بورك لك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ رشده ورزقت بره
عبدالملك القاسم
دار القاسم
الحمد لله الذي رزقك زوجة ولوداً، وجعلك ممن تخلفه ذريته. فكم من رجل عقيم لا يولد له ولد، وكم من امرأة كذلك. فهذه نعمة عظيمة ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف:46] ولهذا فاستقبل عطية الله عز وجل بفرح وسرور وشكر وحمد، ذكراً كانت هذه العطية أم أنثى. فيكفي أنه سليم الأعضاء، مكتمل النمو، خال من الأمراض، فتبارك الله أحسن الخالقين الذي وهب وأعطى بمنه وفضله: ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ "49" أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً ﴾ [الشورى:50،49]
وقد وُلد للنبي – صلى الله عليه وسلم – أربع من البنات – رضي الله عنهن – ولما ولد لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – بنت قال: " الأنبياء آباء البنات، وقد جاء في البنات ما علمت " أي من فضل تربيتهن القيام عليهن.
وكُره البنات من عادات الجاهلية؛ أما في الإسلام فإنهن من الأبواب الموصلة إلى الجنة قال – صلى الله عليه وسلم -: { من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا } وضم أصبعيه [رواه مسلم].
والأبناء في ميزان حسناتك إن أحسنت في تربيتهم وتوجيههم قال – صلى الله عليه وسلم -: { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث } وذكر منها: { أو ولد صالح يدعو له } وقال – صلى الله عليه وسلم -: { إن العبد لترفع له الدرجة فيقول: أي ربّ أنّى لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك من بعدك } [رواه أحمد].
وفي كثرة نسل أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – ما لا يخفى من إخراج من يوحدون الله عز وجل ويقومون بحفظ هذا الدين ونشره قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: { تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة } [رواه أحمد].
فهنيئاً لك هذه الزوجة المباركة التي تلد لك البنات وتنجب لك البنين.
وإليك بعضاً من سنن وآداب المولود:
1 – التأذين في أذن المولود:
لعل أول السنن إسماع المولود نداء الحق حتى ينشأ وهذا الصوت يتردد على مسامعه خمسة مرات كل يوم فيكون من المحبين له المسارعين إلى أداء هذا الركن العظيم، والأذان يكون في الأذن اليمنى، عن أبي رافع قال: { رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة } [رواه أبو داود].
وسر التأذين – والله أعلم – أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الرب المتضمنة لكبريائه وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام.
2 – تحنيك المولود:
في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: { ولد لي غلام فأتيت به النبي – صلى الله عليه وسلم – فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة – زاد البخاري: ودعا له بالبركة ودفعه إليّ } والتحنيك تليين التمرة ثم دلك حنك المولود بها بعد ولادته أو قريباً من ذلك، وذلك بوضع شيء من هذه التمرة على الأصبع ثم إدخال الأصبع في فمه، وتحريكه يميناً وشمالاً.
3 – تسمية المولود بالإسم الحسن:
الذي تتعبد الله عز وجل وتتقرب إليه به، ووقت التسمية إما في اليوم السابع من الولادة لحديث سمرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: { كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه } [رواه أحمد].
وقد تكون التسمية يوم الولادة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: { ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم } [رواه مسلم]. ووقت التسمية فيه سعة ولله الحمد.
ويقوم بالتسمية الأب والأم وهي من حق الأب في حال الاختلاف. إن شاء الأب سماه بنفسه وإن شاء أعطى الخيار لزوجته، وإن شاء اقترع معها، ويجوز أن يَكِلَ الأبوان التسمية إلى الجد أو الجدة أو أي شخص آخر.
ويسمى المولود بالأسماء الإسلامية وأحب الأسماء إلى الله سبحانه وتعالى " عبد الله وعبد الرحمن " لحديث: { إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن } [رواه مسلم]. ثم يليها ما كان معبداً لله بغيرهما من الأسماء كعبد الرحيم وعبد اللطيف وغير ذلك.
يلي ذلك أن يسمى المولود باسم من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام قال – صلى الله عليه وسلم -: { تسموا بأسماء الأنبياء } [رواه أحمد].
يلي ذلك أن يسمّى بأسماء الصالحين من الصحابة والعلماء والشهداء والدعاة، كعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة ومعاوية وعروة وسهيل ومصعب وياسر وعمار وعاصم وأنس وغيرهم، وتسمى البنات بأسماء زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – وبناته وكذلك من عُرِف صلاحهن وعفافهن ودينهن كخديجة وعائشة وفاطمة وأسماء وسمية ونسيبة وخولة وغيرهن.
وله أن يسمي المولود بأسماء لها معان سامية نبيلة مثل: حمزة وخالد وأسامة وحارث وهمام، وللبنات: سارة وسعاد وعفاف.
يدخل في ذلك تسمية المولود على اسم الجد أو الجدة إذا كان الاسم حسناً.
ومن الأسماء الممنوعة:
أولاً: المحرمة:
1 – من الأسماء المحرمة الأسماء المعبدة لغير الله تعالى مثل عبد النبي وعبد الرسول وغيرها.
2 – من الأسماء المحرمة الأسماء الأجنبية الخاصة بالكفار مثل جورج ويارا وديانا وجاكلين وغيرها. وكذلك أسماء الطغاة والمجرمين كفرعون وأبي جهل وماركس وغيرهم.
ثانياً: المكروهة شرعاً أو أدباً وذوقاً:
1 – مما يُكره التسمية به تلك الأسماء التي فيها تعبيد لأسماء يظن أنها من أسماء الله الحسنى مثل: عبد الموجود، عبد المقصود، وعبد الستار.
2 – ومن تلك الأسماء التي تحمل في ألفاظها تشاؤماً أو معاني مذمومة كحرب وحمار وكلب.
3 – ومن الأدب أن يجنب الأولاد الأسماء التي فيها تميع وغرام وخدش للحياء كهيام ونهاد وسهام وفاتن.
4 – تُكره التسمية بالأسماء التي فيها تزكية دينية للمسمى: مثل برّة وغيرها.
5 – يُكره أيضاً التسمي بأسماء الملائكة كملاك.
6 – يُكره أيضاً التسمية بأسماء سور القرآن مثل طه ويس وغيرها.
7 – يُكره أيضاً التسمية بأسماء يسار ورباح وبركة.
4 – العقيقة:
وهي سنة مؤكدة قال – صلى الله عليه وسلم -: { كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه.. } [رواه أحمد]. وهي عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة واحدة. قال – صلى الله عليه وسلم -: { عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة } [رواه أحمد].
والعقيقة تشمل الذكر والأنثى من الضأن والمعز ولفظ الشاة يشمل ذلك كله. والأفضل الكبش. قال – صلى الله عليه وسلم -: { تذبح العقيقة لسابع، أو لأربع عشرة، أو لإحدى وعشرين } [رواه الطبراني في الصغير]. وله أن يأكل ويتصدق ويهدي من العقيقة، ويكره كسر عظمها.
5 – حلق رأس المولود:
ومن الآداب المشروعة حين استقبال المولود أن يحلق رأسه يوم السابع من ولادته أي في يوم ذبح العقيقة قال – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة – رضي الله عنها – عندما ولدت الحسن: { احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين } [رواه أحمد].
فحلقته رضي الله عنها ثم وزنته، فكان وزنه درهماً أو بعض الدرهم، ويبدأ في الحلق بالجزء الأيمن من الرأس ثم الجزء الآخر.
6 – الختان:
من الآداب الشرعية ختان المولود قال – صلى الله عليه وسلم -: { الفطرة خمس..} وذكر منها { الختان } ووقت الاستحباب اليوم السابع من الولادة ويجوز قبل السابع وبعده إلى البلوغ فإذا قرب وقت البلوغ دخل وقت الوجوب.
7 – الكنية للطفل الصغير:
وهي من السنن الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي تكنية الصغير بأبي فلان أو أم فلانة تقوية لشخصيته وتكريم له وإبعاده عن الألقاب السيئة.
– أيها الأب المبارك:
احرص على حسن التربية والتوجيه لأبنائك وغرس الفضائل الإسلامية في نفوسهم منذ الصغر.
كن قدوة لهم فإن الصغير ينشأ على ما كان عوده أبوه.
ها قد أصبحت أباً وعرفت عظم حق الوالدين فتدارك ما بقي من عمرك وبر والديك وأحسن إليهم.
ها قد علا مفرقك بياض الشعر وهو رسول إليك يذكرك بتقادم العمر وتصرم أيامه فاجعل ما بقي من أيامك في طاعة الله عز وجل.
احذر أن تطعم أبناءك المال الحرام قال – صلى الله عليه وسلم -: { كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به } [رواه أحمد].
أكثر من الدعاء لك ولذريتك فقد كان هذا ديدن الأنبياء والصالحين.
هذا المولود الصغير إذا نشأ على الصلاح والطاعة كان لك ذخراً بعد موتك فاحرص على ذلك بحسن التوجيه واختيار أفضل الصحبة له، وأبعده عن رفقاء السوء وجنب منزلك الفتن والشرور.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
منقول