما وصلوا إلى مكان إقامتهم في البلد الذي سافروا إليه، وجد أحد الأطفال على إحدى البالونات رسمًا لبعض الحيوانات، فقال الطفل: الحمد لله أن هذا البيت ليس بيتنا، ومن ثم لا تدخل الملائكة إليه، فهذا الموقف من هذا الطفل، لم يحدث من فراغ، فقد كان وراءه تربية سليمة.
يجب علينا أن ننمي جانب الثقة في نفس الابن، والابنة، ونعودهم تحمل المسؤولية كل بما يستطيع وحسب سنه، فلماذا مثلاً لا يطلب الأب من ابنه شراء بعض احتياجات المنزل من صاحب البقالة؟ وهو يراقبه ويراقب تعامله، وينبه إلى الأسلوب الصحيح في التعامل، ولماذا لا تثق الأم بابنتها وبدخولها المطبخ، وتعلمها أنواع الطبخ تدريجيًا، وتشجعها على ذلك؟ فإن في ذلك نفعًا لها في الحاضر، والمستقبل، واستغلالاً لأوقات فراغها.
القدوة والتربية في حفظ اللسان
الوصية الغالية للمربين والمربيات، بحفظ اللسان عن الكلام البذيء، وترك السب، والشتم، واللعن، عند أتفه الأسباب، فبدلاً من أن تدعو الأم على ولدها بالموت، كما تفعل بعض الأمهات الجاهلات، أو ندعو عليه بالمرض، والشقاء، لماذا لا تدعو له بالصلاح والهداية؟ ولمَ لا تقدر الأم بأنه لو أصيب ابنها، أو ابنتها بالمرض الذي دعت عليه به؛ كالعمى مثلا,س لم لا تُقدر أنه لن يحزن عليه أحد مثل حزنها هي؟
وإليك أيها المربي قصة هذه المرأة، حيث تتحدث عن قصتها مع ولدها، والدموع تذرف من عينها، وفيها من الحزن ما لا يعلمه إلا الله، تقول:
عزمنا على السفر إلى مدينة الرياض، وعند ركوب السيارة جرى خلاف بينها وبين أحد أبنائها حول لبس الشماغ حيث طلبت منه إحضاره فرفض، فكانت المشادة بينهما انتهت بدعائها عليه بقوله «اذهب لا ردك الله» تقول هذه الأم الحزينة: وسافرنا إلى الرياض، وكانت المصيبة في أحد الشوارع في الرياض؛ حيث كنت أسير معه فإذا بسيارة تتجه نحوه وتصدمه، فيسقط يصارع الموت، ولم يلبث سوى ساعات ثم يموت وأعود إلى بلدي بعد هذا السفر بدونه، هكذا كانت النهاية الأليمة، أجاب الله دعاءها وذهب ابنها.
وصورة أخرى للدعاء في هذه القصة، تذكر إحدى الأمهات أنه في أحد الأيام، وقبل أذان المغرب بقليل، أراد أحد أبنائها السفر من القصيم إلى الرياض، وعند ذلك طلب منه أبواه تأجيل سفره إلى الغد ليكون سفره نهارًا، ولكن الولد أصر على السفر، وبالفعل سافر، وتقول والدته: لقد قلقت عليه أشد القلق، فما كان مني إلا أن فزعت إلى الصلاة، وذلك في الساعة الثامنة مساءً، وتضرعت إلى الله، وسألته أن يحفظ ابني، وقدمت مبلغًا يسيرًا صدقة لوجه الله، وما هي إلا ساعات ويتصل ابني بالهاتف يطمئنني على وصوله سالمًا، وقال لي: هل دعوت الله لي؟ فسألته لماذا تسأل؟
قال في الساعة الثامنة تقريبًا، وبينما أنا أسير بسيارتي مسرعًا، وإذا بي أرى زجاج السيارة الأمامي وقد أصبح عليه ظل أسود، جعلني لا أرى أمامي، فأصابني الخوف، فحاولت إيقاف السيارة، وإذ بها واقفة فوضعت رأسي على مقود السيارة لحظات، ولما رفعت رأسي، إذا بالذي كان أمامي قد ذهب، ويبدو لي والله أعلم أنه كان جملاً، وبعد هذا الموقف سارت السيارة، ولم أصب بأذى، ولله الحمد، وما كان ذلك، إلا بفضل الله، ثم بفضل وبركة دعاء والدته.
ولنقارن بين هاتين الحادثتين، والفرق بين الدعاء بالخير، والدعاء بالشر.
إشارات مهمة في التربية
يجب على الوالدين تشجيع الأبناء على اختيار الرفقة الصالحة، وليكن للوالدين اتصال دائم بالمعلمين الصالحين لأبنائهم، فيوصي الأب المعلم الصالح على ابنه، وتوصي الأم المعلمة الصالحة على ابنتها، فكثير من الأبناء والبنات من حفظة القرآن الكريم، حفظوه بفضل الله ثم بفضل معلم، أو معلمة هيأهما الله للتشجيع والمتابعة.
* يجب علينا الاهتمام بتوجيه الأبناء للنوافل منذ الصغر، وذكر بعض الأحاديث التي تحث على ذلك، ومما يبرهن على هذا المثل الواقعي:
دخل الابن على أمه قبيل مغرب يوما من أيام رمضان، وقال لها: أعطني جزءًا من مصروفي الخاص، أريد أن أتصدق به أو تصدقي به عني، كما أريدكم أن تذهبوا بي لزيارة أحد المرضى، وكان مهتمًا لهذا الطلب اهتمامًا شديدًا، فسألته أمه عن الذي يدعوه إلى هذا الطلب، وهذه العجلة، فقال: أنا اليوم صائم والحمد لله، وقد صلينا العصر على جنازة، وأريد أن أتصدق، وأزور مريضًا، لكي أحصل على الأجر الذي قاله الرسول  لأبي بكر الصديق ، عندما سأل عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم اليوم قائمًا…» الحديث ثم قال: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة».
هذا التصرف ما هو إلا نتيجة تشجيعهم على مثل هذه النوافل، وحثهم عليها، وغرسها فيهم منذ نعومة أظافرهم.
* الحرص التام على عزل الأبناء عن الشارع، والأسر المهملة لأبنائها؛ حتى لا يتأثروا بشيء من أخلاقهم.
* ينبغي العناية بصحبة الأبناء إلى مجالس الذكر وتعليمهم فضلها.
* تعليم الغسل الشرعي من الحدث الأكبر، فمن المؤسف أن تطهر البنت مثلاً من الحيض بعد أذان الفجر، ولكن لأن الجو بارد لا تنبه الأم ابنتها لضرورة الاغتسال في وقته، وتتركه حتى العود من المدرسة.
* الحذر الحذر من الكذب على الأبناء، والحرص التام على التقوى، فقد تخرج الأم مثلاً لزيارة إحدى صديقاتها وتقول لأطفالها: إنني أريد الذهاب إلى الطبيب، وليس عليها أثر للذهاب إلى الطبيب، فهي بكامل زينتها، وعند عودتها لم تعد معها بدواء، أو ما يدل على ذهابها، فيدرك الطفل عندها، أن أمه كذبت عليه، فما المتوقع؟ ما أثر هذا التعامل على الطفل أو الابن؟
* ينبغي الانتباه إلى أن صلاح الوالدين سبب لصلاح الأبناء بإذن الله تعالى يقول الله سبحانه وتعالى:
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف: 82] وقد فسر العلماء الآية أن حفظ كنز اليتيمين، كان بسبب صلاح أبيهما، وقد ذكر أحد العلماء أن الذي كان صالحًا، هو الجد السابع لهذين اليتيمين فحفظ الله كنزهما بسببه والله أعلم.
فليبشر المربون الصالحون بأن التوفيق والسداد لهم إذا اجتهدوا في تربية أولادهم، وقد بشر الرسول  بأن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير، وتعليم الأبناء، وحسن تربيتهم على أمور دينهم، من أعظم الخير ومن العلم الذي ينتفع به, يقول أحد العلماء: إذا علمت ابنك الوضوء فوالله، ما يصيب الماء عضوًا من أعضائه إلا أجرت مثل أجره.
فكم لكم من الأولاد, وكم سيكون لهم من الذرية بإذن الله؟ وكم سيكون لكم من الأجر مع صلاح النية؟

* * * *

وأخـــيرًا:

لنكثر من الدعاء لهم، ونجتهد في ذلك، وإليكم هذا الدعاء الذي هو من صفات عباد الرحمن:
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 74-76].
فلنكثر من قوله، ولنتحرَّ ساعة الإجابة، أقر الله عيوننا بصلاح أبناء المسلمين وبناتهم، ووفقهم لخدمة دينهم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له إلى يوم الدين.

* * * *

الفهــرس

المقدمة 5
التربية، مصدرها ومتى تبدأ: 6
نعمة الذرية: 7
فما هي تلك الرعاية؟ 8
عناية السلف بالتربية 10
من ثمار التربية الحسنة 11
التربية الروحية الإيمانية للطفل 12
وقصة أخرى: 12
من وسائل التربية والتسلية البريئة 14
الأناشيد والأشرطة والقصص المفيدة: 14
الأذكار والطفل المسلم 15
التعريف بالخالق بشكل مبسط 16
القصة وأثرها في التربية 17
مواقف ونظرات في التربية 19
بعض التنبيهات 25
* وإليكم هذه الحادثة حول هذه الفقرة: 25
القدوة والتربية في حفظ اللسان 26
إشارات مهمة في التربية 28
وأخـــيرًا: 31
الفهــرس 32

* * * *

جزاك الله عن المسلميين كل خير اختي في الله موضوع رائع ولكن لا اكذب عليكي قرأة نصف الموضوع الى مناظرات او نظرات في التربية ، ادعي لي اختي ولاخواتي واهلي بصلا ح حالنا عسى دعوة بظهر الغيب تنقذنا. اميين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.