الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فتالله إن إدراك الأيام المباركة، والليلي المفضلة، نعمة من الباري جل وعلا عظيمة،ومنحة من الكريم تعالى جليلة، مستوجبة لشكر مسديها، الله واهبها ومعطيها.
أخي في الله: ألا تذكر مثل هذه الأيام والليالي من السنة الماضية، حينما كنا نستقبل شهرا كريما، ومسما عظيما، ثم أدركناه بحمد الله .. ثم مضى على ما أودعناه فيه .. فأعقبه أحد عشر هلالا .. فها نحن في هذه الأيام نترقب هلاله، ونتحرى أخباره، نسأل الله تعالى أن يهله علينا وعلى أمة الإسلام بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يجعله هلال رشد وخير..
أخي في الله: وأنت تستقبل شهر رمضان المبارك: سل نفسك كم نفس قضيت آجالها فأصبحوا في عالم الغابرين، وقد كانوا يعيشون رمضان الماضي بما اختاروه لعيش أيامه ولياليه من أعمال، كانوا يعيشون معنا في هذه الدار لكنهم اليوم في دار أخرى، ذهبوا عنا وربي مذهبا بعيدا .. تذكر بعض الإحصائيات أنه يموت على مستوى العالم كل ثانية نفس واحدة. فإذا كانت الإحصائيات دقيقة صادقة ، فمعنى ذلك أنه يموت كل عام أكثر من ثلاثين مليون نفس.
وأنت تستقبل رمضان لهذا العام احمد الله إذ لم تكن من تلك الجموع الراحلة، احمد الله إذ جعل في عمرك فسحة تستكثر فيها مما يقربك إلى مولاك، ويرفعك درجات إلى غاية مناك.
وأنت تستقبل رمضان احمد الله تعالى أن عفاك فلم تكن مصابا في حوادث السنة الماضية، فكم من نفس سليمة معافاة، هي الآن مصابة بأنواع من الأدواء الكثيرة، فهذا مصاب في سمعه وقد كان سميعا، وهذا مصاب في بصره وكان بصيرا، وذاك مصاب في أطرافه وقد كان سليما، وذلك معطل الحواس وقد كان يهدب أطراف العافية ويتمتع بجميع حواسه، فهل أنت حامد لله مدكر؟
وأنت تستقبل رمضان احمد الله فكم من مبتلى في أهله في العام الماضي وأنت لا، وكم من مبتلى في ولده وصفيه وماله وأنت تتفيأ ظلال العافية!
بل وأنت تستقبل رمضان احمد الله فكم من مصاب في دينه في السنة الماضية، كفر بعد إيمان، ونافق بعد صدق وصلاح، وزاغ بعد إبصار، وضل بعد هدى، وأنت تتبوأ رياض الإسلام اليانعة! كل ذلك بتقدير الحكيم الخبير،{إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}.
أخي في الله: وأنت تستقبل رمضان لهذا العام، وتشعر بنعم الله عليك، تحسس الحكمة البالغة التي من أجلها فرض الصيام{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} إنها "التقوى" لعلكم تتقون، فلعلك أخي الحبيب إذا أمسكت عن المفطرات والقادحات في تمام أجرك نهار الصيام، ولعلك إذا حافظت على الفرائض، وألفت عمل النوافل، فأحييت شهرك بأنواع الطاعات، صلاة وصيام، تجهد وقيام، بر وإحسان، ذكر وتلاوة قرآن، صلة لرحمك، وزيارة لأحبابك، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، إسداد للجميل وكف للأذى، تباعد عن الذنوب وهجر للمعاصي، توبة صادقة وإنابة وإذعان، صبر ومصابرة، لعلك إذا دربت نفسك طيلة شهر كامل على ذلك يورث لك تقوى مستمرة "لعلكم تتقون" وأبشر فإن الله يحب المتقين، وهو معهم معية خاصة، وإذا كان الله يحبهم، ويعينهم ويحفظهم، فازوا ورب الكعبة.
أخي في الله وأنت تستقبل رمضان، ينبغي أن تجمع أمرك على صيام نهاره، وقيام ليله، طاعة لله وطلبا للأجر والمثوبة،{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، وأبشر فإنمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) كما ثبت ذلك في الصحاح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أبشر فإن الله يقول في الحديث القدسيكل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
أخي في الله: وأنت تستقبل رمضان المبارك ينبغي أن تعزم على ختم كتاب الله مرات عديدة، وتطالع تفاسير ما أشكل عليك من مقاصد كلماته، ينبغي أن تقرأ كتاب الله وأن تستشعر قوله تعالى:{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور{29}ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}، وقوله تعالى:{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}. وليكن لك في سلف أمتك قدوة حسنة فلقد كانوا يحيون رمضان بتلاوة القرآن وبذل الإحسان، يقول الزهري رحمه الله في شأن رمضان : إنما هو تلاوة قرآن وإطعام الطعام، وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف، ومنهم من يختم كل سبع ليال ومنهم من يختم في أقل من ذلك، وهكذا حال السلف رحمهم الله.
أخي في الله: وأنت تستقبل رمضان ينبغي أن تستشعر أنك إن وقفت لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر ما تقدم من ذنبك فقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم،و{ليلة القدر خير من ألف شهر} كما نطق بذلك القرآن.
وأنت تستقبل شهرك لا تنس أن العمرة في رمضان كحجة مع النبي عليه الصلاة والسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخانفإن عمرة فيه-يعني في رمضان-تعدل حجة)أو قالحجة معي).
أخي في الله: إياك إياك أن تستقبل شهرك الكريم كاستقبال كثير ممن لا يعرفون قدره إلا أنه شهر تنويع للمطاعم والمشارب فيستقبلونه بالتزاحم في الأسواق لشراء كثير من التحسينات ما بين مطعوم ومشروب فإذا كان الإفطار أكلوا أكل النهيم، وشربوا شرب الهيم، حتى إذا حضر وقت القيام تثاقلوا واستطالوا قراءة الأئمة.
ولقد كان السائب بن يزيد يقولأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة يعني في رمضان. وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام) فلله در قوم عرفوا قدر شهرهم فصاموا وقاموا، يرجون رحمة الله ويخشون سوء الحساب.
أخي الحبيب: وأنت تستقبل شهر رمضان إياك أن تجاري أقواما جعلوا شهرهم موسم لهو ولعب وذنوب، كسل وبطالة ودعة، اجتهدوا في الليل على سهرات مشبوهة، وركنوا في النهار إلى نوم عميق متواصل، ضيعوا الفرائض، واجترحوا السيئات، وفاتهم خير كثير.
أخي الحبيب: هذا رمضان بين يديك فاجعل منه موسما لرفع درجاتك، وحط سيئاتك، فما أحوجني وإياك لذلك . واعلم أن أيامه تمضي سراعا وتذهب تباعا، اليوم تستقبله وغدا تودعه، ولن يبقى لك إلا ما أودعته فيه.. فالحرص الحرص .. والغنيمة الغنيمة .. وفقك الله ورعاك ..
وأخيرا .. همسة في أذن كل مدخن ..فرصة توبتك يا أخي لاح فجرها، وصبرك شهرا كاملا يثبت قوة عزيمتك .. وأبشر فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه كما جاء بذكر الأثر .. وتذكر فإن للصائم فرحتين فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه .. كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الخبر .. أعانك الله وسدد خطاك ..
تولى الله الجميع برعايته، وتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم المرسلين .
كتبه … عبدالرحمن بن عبدالله العضياني
اختكم في الله
بنت بني هاشم
ويجلعه في ميزان حسناتج ^_^
اختكم في الله
بنت بني هاشم