تخطى إلى المحتوى

ومن أراد الله له خيرا يفقه في الدين – تعالوا يا اخوات نقرا في فقة المرأة المسلمة

ومن أراد الله له خيرا يفقه في الدين
– تعالوا يا اخوات نقرأ في

كتاب فقة المرأة المسلمة
اقرائه كل يوم جزء
خليجية

حق الزوج/ الحلقة التاسعة (والأخيرة)

يونيو 27th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
56 تعليق »
,

( رابعاً ) :- معالجة التوتر الناشئ بين الزوجين :
ينبغي بصفةٍ عامة عند حدوث أي توتر في الأسرة أن يظل أمره مكتوماً بين الزوجين يحاولان معاً إزالته والقضاء عليه. وفي القول المتداول بين الناس : " استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان ". فإن لم يكن هناك بد من إعلام أحد ، فليكن أقرب المقربين إلى الأسرة ، ولا يخبر إلا بوجود خلافٍ ما ، أما طبيعة الخلاف وماهيته فلا ينبغي إعلامه بها في هذه المرحلة.
ولنا في بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – أسوةٌ حسنةٌ ، فقد جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بيت فاطمة – رضي الله عنها – فلم يجد علياً – رضي الله عنه ، فقال : أين ابن عمك؟ فقالت : كان بيني وبينه شيء فغاضبني ، فخرج. فقال النبي لرجل : انظر أين هو؟ فقال : هو في المسجد راقد. فجاءه وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : " قم يا أبا تراب!! قم يا أبا تراب!! " يسترضيه ويداعبه. وقال راوي الحديث سهل بن سعد : " وما كان له اسم أحب إليه منه! ".( رواه البخاري ، كتاب " الصلاة " ، باب " ويذكر أن علياً كره الصلاة في موضع الخسف والعذاب " ، 1/169)
وبنظرة سريعة إلى هذا الخبر يتبين لنا كيف أن السيدة فاطمة لم تخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بطبيعة الخلاف وماهيته بل كان ما أعلمته إياه هو مجرد وجود خلاف وحسب. كما تبين حسن تصرف الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الذي لم يدع مجالاً لاتساع شقة الخلاف والغضب ، فترك زوجته وذهب إلى أفضل مكان ترتاح فيه الأعصاب وتصفو فيه النفوس ألا وهو بيت الله – المسجد!!
كما يتبين لنا كيف كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – حكيماً ، إذ لم يسأل ابنته عن أسباب الخلاف وتفاصيله ، كما لم يعاتب ولم يلم الإمام علياً ، بل داعبه ولاطفه بأسلوب كان له أبعد الأثر في زوال رواسب الغضب والضيق.
وهذا ما يجب علينا اتباعه أزواجاً وزوجات وآباء في مثل هذه المواقف ، سواء كان التوتر من جانب الزوجة أم من جانب الزوج ، ولكن إن استمر التوتر من جانب أحد الطرفين فسيكون هناك علاج آخر ، وهو الإصلاح بين الزوجين!!
النتائج والتوصيات
الحمد لله الحنان المنان ، والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنام. ها قد وصلنا إلى خاتمة هذه الحلقات المتواضعة ، بعد أن اقتربنا أكثر من سماحة ديننا الحنيف ولمسنا سعته وأصالته من خلال آياته التي تحدى الله بها فصحاء العرب ومن خلال السنة المطهرة التي أثبتت أنها بريئة من أي نقص ينسب للإسلام اليوم ، وأن النقص إنما جاء من صنع أيدينا بابتعادنا عن حمى ديننا ، فمن خلال هذه السلسلة توصلنا إلى أهم النتائج التالية :
1. أن شريعتنا تامة كاملة صالحة لكل زمانٍ ومكان.
2. لم يترك شرعنا الحنيف أي تفصيلةٍ من تفاصيل حياتنا إلا أوضحها لنا.
3. أن فهم معنى طاعة الزوجة لزوجها بالمعنى الصحيح وممارسة الزوج لقوامته بالطريقة التي أداها الشرع وفهم لفتات السنة وفنون الحياة الزوجية فيه حل لأغلب المشكلات ، إن لم تكن كلها في وقتنا الحالي.
4. توجد نسبة كبيرة من الرجال والنساء على جهلٍ بأحكام دينهم فيما يخص العلاقة الزوجية.
5. وتوجد أيضاً نسبة لا يستهان بها مترددة بين الصواب والخطأ.
6. أن نجاح أي مجتمع يعتمد على نجاح الأسر المكونة له ، ونجاح الأسر يعتمد على نجاح العلاقة بين الزوجين فهما المحك الأساسي لصلاح أي مجتمع ؛ ونجاح الزوجين إنما يستمد من شرعنا الحنيف.
واعتمادًا على تلك النتائج فإني أتقدم إلى كل مسلمٍ ومسلمة ، وكل مسؤول في عالمني الإسلامي بالتوصيات التالية :
1. تعزيز ثقة النشء في أصالة دينهم وشموليته.
2. تفعيل دور الرعاة والتربويين الجادين ، في نشر الوعي بين أفراد المجتمع ، على كافة مستوياته.
3. إقامة الدورات والندوات التي تساهم في إصلاح فكر المجتمع.
4. توعية الفتيات والفتيان المقبلين على الزواج بالواجبات التي تجب عليهم والحقوق المكفولة لهم.
5. الاستفادة من الفضائيات والبرامج التليفزيونية وتفعيل دورها بما يتناسب مع قيمنا وأصالة ديننا لأن لها دور كبير في التأثير على تفكير الجيل الصاعد.
6. توعية الشباب بحقيقة الادعاءات والأفكار الغربية ، لأن تبصرتهم بما يحاك للإيقاع بهم يعطيهم دفعة وقائية في عدم الانصياع لتلك النداءات.
وهذه بعض التوصيات التي استخلصتها من رحلة بحثي في هذا الموضوع. ونأمل أن يحظى هذا العمل المتواضع بالقبول عند الله سبحانه وتعالى ، وأن تكون هذه الكلمات لفتة حب لكل زوجين يعيشان في هذا الزمن الصعب .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه الأطهار ومن والاه إلى يوم الدين. اللهم آمين آمين آمين.

حق الزوج/ الحلقة الثامنة (معالجة النفرة بين الزوجين)

يونيو 24th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
66 تعليق »
,

( ثالثاً ) :- معالجة النفرة بين الزوجين :
قال – تعالى – : { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }.( سورة البقرة ، الآية : 216) ويقول – سبحانه – : { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا }.( سورة النساء ، الآية : 19)
ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – :" لا يفرك(أي لا يبغض)مؤمن مؤمنة! إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ".( رواه مسلم ، كتاب " النكاح " ، باب " خير متاع الدنيا المرأة الصالحة " ، 2/1091)
جعل الله العشرة بالمعروف فريضة على الرجال – حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ، ما لم تصبح العشرة متعذرة – وتسمو في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول ، فيبت وشيجة الزوجية العزيزة. فما يدريه أن هنالك خيرًا فيما يكره ، وهو لا يدريه … خيرًا مخبوءًا كامناً لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجه سيلاقيه.( بناء الأسرة المسلمة في ضوء القرآن والسنة ، خالد عبد الرحمن العك ، صـ 281)
{ فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا }.( سورة النساء ، الآية : 19)
وهذه اللمسة الأخيرة في الآية ، تعلق النفس بالله ، وتهدئ من فورة الغضب ، وتفتأ من حدة الكره ، حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح ، فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى!.. العروة الدائمة ..! العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه ، وهي أوثق العرى وأبقاها!!
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكناً وأمناً وسلاماً ، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً ، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق ، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب!.. هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج : { فإن كرهتموهن …. }! كي يستأني بعقدة الزوجية ، فلا تفصم لأول خاطر ، وكي يستمسك بعقدة الزوجية ، فلا تنفك لأول نزوة ، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها ، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة ، وحماقة الميل الطائش هنا وهناك.
وما أعظم قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لرجل أراد أن يطلق زوجته ، لأنه لا يحبها :" ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟؟.
إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترفع النفوس وترفع الاهتمامات ، وترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة ، وطمع التاجر ، وتفاهة الفارغ!
فقد روي أن رجلاً جاء إلى عمر – رضي الله عنه – يشكو خلق زوجته ، فوقف على بابه ينتظر خروجه ، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه ، وعمر ساكت لا يرد عليها ، فانصرف الرجل راجعاً ، وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته لا يرد عليها ، فانصرف الرجل راجعاً ، وقال : إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين ، فكيف حالي؟ وخرج عمر فرآه مولياً عن بابه ، فناداه وقال : ما حاجتك أيها الرجل؟ فقال : يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي ، فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت : إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته ، فكيف حالي؟ فقال عمر : يا أخي .. إني أحتملها لحقوق لها عليّ : إنها لطباخة لطعامي خبازة لخبزي ، غسالة لثيابي ، مرضعة لولدي ، وليس ذلك كله بواجب عليها ، ويسكن قلبي بها عن الحرام ، فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل : يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي. قال عمر : فاحتملها يا أخي ، فإنما هي مدة يسيرة.( فهذه القصة على فرض ثبوتها فإن فيها الكثير من العظات والعبر)
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " استوصوا بالنساء خيرًا ، فإنهن خلقن من ضلعٍ أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرًا ".( سبق تخريجه)
فهذا الحديث ينبه الأزواج إلى وجوب التجاوز عن بعض الأمور ، فإنه ليس هناك ورد بلا شوك؟! وقد أحسن الشاعر حين قال :
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
فيجب على كل من الزوجين التغاضي عن بعض ما لا يحب أن يراه في الآخر ، ويضع كلاهما في حسبانه أنه إذا كره في الآخر صفة فإنه لابد أن تكون فيه صفة أخرى تشفع له. وهذا هو بعينه ما أشار إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – حين قال : " لا يفرك مؤمن مؤمنة! إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ".( سبق تخريجه)

موعدنا بالحلقة التاسعة (والأخيرة/في هذه السلسلة من حق الزوج) إن شاء الله في يوم الأربعاء الموافق 27/06/2019… فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج/ الحلقة السابعة (معنى طاعة الزوجة لزوجها/ من وجهة نظر الرجل والمرأة)

يونيو 20th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
48 تعليق »
,
( ثانياً ) :- معنى طاعة الزوجة لزوجها :
تم إجراء استبيان بهذا الخصوص على عينة تم أخذ رأيها في الاستبيان ، وعددها ( " 50 " من الرجال و " 50 " من النساء ) ، وتتفاوت أعمارهم ما بين ( 18 إلى 45 ) عاماً. والنساء قد تراوحت أعمارهن ما بين ( 18 إلى 45 ) عاماً أيضاً.
أما المحاور التي بنيت عليها أسئلة الاستبيان فهي كالتالي :
1. أنه يجب على المرأة أن تطيع زوجها بما يتناسب مع مصالح الأسرة ، وفي غير معصية الخالق استنادًا لقوله – تعالى – { الرجال قوامون على النساء } ، وقوله – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية نزولاً عند رأي أم المؤمنين (أم سلمة) – رضي الله عنها.
2. يقول الله سبحانه وتعالى :{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، فطاعة المرأة لزوجها مقترنة بالاستطاعة ، مثل بقية التكاليف. وعلى الزوج أن يتفهم هذا الجانب ، وكان الرسول لا يكلف الناس ما لا يطيقون.
3. المعاملة الحسنة من الطرفين ( الزوج والزوجة ) لبعضهما البعض أمر ضروري لصلاح الحياة الأسرية ، وهذا الذي ركّز عليه الشرع الحنيف.
4. طاعة الزوجة لزوجها يترتب عليها الأجر من الله ، كما بينّا سابقاً.
5. حق الاحتباس من الزوجة محفوظ للزوج ، فلا تخرج من البيت لأي سبب إلا بإذنه.
6. وقد بنيت المحور الأخير على الأصل السادس من الحقوق والواجبات وهو : ينبغي أن لا يلحق استعمال الحقوق وفعل الواجبات ضررًا بالغير. وقد كانت أسئلة الاستبيان حسبما هو موضح بالاستبيان التالي :
وقد جاءت نتيجة الاستبيان كالتالي :
1. على الزوجة طاعة زوجها في كل صغيرةٍ وكبيرة؟
نسبة الموافقين من الرجال والنساء 35% ؛ وهي نسبة قليلة جدًا ، وهي تمثل القلة التي ما زالت تتمسك بالأصول الثابتة وهي وجوب طاعة الزوجة لزوجها.
أما نسبة غير الموافقين من الرجال فكانت 64% ، ومن النساء 66% وهذه نسبة كبيرة ، أعتقد أنها تشكل شريحة الرجال والنساء الذين تأثروا بالنداءات الغربية في عدم خضوع المرأة للرجل .. وهناك قلة من الرجال والنساء تشكل الفئة المحايدة الحائرة التي لا تعلم أين الصواب فكانت نسبة الرجال 4% والنساء 2%.
2. الطاعة في رأيك هي الموافقة على أي رأي وأي شيءٍ مهما كان؟
طبعاً ليست هذه الطاعة التي ينشدها الإسلام الطاعة العمياء ، الخالية من إعمال العقل ومن الحكمة في اتخاذ القرارات وإتباع الأوامر .. نعم ، تطيع المرأة زوجها في حدود الحكمة والمصلحة وفي غير معصية الخالق جل وعلا ، ولكن لا تطيعه طاعة عمياء ، لأنه في بعض الحالات نرى النساء أكثر حكمة من بعض الرجال.
فكانت نسبة الموافقين من الرجال على هذا المفهوم 20% ، ومن النساء 32% ، أما غير الموافقين فكانت نسبة الرجال 78% ، والنساء 66% ، والذين قالوا لا أدري من الرجال والنساء 2%.

3. مناقشة الزوجة لزوجها يعتبر دليلاً على عدم الطاعة؟
طبعاً لا ، فالتحاور بين الزوج وزوجته في أي قرار لا يعارض الطاعة في أي حالٍ من الأحوال ؛ فعند اتخاذ قرارٍ ما ، يدلي كلا الزوجين برأيهما ، ويُعمل بالأرجح منهما ، فكانت نتائج الصواب الحاسمة من نصيب النساء 100% موافقة ، بينما الرجال الموافقون على هذا الرأي 24% ، وهذا يدل على فهمهم الخاطئ لحق القوامة وتعسفهم في استخدامه ، و 8% منهم قالوا بأنهم لا يدرون ما هو الصواب. ونلاحظ التباين عند الرجال فقط.

4. رفض المرأة لأمر يتنافى مع طبيعتها يتناقض مع الطاعة :
الأصل أن تطيع المرأة زوجها وتتأقلم مع ظروف معيشته ، وبالتأكيد فإن هذه الحياة سوف تكون جديدة بالنسبة لها ، فعليها أن تبذل الجهد في التأقلم مع معيشته ، والواجب على الزوج أن يراعي هذا الجانب.
فالذين قالوا بالموافقة من الرجال 44% ، وغير الموافقون 34% ، والغريب أنه تواجد دائماً فئة مترددة لا تعرف الحكم فكانت نسبتهم 22%.
أما النساء فكانت نسبة الموافقة 8% ، وغير الموافقات 72% ، والفئة المترددة كانت 20% منهن.
5. هل لظروف الزوجة النفسية والجسمية أثر في الطاعة :
نعم ، فكل التكاليف التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها مشروطة بالاستطاعة كما في قوله تعالى – : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }( سورة البقرة ، الآية : 286) ، فإن كانت الزوجة تعاني من الناحية النفسية أو الجسدية ، فعلى الزوج أن يراعي هذا الجانب ولا يكلفها فوق قدرتها ، لأن العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة. وليست علاقة تسلط أو عبودية.
والغريب في هذا الأمر ، أننا وجدنا نسبة لا بأس بها من الرجال والنساء غير متفهمين لهذا الجانب ؛ فالذين أعلنوا الرفض من الرجال 16% ، ومن النساء أنفسهن 8% ، أما نسبة الذين قالوا لا أدري من الرجال 8% ومن النساء 14% ، وهذه نتيجة ملفتة للنظر ، تفسر أسباب مشاكل كثيرة بين الزوجين لأن الجهل نابع من النساء قبل الرجال ، نسلم بأن النسبة قليلة نوعاً ما إلا أننا نستطيع أن نغض الطرف عنها ، والذين قالوا بالموافقة من الرجال 76% ، ومن النساء 78%.
6. لإحسان الطلب تأثير على طاعة الزوجة لزوجها؟
طبعاً له تأثير كبير ، فيقول الله – سبحانه وتعالى – : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }.( سورة آل عمران ، الآية : 159)
هذه التوصية بالمؤمنين ، فمن باب أولى أن تشمل العلاقة بين الزوجين ، والمحزن في الأمر أن يكون هناك صوت من الرجال والنساء يعلنون عدم الموافقة على هذا السؤال فكانت نسبة الرجال غير الموافقين 14% ، ومن العجب أن تكون نسبة عدم الموافقة من النساء 2% ، وهذا إن دلّ فإنه يدل على فهمهم الخاطئ وهي أن القوامة معناها التسلط والتجرد من الرحمة ، وهذا منافٍ تماماً لأمر ديننا الحنيف .. ، وأيضاً وجدت نسبة تعلن حيرتها في هذا المعنى فكانت 10% ؛ وهي نسبة لا بأس بها بالرغم من أنني كنت أتوقع أن تكون 100% من الرجال والنساء!
7. معاقبة الزوجة عند عدم الطاعة لزوجها؟
نعم ، نتحدث عن الرجل الصالح الذي يقود أسرته بحكمة وبما أمره الله ، فعلى الزوجة طاعته وعدم مخالفته في نفسها ولا في ماله ، ولكن إن وجدت هناك نساء ناشزات وجب على الزوج معاقبتهن كما أمر الله :{ واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن … }.( سورة النساء ، الآية : 34) والمقصود بالضرب كما وضّح الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو غير المبرح ، وقد روى أبو داوود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – " لا تضربوا إماء الله " فجاء عمر – رضي الله عنه – إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : زئرت النساءأي تطاولتعلى أزواجهن! فرخّص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ضربهن فأطاف بآل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساء كثير يشتكين أزواجهن! فقال رسول الله :" لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم "( رواه أبو داود) ، إذًا هذا حق أوجبه الله للزوج لتيسير الحياة الزوجية ولكن الشائع أن كلمة عقاب من الزوج ، تعني الضرب للزوجة ، وهذا ما يجعل الكل يعترض على كلمة ( معاقبة الزوجة ) ، والذي نقصده هو معاقبة الزوجة يمكن أن تكون بتغير ملامح وجه الزوج ، أو تغير نبرة صوته ، ولا يكون الضرب إلا في مراحل متأخرة جدًا مع نساء ناشزات لا تردعهن الكلمة ولا الموعظة ، إلا أننا وجدنا نسبة غير قليلة من الرجال والنساء لا يفهمون هذا الحق بطريقةٍ صحيحة ، فكانت نسبة غير الموافقين من الرجال 24% ، ومن النساء 54%.
أما الذين قالوا لا ندري فيمثلون 12% من الرجال و 10% من النساء ، وكانت هذه النتائج بسبب اختلاط المفاهيم وتنوعها بين العادات السيئة من بعض المسلمين في طريقة معاقبة زوجاتهم ، وبين النداءات المتكررة في المطالبة بحقوق المرأة أدت إلى أن تنكر هذه الشريحة من الرجال والنساء حق المعاقبة من الزوج .. أما نسبة الموافقين من الرجال فكانت 64% ، والموافقات من النساء 36% ، نسبة قليلة إلا أنها تبشر بالخير ، بأنه ما زالت هناك نساء حكيمات على دراية بأحكام دينهن.
8. طاعة الزوجة لزوجها يترتب عليها الأجر من الله؟
كانت المفاجأة الكبيرة ونحن نعلم صحة هذا القول وأدلته من الكتاب والسنة واضحة كما أسلفنا في الفصل الأول. إلا أننا وجدنا 90% من الرجال موافقون ، و 4% غير موافقون ، و 6% لا يعلمون الحكم. ولن أعلق على هذه النتيجة بل سأترك التعليق للقارئ الكريم.
أما نسبة النساء اللاتي يعلمن أن طاعتهن لأزواجهن يترتب عليها الأجر من الله فكانت 100%.

9. مراعاة الزوجة لزوجها في جميع مجالات الحياة أرقى أنواع الطاعة الزوجية؟
طبعاً ، فعلى المرأة أن تراعي زوجها في اهتمامها بنفسها وبأولادها وبيتها ، وكذلك تراعي حالته النفسية ، وتراعي علاقاته الاجتماعية ، وتراعي أهله وأقاربه ، فإن فعلت ذلك استطاعت أن تسجل مع زوجها أعلى وأرقى أنواع الطاعة ، وهذا الذي أشار إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما سئل عن المرأة الصالحة قال : " أن تسره إذا نظر وتطيعه فيما أمر وأن لا تخالفه في نفسها وماله بما يكره ".( سبق تخريجه) ، والغريب أن 16% من الرجال ، 2% من النساء قـالوا بعـدم الموافقة ، 4% من الرجال والنساء قالوا لا ندري ، و 80% من الرجال ، و 94% من النساء أدلين بالموافقة.
10. هل اهتمام الزوج بزوجته له أثر بارز في طاعة الزوجة لزوجها :
نقول أن المرأة يجب أن تطيع زوجها في كل الحالات إن كان محسناً معها ، وإن كان مسيئاً لها ، وعليه الوزر ، إلا أنه إذا عاملها بالحسنى وأظهر لها مودته ورحمته كان له أثرًا بارزًا في حثها على المزيد من العطاء ، وأن تلبى طلباته وأوامره بنفسٍ راضية راغبة.
فكان 90% من الرجال موافقون و 100% من النساء موافقات ، إلا أن هناك 6% من الرجال أعلنوا عدم الموافقة وهؤلاء هم المتعسفون في قوامتهم للمرأة .. فعليها – من وجهة نظرهم – أن تطيعهم في كل الظروف وفي كل الأحوال ، والرجل غير مجبر على الاهتمام بزوجته ، فهو تربى على أنها كالأَمة له يقودها كيفما شاء ، وهذه الفئة تمثل الشريحة غير المدركة لمعنى القوامة بالطريقة الصحيحة.
والغريب أنه دائماً توجد نسبة من الرجال يعلنون عدم درايتهم لهذا الحكم ، وقد مثلت في هذا السؤال 4%.
11. أوجه انتقادي للطرف الآخر بأسلوب لبق :
وهذا أمر مسلم فيه ، فإن رأى الزوج ما لا يرضى عنه في زوجته نصحها بالحسنى وأعطاها ملاحظته باللين. وكذلك المرأة مع زوجها حتى تستقيم الحياة بينهما. إلا أن نتائج النساء أذهلتني هذه المرة فكانت نسبة الموافقات 82% ، وغير الموافقات 10%، واللاتي أعلن الحياد 8% ؛ فإن كانت النساء قد تربين على الرضوخ والانقياد وعدم تغيير المنكر فما الذي ننتظره من الرجال؟؟!
أما الرجال الذين أعلنوا الموافقة فشكلوا 54% فقط ، والذين لم يقبلوا بتوجيه الانتقاد لهم بأي حالٍ من الأحوال شكلوا 38% ، والذين قالوا لا ندري فكانوا 8% فقط … وهذه نقطة جوهرية في العلاقة الأسرية فلا يجوز من الطرفين أن يغضوا الطرف عن أخطاء يرتكبها الطرف الآخر ، وأيضاً لا نقول أن يجعلوا هذه الأخطاء مادة دسمة لإثارة المشاكل بينهما والوصول إلى نهاية المطاف ، وإنما الذي نقصده هو تفهم طبيعة الآخر وتوجيهه للأصلح بألطف الأساليب وأرقاها.
أما الأسئلة من 12 – 17 فإني قصدت أن أتوصل إلى نتيجة وهي : هل طاعة المرأة لأمر زوجها إذا منعها من الخروج للمنزل مقيد بسبب معين أم أن له الحق في ذلك مطلقاً. وأن حق احتباس المرأة لزوجها حق كفله الشرع للزوج؟؟!
يقول الله – سبحانه وتعالى – : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }.( سورة الأحزاب ، الآية : 23)
وهذا هو الأصل أن تَقَر المرأة في بيت الزوجية الذي أخذها إليه ووفر لها أسباب الراحة فيه وجعلها المسؤولة أمام الله عنه.
والقرار في البيت للزوجة هو السبيل إلى تحقيق المطالب الزوجية ، فتؤدي للزوج حقه وتنجب له الأولاد ، وتقوم بتربيتهم.( من كتاب الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ، دراسة مقارنة) فعليها أن تطيعه إذا منعها من الذهاب إلى أهلها بسبب يقيده ، وربما كان ذهابها إلى أهلها يؤثر سلباً عليها. فقد روي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – :" ليس منَّا من خبب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده ".( رواه أبو داوود ، كتاب الطلاق ، باب " فيمن جنب امرأة على زوجها " ، 334)
وكذلك إن كان منعه عن زيارة أهلها بغير سبب تطيعه ويأثم هو بذلك ، وأيضاً عليها أن تطيعه إذا منعها من الذهاب إلى المسجد ، نعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد حثهم على عدم منعهن إلا أنه أكد أن صلاتها في بيتها أفضل ، ولكن هذا لا يسلبه الحق في منعها إن رأى في ذلك مصلحة لها ولبيته وأيضاً أن تطيعه إذا منعها من الذهاب إلى الأعراس والخروج للعمل سواء كان حكومي أو خاص ؛ فزيادة الرواتب لا يعطي المرأة الحق في معصية زوجها في الخروج للعمل أياً كان نوعه.
إذا طاعة المرأة لزوجها في عدم الخروج من البيت حق له وواجب عليها مهما كانت الأسباب ، إلا أن طاعتها له لا يمنعها من محاورته وإقناعه في الخروج إلى أي مكان من تلك الأماكن التي ذكرناها. فإذا اقتنع فيها ونعم ، والذي نود أن نصل إليه أن الأصل هو الاحتباس للزوج في البيت وليس للمرأة أن تعارض زوجها وتخرج رغماً عنه وتظن أن ذلك هو الأصلح لها وهذا حق من حقوقها.
ومن خلال الاستبيان وجدنا أن طاعة الزوجة في القرار في البيت عند بعض الفئات مقيدة بأسباب.
12. ففي مسألة منع الزوج زوجته عن زيارة أهلها بسبب يقيده : كانت الموافقة من الرجال 78% ومن النساء 46% ، عدم الموافقة من الرجال 14% ومن النساء 32% ، والذين قالوا لا ندري من الرجال 8% ومن النساء 22%.
13. إذا منعها من الذهاب إلى السوق : الموافقون من الرجال 84% ومن النساء 74% الذي قالوا بعدم الموافقة من الرجال 10% ومن النساء 24% ، والذين كانوا حياديين 6% من الرجال ، 2% من النساء.
14. أما إذا منع الزوج الزوجة من الذهاب إلى المسجد : 80% من الرجال قالوا بالموافقة ومن النساء 64% ، أما الذين خالفوا 12% من الرجال و 26% من النساء ، والفئة المحايدة من الرجال 8% ومن النساء 10%.
15. أما الذين وافقوا على منع الزوجة في العمل الحكومي : 70% من الرجال و 68% من النساء ، والذين أبدوا المعارضة 20% من الرجال و 26% من النساء. أما المحايدين 10% رجال و 6% من النساء.
16. أما بالنسبة لمنع الزوجة من العمل في القطاع الخاص : فكانت نسبة المؤيدين من الرجال 76% و 74% من النساء ، ونسبة المعارضين من الرجال 6% و 14% من النساء ، أما المحايدين من الرجال فكانوا 18% و 12% من النساء.
17. بالنسبة لمنع الزوج زوجته من حضور حفلات الأعراس ، فوافق 84% من الرجال و70% من النساء ، وعراض 8% من الرجال و 20% نساء ، أما المحايدين 8% رجال و10% من النساء.
18. هل تشعر براحة نفسية في امتثال أمر الزوج؟
نعم إن امتثال أمر الله في معنى القوامة بما يتناسب مع صلاح الأسرة ، وامتثال أمر الله من جانب الزوجة في طاعة الزوج يكسب الزوجة راحة نفسية ، إلا أن الغريب أن هناك فئة من الرجال والنساء يقولون بعدم الموافقة فكانت 8% من الجنسين قالوا بعدم الموافقة ، وقد توقفت أمام هذه النتيجة طويلاً لماذا لا تشعر هذه الفئة بالراحة في امتثال أمر الزوج؟؟؟ والنتيجة التي توصلت إليها .. أن هذه الفئة من النساء تطيع زوجها في أمور هي غير راضية عنها في قرارة نفسها ولا نستطيع أن نحصي هذه الأمور مما يشعرها بعدم الراحة في امتثال أمر الزوج.
وبالنسبة لفئة الرجال ، فإني أعتقد أنه حينما تطيعهم زوجاتهم في أمرٍ ما سواء من ناحية نفسية جنسية اجتماعية تكون مرغمة في ذلك ، مما يسبب عدم الراحة للزوج في امتثال زوجته لأمره.
أما الموافقون لهذا الرأي فكانوا 72% من الرجال ، 62% من النساء ، وأريد أن أنوه على أن الفئة المحايدة من النساء 30% في هذا السؤال ، والذي تدل عليه النتيجة أن هذه الشريحة انطوائية كتومة لا يوجد تواصل بينها وبين الطرف الآخر لأسباب كثيرة لا نستطيع أن نحصيها تتوقف على طبيعة المرأة ونشأتها وطبيعة الزوج والمجتمع والبيئة المحيطة والظروف المحيطة بها. كذلك الرجال فقد كانت نسبتهم 20% وهذا يعكس نفس حالة النساء.
19. وسؤالنا الأخير أردنا أن نعرف من خلاله نسبة تعسف الأزواج في هذا الزمن بعد الطفرة العلمية والحضارية في كافة المجالات ، وانفتاح العالم مع بعضه البعض :
وجدنا أنه يوجد 18% من الرجال المتعسفين برأي من الرجال أنفسهم ، 22% برأي النساء ، والذين قالوا بعدم الموافقة بوجود رجال متعسفين 64% من الرجال ، 44% من النساء. ولن أنظر لنتائج الفئة المحايدة من الرجال والنساء لأنهم من الفئة غير المتزوجة.
وأخيرًا وبعد هذه الوقفة الطويلة أمام أسئلة الاستبيان توصلنا إلى نتائج عملية غير نظرية تدل على أن أسباب الكثير من المشاكل الزوجية يكمن في أمرٍ خفي غير مرئي وهو الفهم الخاطئ لمعنى القوامة :
فقد اكتشفنا أن نساء ورجال لا يفهمون معنى القوامة بشكلٍ صحيح وبما أمر به الشرع ، فبعضهم يتعسف في استخدام هذا الحق ، وبعضهم ينكره بأكمله ، وقد وجدنا فئة من الرجال والنساء يعتبرن المناقشة بين الزوجين مخالفة لمعنى طاعة الزوجة لزوجها.
كما أن هناك فئة من الرجال تنكر الأجر من الله على طاعة المرأة لزوجها ، وبعضهم فرّق بين الطاعة وحسن المعاملة.
كما وجدت فئة من الرجال والنساء ينكرون حق معاقبة الزوج لزوجته إن كانت ناشزًا. كما أن جماعة كثيرة من الرجال والنساء لا يعون حقيقة احتباس المرأة في بيت زوجها.
والذي أراه أن رجالنا ونسائنا يعانون من تشتتٍ في تحديد مبادئهم وأسسهم التي يبنون عليها حياتهم الأسرية ، وأن أحكام ديننا نالها نصيب من التشوه في أعين الأجيال الصاعدة لأسبابٍ كثيرة ، منها :
1. سوء تطبيق أحكام ديننا الحنيف الناتج عن الفهم الخاطئ لقصد الشارع من سن تلك الأحكام.
2. كثرة مصادر الثقافة الحديثة ، ولم تصبح قاصرة على كتب الدين ومؤلفات علمائنا المسلمين ، بل تعدت إلى الفضائيات والكتب الغربية المترجمة والروايات المسمومة التي باتت تشكل توجه الجيل المعاصر.
3. تراجع دور علماء الدين عن النصح والإرشاد الناشئ عن حد السلطات من دورهم وتقليصه على المنابر في خطب الجمعة فقط ، والتي أصبحت من خلال أوراق مكتوبة ومعدة سلفاً من الدائرة يتسلمها الإمام ليلقيها على المنبر دون وعيٍ منه أو جهد.
4. الازدهار الحضاري وكثرة الترف والبذخ والانشغال به عن أمور الدين.
5. الانبهار بالحضارة الغربية والأخذ منها كل ما هو غث وسمين ، ووجود عُقَد النقص في كل شيء يصعد من المسلمين.
6. التشكيك بمصداقية أحكام الشريعة ، من باب تأويل الآيات ، وتضعيف الأحاديث.

أعتذر عن الإطالة .. وموعدنا بالحلقة الثامنة (إن شاء الله) في يوم الأحد الموافق 24/06/2019م وأعدكم بأن تكون قصيرة … فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج/ الحلقة السادسة (التعسف في استخدام حق الطاعة)

يونيو 17th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
118 تعليق »
,

( أولاً ) :- التعسف في استخدام حق الطاعة :

يقول الحق – سبحانه وتعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.( سورة النساء ، الآية : 1)
خلق الله آدم – عليه السلام – أبو البشر حين خلقه فريدًا ، وحيدًا ليس له جليس ولا أنيس ، فكان يهيم في الفلوات ، ويستوحش في الخلوات لا يَقر له قرار ، ولا يأوى إلى أهلٍ ولا دار ، فبينما هو كذلك في حالةٍ من اضطرابٍ وفي حالِ همٍ وغمٍ واكتئاب .. لم يشعر إلا وقد خلق الله له من ضلعه الأعلى امرأته حواء بشرًا سوياً ، فسكن إليها ، وآنس بها واطمأن معها.( بتصرف من كتاب الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة ، عبد الله بن زيدان آل محمود ، صـ 22)
يقول الله – تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَةً ورحمة }.( سورة الروم ، الآية : 21)
فالزواج من سنن المرسلين وهو ضرورة من ضرورات حياة الآدميين ؛ لأنه سبب لإيجاد البنات والبنين ، والعزاب هم أراذل الأحياء ، وشرار الأموات.
ورُوي أنه جاء نفرٌ إلى بابِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فلما أُخبِروا بها ، كأنهم تقالّوها. فقالوا : أين نحن من عبادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال أحدهم : أما أنا فأقوم الليل ولا أرقد أبدًا ، وقال الآخر : أما أنا فأصوم النهار ولا أفطر أبدًا ، وقال الآخر : أما أنا فأتبتل في العبادة وأعتزل النساء. فخرج عليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : " أما أني أخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصلي وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".( رواه مسلم ، كتاب " النكاح " ، باب " استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه " ، 2/1020)
فأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن التبتل في العبادة ، والانقطاع عن الأهل ، وعدم التزوج ، بأنه ليس من هديه ولا شرعه. فمن واجب هذه النعمة أن يعاشر هذه الزوجة بالمعروف وبالإكرام. والاحترام وحسن الخلق وطيب الكلام.
فقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم "( رواه الترمذي ، كتاب " النكاح " باب " ما جاء في حق الزوج على المرأة " ، 30/466) ، وسأل معاوية بن حيدة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله : ما حق زوجة أحدنا عليه؟ ، قال : " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ".( رواه أبو داود ، كتاب " النكاح " ، باب " في حق المرأة على زوجها " ، 329)
وطاف بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساء كثير يشتكين من أزواجهن ، فقال : " ليس أولئك بخياركم ".( رواه أبو داود ، كتاب النكاح ، باب في ضرب النساء ، 329) ، يقول الحكماء : إن النساء يغلبن الكرام ، ويغلبهن اللئام.
فهؤلاء الأقوام الذين يعاملون النساء باللعن والسب ، وشتم الآباء والأمهات والحط من أقدارهن بقذفهن ، هم يعتبرون من شرار الناس الذين ساءت طباعهم وفسدت أوضاعهم ، ويتأسى بهم أولادهم في إساءة أخلاقهم.( الحكم الجامعة ، صـ 22)
هؤلاء فهموا أنه يجب على المرأة أن تطيع زوجها بلا حدود وأنها بمجرد عقده عليها أصبحت أمة له ، يفعل بها ما يشاء ، دون أن ينتظر منها رأي أو اعتراض ، هؤلاء لم يفهموا هذا الحق كما أراده الشارع وفقاً للأصل السادس للحقوق والواجبات والذي ينص على أنه ينبغي أن لا يلحق استعمال الحقوق وفعل الواجبات ضررًا بالغير.
وإنما جعلوا درجة القوامة درجة تشريف لا تكليف وأخذوا المرأة على أنها خادمة وجعلوها في منزلة أقل منهم ، وأحطوا من قدر أهلها ، ولم يعرفوا لهم حقوق أو واجبات … باتت المحاكم تعج بهذا النوع من القضايا – وهو عنف الأزواج على زوجاتهم – يكون لدى أحدهم المال الوفير ، فينفقه على شهواته وملذاته ، ولا يترك لبيته وأهله إلا القليل الذي يكاد يسد حاجاتهم الضرورية ، ومن وجهة نظرهم يجب على المرأة أن ترضى بذلك ؛ لأنه واجبٌ عليها ، ولا يحق لها الاعتراض ، فالمرأة عندهم يجب أن تتأقلم مع ظروف زوجها وطباعه حتى وإن كان فيهم جور وتعدي على كرامتها الإنسانية ، بل قد تجاوز بعض الأزواج لهذا الحد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ، فباسم قوامته عليه وباسم حق طاعتها له أجبروا الزوجات على كسب المال بطرق غير شرعية.
وللحالة العامة المنتشرة عند أغلب النساء فهن غير واعياتٍ لمعنى طاعة الزوج بالمفهوم الصحيح ولجهلهن أن لطاعته حدود ، ولعدم معرفتهن لهذه الحدود ، وفي الدرجةِ الأولى لخوفهن منهم وسطوتهم ، ولعدم معرفتهن لهذه الحدود ، وفي الدرجةِ الأولى لخوفهن منهم وسطوتهم عليهن أخذت تلك النساء مجبورات يتاجرن بشرفهن لجني المال ، وهذه القضايا تعرض باستمرار في المحاكم ؛ وكأننا بهذا الجهل الشديد من الطرفين لمعنى القوامة والطاعة ، ولتعسف الأزواج وتسلطهم على زوجاتهم ، نعود إلى جاهلية ما قبل الإسلام …!! حيث لا دين هناك ، ولا تشريع يضع حدود التعاملات الإنسانية عامة والعائلية خاصة.
وهناك نوعٌ آخر من الجهل في معنى القوامة حيث يميل بعض الأزواج إلى التضييق على زوجاتهم وإقناعهن أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا إلى قبرها ، وغضوا الطرف عن رأي الدين في هذه الناحية ونتيجةً لواجبات المرأة المنزلية ، وضغط الزوج عليها بطلباته اللامبالية وعدم شعوره باحتياجات زوجته النفسية ، تكونت بعض النساء الساخطات المتزمرات فأصبحن يهاجمن الدين من خلال تعسف أزواجهن وعدم أداؤهم الواجبات تجاه الزوجة ، وأخذن يعترضن بأن الدين الإسلامي لم ينصف المرأة ولم يعطها حقوقها بل وساعد على الحط من قدرها … والدين بريء من هذا الادعاء كله .. ، فديننا الحنيف كما أسلفنا في شرح معنى الطاعة والقوامة يراعي امتزاج الأرواح وقدسية العلاقة بين الزوجين ويوجب الواجبات مقابل الحقوق ويسعى إلى تأليف القلوب ، ويعتبر الأسرة هي المحك الرئيسي في صلاح أي مجتمع أو فساده ، وأنه الدين الوحيد الذي أكد على مكانة المرأة وأهمية دورها في البناء والإصلاح.
أما خيار الناس فهم الذين ينزهون أنفسهم وألسنتهم ، ويصونون أحسابهم وأحساب أنسبائهم عن هذه المعاملة الفاسدة ، والأقوال السافلة، ويعاشرون أهلهم بالإكرام والاحترام وطيب الكلام ، ويتمتع بأهله في عيشة هنية ومعاشرة مرضية ، يعامل أهله بالوفاق ، وبحسن الأخلاق إذا دخل بيته سلم على أهله والسلام من أسباب المحبة والألفة ، وينشر في البيت البركة والرحمة. كما في الحديث الشريف أنه روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك ".( رواه الترمذي ، كتاب " الاستئذان " ، باب " المرأة تتصدق من بيت زوجها " ، 2/132)
ومتى أبغض زوجته وأخذ يضارها ، ويضربها لتفتدي منه بمالها ويقطع نفقته عنها ، وربما كان معها منه ولد ترضعه ، أو عيال يعولهم فيهجرهم ويقطع إحسانه عنهم فهذا ظلم وحرام ، ولا يفعله سوى الأراذل اللئام.
يقول تعالى : { فأمسكوهن بمعروفٍ أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه }.( سورة البقرة ، الآية : 231)
وعنه – صلى الله عليه وسلم – قال : " كفى بالرجل إثماً أن يضيِّع من يَقوت ".( رواه أبو داود ، كتاب " النكاح " ، باب " المرأة تتصدق من بيت زوجها " ، 2/132)
موعدنا بالحلقة السابعة (التي ستكون مطولة فأرجو المعذرة) وهي (إن شاء الله) ستكون في يوم الأربعاء الموافق 20/06/2019م … فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج / الحلقة الخامسة

يونيو 13th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
75 تعليق »
,
( رابعاً ) :- الفرق بين الرجل والمرأة :
ورد دعوى القائلين بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فهناك فروق كثيرة :
1.فروق جسدية تكوينية.
2.فروق عقلية سلوكية.
3.فروق نفسية وجدانية.
أولاً : الفروق الجسدية ( التكوينية ):
إن أهم ما يميز المرأة من الرجل تكوينها الجسدي ؛ فهي تملك من الأجهزة والأعضاء ما يتناسب ووظيفتها في الحياة الإنسانية وهو أمر واقع ملموس ، وقد ورد في القرآن الكريم اختلاف الذكر عن الأنثى فيما حكاه على لسان امرأة عمران فقال – تعالى – : { إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محررًا ، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى ، والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى }.( سورة آل عمران ، الآية : 36) والشاهد ( وليس الذكر كالأنثى ) أي في تحمل المسؤولية والسدانة وخدمة بيت الله لما يتطلب ذلك من جهد بدني وعقلي.
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسيره للآية : ( وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد به ، بينه حالها ومقطع كلامها ، فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها ، فلما رأته أنثى لا تصلح وأنها عورة اعتذرت إلى ربها من وجودها لها خلاف ما قصدته منه ).( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، 4/68)
وفسر ابن كثير – رحمه الله – قوله : { وليس الذكر كالأنثى } أي في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى.( تفير القرآن العظيم ، 10/359)
وقل : " للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء ، لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة ، فيكون فيه قوة وشدة وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة فيكون فيه معنى اللين والضعف فجعل لهم حق القيام عليهم بذلك ".( الجامع لأحكام القرآن ، 5/169)
هكذا نرى أن القرآن قرر الاختلاف بين الذكر والأنثى فإذا ما انتقلنا إلى ما قاله علماء الطب ، وجدنا أنهم اكتشفوا الكثير من الفروق الجسدية بين الذكر والأنثى.
إن الفروق الفسيولوجية ( الوظيفية ) والتشريحية بين الذكر والأنثى أكثر من أن تحصى وتعد. فهي تبتدئ بالفروق على مستوى الصبغيات ( الجسيمات الملونة أو الكروموسومات ) التي تتحكم في الوراثة وترتفع إلى مستوى الخلايا ، وكل خلية في جسم الإنسان توضح لك تلك الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والأنوثة – وتتجلى الفروق بأوضح ما يكون في نطفة الذكر ( الحيوانات المنوية ) ونطفة المرأة ( البويضة ) ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم المختلفة من العظام إلى العضلات.( عمل المرأة في الميزان ، محمد علي البار ، صـ 71)
ثانياً : الفروق العقلية والسلوكية :
لقد ثبت في الكتاب والسنة العديد من الفروق العقلية بين الرجل والمرأة ، وقد راعى التشريع ذلك في العبادات والمعاملات والتكاليف الشرعية. يقول – تعالى – :{ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى }.( سورة البقرة ، الآية : 282) ، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله : ( والضلال ينشأ من أسباب كثيرة ، فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد مما يجعلها لا تستوعب كل رقائقه وملابساته. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية ، فإن وظيفة الأمومة تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية ، لا ترجع فيها بالتفكير البطيء وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة ، وهذه الطبيعة لا تتجزأ ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها – عندما تكون سوية – بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجردٍ كبير من الانفعالات ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء. ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى ).( في ظلال القرآن ، سيد قطب ، 3/336)
وقد جاءت السنة لتؤكد هذه الحقيقة – نقصان عقل المرأة ، وذلك كما ورد عن عبد الله بن عمر : عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : " تكثرن اللعن وتكفرن العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أخلب لذي لبٍ منكن " قالت : يا رسول الله ، وما نقصان العقل والدين؟ قال : " أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان. فهذا نقصان الدين ".( رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات ، 1/86 ، 87)
ولقد أثبت الطب الحديث وعلم وظائف الأعضاء الاختلاف بين المرأة والرجل من الناحية العقلية والسلوكية فجاء مبيناً ومؤكدًا لما ورد في الكتاب والسنة ، فسبحان الذي يقول : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }.( سورة فصلت ، الآية : 53) ، إن الصبيان يفكرون بطريقةٍ مغايرة لتفكير البنات ومما يعتبر اكتشافاً مذهلاً أن تخزين القدرات والمعلومات في الدماغ يختلف في الولد عنه في البنت. ففي مخ الفتى تتجمع القدرات الكلامية في مكانٍ مختلف عن القدرات الهندسية والفراغية. بينما هي موجودة في كلا فصي المخ لدى الفتاة ، ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر تخصصاً من مخ أخته ، وتقول الدراسة إن أغلب الأولاد يميلون إلى كثرة الحركة وشيء من العنف ، بينما تميل أكثر الفتيات إلى السكينة والهدوء وقلة الحركة.( عمل المرأة في الميزان ، صـ 74 – 75)
( نحن نعتقد أن المرأة لا تعيرها هذه المفاضلة في الخصائص العقلية بين الجنسين ، لأنها لم تحرم ما يقابل هذه الخصائص في مجال الحس والعطف والبداهة الفطرية وحباها الله من مزايا جنسها ما اشتملت عليه من كنوز غالية ترشحها ( لأمومة ) الإنسانية كلها ولا تقتصر بها على أمومة الأبناء والبنات وهي أم النوع الإنساني وليس من الضروري لها مع هذه الأمومة المكرمة أن تكون أباه ).( المرأة ذلك اللغز ، عباس محمود العقاد)
ثالثاً : الفروق النفسية والوجدانية :
إن الفروق النفسية والمشاعر الوجدانية تتبع الوظائف العضوية ، وبما أن للمرأة خصائص عضوية تختلف بها عن الرجل اختلافاً واضحاً فإن ذلك يترك أثرًا واضحاً على نفسية المرأة ووجدانها.
فإن أهم ما تمتاز به المرأة نفسياً : العاطفة الرقيقة والحنان البالغ وحب التضحية من أجل الآخرين ، فهي أسرع تأثرًا وانفعالاً وأرق شعورًا بالألم والفرح ، ولهذا لم يتعرض القرآن الكريم لنفسية المرأة بطريقة البحث المجرد وإنما قدم صورة المرأة متحلية بخصائص متميزة بمميزاتها ، فكلما ذكرت الأم وصفت بالعطف والحنان وتحمل الآلام في سبيل جنينها ، يقول – تعالى – :{ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك وإليَّ المصير }( سورة لقمان ، الآية : 14) ، وكلما ذكرت الزوجة قدمت في صورة السكن والمودة والرحمة ؛ يقول – تعالى – :{ وهو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها }.( سورة الأعراف ، الآية : 189)
وقد تحدثت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة عن بعض الصفات والانفعالات التي عرفت بها المرأة ، وأصبحت صفة من صفاتها وجزءًا من طبيعتها وتكوينها النفسي كالحياة والغيرة وحب الزينة ، والضعف في الخصومة وقوة الانفعال والاندفاع والكيد والسخرية.
وبعد هذا العرض الوجيز هل بقي شيء يقال عن قضية المساواة بين الرجل والمرأة؟! بعدما وقفنا على الأمور التي ساوى فيها الإسلام المرأة بالرجل .. وبعد ما ظهر لنا تميز المرأة واحترامها في هذا الدين الحنيف ، لابد أن نسلم ونتفق على أن تدهور بعض أوضاع المرأة في بعض المجتمعات وهضم الرجل لحقوقها في تلك المجتمعات لا ننسبه لقصور الدين عن المحافظة على كرامة المرأة وإنسانيتها ، بل ننسبه للمسلمين أنفسهم الذين قصروا في فهم أحكام الدين وقصروا في تطبيقه ، وأن الدين بريء وبعيد كل البعد عن تلك الممارسات الشائنة ضد المرأة …
والذي يجب أن يطالب به أنصار حقوق المرأة – على حد تعبيرهم – هو الرجوع إلى الأصول السليمة والتمسك بها وتطبيقها ، فالمطالبة بإيجاد حقوق للمرأة قد هضمت ، ونسبة تخلف النساء وجهلهن إلى أن الدين الإسلامي قاصر ودين رجعي يجب أن يبدل بأفكار حضارية – غربية – باطل وافتراء عظيم وإنما يعكس مدى جهل المسلمين بدينهم ؛ وقد أثبتنا ذلك في هذا الفصل.
والمرأة المسلمة الحكيمة الواعية تعلم كل العلم أنها بألف خير ونعمة ، وأنها في مكانة – يحسدنها عليها الكثيرات .. فالواجب علينا نحن النساء أن نعرض عن تلك الادعاءات والهتافات التي لم تثار إلا لتعطيلنا عن مهمتنا الأسمى – وهي تربية الأجيال ودفع الرجال إلى النهضة والتقدم – وإخراجنا من بيوتنا بمسميات مختلفة وترك ممتلكاتنا لأيدي الخدم يعيثوا فيها فسادًا ، وأتحدث عن مجتمع الإمارات بشكلٍ خاص ، الذي نحيا فيه حياةً كريمة ، والنساء يحظين فيه بكل التقدير والاحترام .. والشعب فيه بشكلٍ عام أقرب إلى الفطرة السوية .. فلا ينبغي لنا أن تستخفنا تلك النداءات وتحرضنا على التمرد على أزواجنا .. وإنما يجب أن نسعى للمحافظة على أمننا وتطوير مكانتنا بين الدول وعدم تضييع هذه المكانة بمكائد الأعداء وهتافاتهم.
أعتذر عن الإطالة .. وموعدنا بالحلقة السادسة (إن شاء الله) في يوم الأحد الموافق 17/06/2019م … فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج / الحلقة الرابعة

يونيو 13th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
11 تعليق »
,
أولاً أعتذر عن حذف الإدراج بطريق الخطأ مع عدد (46) تعليق .. وذلك بالضغط بالماوس على كلمة حذف الإدراج بطريق الخطأ … وعليه أعيد نشر الإدراج للفائدة مرة أخرى …وقد كان الإدراج الأصلي بتاريخ الأربعاء الموافق 10/06/2019م
( ثالثاً ) :- المساواة بين الرجل والمرأة :
يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :" والله إنّا كنّا في الجاهلية ما نعد النساء أمرًا ، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ، وقسم لهن ما قسم ".
فهذه كلمة الفاروق الجامعة المانعة الموجزة تصف لنا وصفاً دقيقاً وواضحاً مكان المرأة في الجاهلية وما هي نظرة المجتمع لها والتي تعكس المعاملة التي كانت تُعامل بها ، وما أكرمها الله به بعد الإسلام … فالإسلام الدين الوحيد الذي ضمن حق المرأة وحافظ على مكانها وشرع القوانين التي تكفل لها حياةً كريمة ، ومكانة مرموقة عن سائر النساء في غير هذا الدين السمح ، فقد أوصى بها طفلة صغيرة وحذر من وأدها وأكد العقوبة على فعل ذلك في قوله – تعالى – { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت }.( سورة التكوير ، الآيتان : 8 ، 9) ، وأكد على برها أماً في قوله – تعالى – { وبالوالدين إحساناً }.( سورة الإسراء ، الآية : 23) والأحاديث النبوية كثيرة في هذا المقام.
مثال على ذلك ما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي؟ ، قال : أمك ، قال ثمن من؟ قال : ثم أمك ، قال ثم من؟ قال : أبوك ". وفي حديث قتيبة ( من أحق بحسن صحابتي؟ ) ولم يذكر الناس.( رواه مسلم ، كتاب ( البر والصلة والآداب ، باب بر الوالدين وأنهما أحق به ، 8/3)
وكانت آخر خطبة للرسول – صلى الله عليه وسلم – تضم اهتماماً كبيرًا من الرسول والتركيز على الوصية بالنساء بشكلٍ عام بدرجة كبيرة فقال – عليه الصلاة والسلام – " استوصوا بالنساء خيرًا ".( رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب الوصاة بالنساء ، 19/130)
هكذا عامل الإسلام المرأة منذ تشريعه ، وساوى بين الرجل والمرأة في أمورٍ كثيرة ، بل ميّزها عن الرجل في بعض الأحوال ..
أولاً : ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والكرامة الإنسانية :
فكلاً من الرجل والمرأة مخلوق آدمي جدير بالتكريم ، فهما في القيم والحرية والعزة والكرامة سواء : { ولقد كرمنا بني آدم }.( سورة الإسراء ، الآية : 70)
ويقول – تعالى – : { هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها }.( سورة الأعراف ، الآية : 189)
هذه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة من القرآن الكريم جاءت لتؤكد أن المرأة والرجل من أصلٍ واحدٍ لا قوام للإنسانية إلا بهما معاً ، فالمرأة شريكة الرجل وشقيقته في كل شؤون الحياة.( مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة ، مرجع سابق ، صـ 20)
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله – في تفسيره لقوله – تعالى – : { يا أيها الناس … }. يقول تعالى آمرًا خلقه بتقواه ، وهي عبادته وحده لا شريك له ، ومنبهاً لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفسٍ واحدة وهي آدم عليه السلام ، { وخلق منها زوجها } وهي حواء عليها السلام ، خلقت من ضلعه الأيسر " الأقصر " من خلقه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته ، فأنس إليها وأنست إليه.( تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، 1/448)
وقال عليه الصلاة والسلام : " إن النساء شقائق الرجال ".( رواه الترمذي ، كتاب الطهارة ، باب فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً ، 1/232) يدعم إنسانية المرأة ويؤكد مساواتها بالرجل في وحدة الأصل والمنشأ. حيث جاء في شرح الحديث : " إن النساء شقائق الرجال " ( أي نظائرهم وأمثالهم وكأنهن شققن منهم ، لأن حواء خلقت من آدم عليه السلام ، وشقيق الرجل : أخوه لأبيه وأمه ، لأنه شق نسبه من نسبه ).( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، المباركفوري ، 1/369)
بهذا التكريم نرى مدى عناية الإسلام بالمرأة ؛ فهي في منزلةٍ سواء بالرجل تماماً ليست منحطة عنه ، ولا هي مختلفة عنه في عنصرها ، وبهذا قضى على جميع الآراء الفاسدة والتشريعات المنحرفة التي جعلت من المرأة قذرًا ودنساً وبأنها عنصر غير طاهر ، كما أسلفنا في مكانة المرأة في الحضارات السابقة.
ثانياً : المساواة في الحقوق :
فقد منح الإسلام كلاً من الرجل والمرأة بعد البلوغ والأهلية الكاملة حقوقاً متساوية في شتى المجالات واعتمادًا على الأصل السابع في الحقوق والواجبات ، فالمرأة كالرجل في الحقوق والواجبات.
في مجال العقود والتصرفات : فلا تمييز بين المرأة والرجل في هذا الجانب ، فهما أهل لمزاولة العقود من بيع وإجارة ورهن ووكالة ووقف … في حين لا تزال المرأة الفرنسية حتى يومنا هذا ممنوعة من التصرف في أموالها إلا بموافقة زوجها.
في المجال الاقتصادي : فللمرأة كالرجل الحق في الميراث والحق في التملك عن طريق الكسب والعمل أو الهبة أو الوصية أو المهر ، ولها مطلق التصرف فيما تملك ؛ بعد أن كانت النساء في الجاهلية لا يرثن شيئاً وإنما كُنّ ميراثاً ينتقل إلى يد الوارث .. وكان الميراث يختص به الأشداء من الذكور فقط.
في مجال الحقوق الاجتماعية والمدنية : فللمرأة الحق في اختيار زوجها دون إكراه كالرجل سواء بسواء ، فقد روي عن أبي بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي حَسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ".( رواه ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب " من زوج ابنته وهي كارهة " 1/602)
وتتساوى المرأة مع الرجل في حق التعليم وطلبه وتحصيله كما في قوله – تعالى :{ كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون }.( سورة البقرة ، الآية : 151)
فعن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها ، فله أجران ".( رواه البخاري ، كتاب " العلم " ، باب " تعليم الرجل أمته وأهله .. 1/362)
المساواة أمام القانون : فالرجل والمرأة متساويان من حيث حقهما في حفظ النفس والمال والعرض ، وفي مسؤوليتهما عمّا يأتيان من الأعمال المخلة بالقانون ، والمخالفات الجنائية { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما }( سورة المائدة ، الآية : 38) ويقول – تعالى – :{ والزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة }.( سورة النور ، الآية : 2 )
إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأةفي الأهلية للتدين والعبادة ، واستحقاق ما يترتب على ذلك من المثوبة والجزاء ، يقول – سبحانه – { من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون }( سورة النحل ، الآية : 97 ) ، ويقول : { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٌ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعض }.( سورة آل عمران ، الآية : 195)
فالمرأة كالرجل مستقلة في حرية الاعتقاد ، وليست تبعاً للرجل في ذلك ، فها هي آسيا زوجة فرعون تختار طريق الإيمان رغم أن زوجها من عتاة الكفر وكبار الطواغيت ؛ يقول – تعالى – :{ وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنةِ ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين }.( سورة التحريم ، الآية : 11) ، في المقابل تختار زوجة نوح وزوجة لوط طريق الكفر مع أن زوجيهما نبيان ؛ يقول – تعالى – :{ وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأةَ لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين }.( سورة التحريم ، الآية : 10)
وهي كالرجل في أهليتها للعبادة والأخلاق والقيام بالأعمال الصالحة ، يقول – سبحانه وتعالى – : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات ، أعد الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيما }.( سورة الأحزاب ، الآية : 35)
منح المرأة حقاً كانت محرومة منه في الجاهلية لمجرد أنوثتها ، فأصبحت والرجل سواء في حق الحياة ، فحرّم وأدها { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت }.( سورة التكوير ، الآيتان : 8 ، 9)
احترام رأي المرأة وإعطاؤها الحق في إبداء ذلك الرأي :
فقد أوجب الإسلام الاستماع لرأي المرأة ، وقرر ذلك مبدأ يسير عليه التشريع العام. ولقد خطب عمر – رضي الله عنه – يوماً في شأن تيسير المهور ، وعدم المغالاة فيها ، ولعلّه أراد أن يحدد المهر ، وإذا بامرأة تقوم وتقول : كيف يا عمر؟ وقد قال تعالى – :{ وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئاً }( سورة النساء ، الآية : 20) ، فقال : أخطأ عمر ، وأصابت امرأة. ونزل على ما قالت.
وأكبر دليل على أنه كان للمرأة الحق في إبداء الرأي والاعتراض وأن المرأة منذ صدر الإسلام وهي تنادي وتطالب بحقها وأنها غير محرومة من هذا الحق ما روي عن جابر – رضي الله عنه – أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم – وقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أُحد شهيدًا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا بمال ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – " يقضي الله في ذلك ". فنزل قوله – تعالى – :{ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين … } فأرسل الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى عمهما وقال له : " أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ".( رواه البخاري ، كتاب " الفرائض " ، باب " ميراث البنات " 15/239 )
وهكذا احترم الإسلام رأي المرأة ، وجعلها تعبر عن رأيها بصدقٍ وصراحة ، وتدافع عن حقوقها ، وحقوق بنات جنسها بمنطقٍ واضح وتفكيرٍ سليم ، ورغم ذلك ، فإننا نجد من يرفع صوته بالاحتجاج ، لأن الإسلام لم يمنح المرأة حريتها ، وجعلها أسيرة قيود الرجل. وبالتالي يطالب بتحرير المرأة من قيود الماضي ، ومن الأغلال التي ترسف فيها.
نقول للمطالبات بحقوق المرأة أو حرية المرأة أو مساواتها بالرجل من بنات الإسلام أو غيرهن : من يطلب الحرية يطلبها لأنها وسيلة لتحقيق غاية أعلى منها ، إننا نتحرر من أجل غاية ، ولا نتحرر فقط من أجل التحرر ، إن الإنسان يتحرر من قيود تسقطه من مستوى يحطم إنسانيته ، ليلتزم بقيود ترفع مستواه الإنساني ، الحرية ليست تحطيم القيود ، وليست العداء للرجل والتمرد على قوامته وإلغائها والدخول معه في صراعٍ أبدي. وليست الثورة على المجتمع ، ورفض كل أفكاره ما فسد منها وما صلح. وليست الحرية تقليد الأجنبي ، والتعلق بكل غريب وافد. وليست هجرة ونفورًا من البيت ومستلزماته ، وليست رفض القوانين التي تحكم فطرتنا وطبيعتنا.
إن الحرية التي تؤدي إلى السعادة هي احترام تركيبنا النفسي والبيولوجي ، واحترام كل مبدأ ينسجم مع تركيبنا النفسي الجسمي هكذا يجب أن نفهم الحرية.( بتصرف من كتاب نظام الأسرة في الإسلام ، مرجع سابق ، صـ 195)
من هذه الحقيقة ينطلق الإسلام ليقدم تصوره ونظرته للمرأة والعالم ، ويقرر أن الرجل والمرأة وإن كانا متساويين في الحقوق والواجبات ، لكنهما متشابهين من حيث ان لكل منهما عمله ووظيفته ، وتركيبه الفطري الخاص به. فالمرأة تفارق الرجل في بنيتها الجسمية وتكوينها النفسي ، ويتبع ذلك اختلاف المهمة والعمل الذي أعدته لها الحكمة الإلهية. وبهذا يتحقق سسن التكامل ، ونواميس التوازن التي تجمع شطري الإنسانية – الذكر والأنثى – يقول الأستاذ أحمد فائز : إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء ، فالفطرة الإلهية ، جعلت الرجل رجلاً ، والمرأة امرأةً ، وأودعت كلاً منهما خصائصه المميزة ، لتناط بكل منهما وظائف معينة ، لا لحسابه الخاص ، ولا لحساب جنس منهما بذاته.
ولكن لحساب هذه الحياة الإنسانية التي تقوم وتنتظم ، وتستوفي خصائصها وتحقق غايتها من الخلافة في الأرض وعبادة الله بهذه الخلافة – عن طريق هذا التنوع بين الجنسين والتنوع في الخصائص والوظائف ، وعن طريق تنوع الخصائص وتنوع الوظائف ينشأ تنوع التكاليف وتنوع الأنصبة ، وتنوع المراكز لحساب تلك الشركة الكبرى والمؤسسة العظمى … المسماة بالحياة.( دستور الأسرة في ظلال القرآن ، أحمد فائز ، صـ 33)
أعتذر عن الإطالة .. وموعدنا بالحلقة الخامسة (إن شاء الله) في يوم الأربعاء الموافق 13/06/2019م … فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج ( الحلقة الثالثة)

يونيو 6th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
66 تعليق »
,
الحلقة الثالثة (حق الزوج) :

بسم الله الرحمن الرحيم .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. سيدنا محمد .. وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا .. ثم أما بعد ..
تناولنا في الحلقة الأولى : نظرة شاملة حول مفهوم الطاعة :
أولاً : معنى الطاعة لغةً وشرعاً
ثانياً : الآمر والناهي هو الله ورسوله
وتناولنا في الحلقة الثانية : استكمال النظرة حول مفهوم الطاعة :
ثالثاً : القوامة شبهات وردود.
رابعاً : حدود طاعة المرأة لزوجها
وسنتناول إن شاء الله في هذه الحلقة (الثالثة) : استكمال النظرة حول مفهوم الطاعة :
أولاً : نشأة قضية حقوق المرأة.
ثانياً : كيف أصبحت المرأة المسلمة تطالب بحقوقها أيضاً.
تمهيد ومقدمة :
لقد كرم الله – سبحانه وتعالى – المرأة بالإسلام ورفع من شأنها وأعلى منزلتها ، وحررها من قيود الظلم والتعسف وأعطاها حريتها وحقوقها الإنسانية كاملة بعد أن كان الرجل يعاملها معاملة السلع والحيوانات في مختلف الحضارات والقوانين الوضعية القديمة منها والحديثة ، وأهم من ذلك أنه برأها من جميع التهم التي ألحقتها بها التشريعات القديمة المحرّفة وجعلها مساوية للرجل في أصل الخلقة .. والكرامة والإنسانية .. وفي المسؤولية وأداء التكاليف الشرعية والجزاء بنص القرآن والسنة النبوية الشريفة.(مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة ، مكتبة ميرزا ، صـ19)
وسوف نتناول هذا الموضوع بطريقة موسعة فيما بعد ، لأن أصوات المنادين بحقوق المرأة ، ومساواتها بالرجل قد تعالت كثيرًا في الآونة الأخيرة، وظهر مناضلون كثيرون – على حد تعبيرهم – في الساحة ليحرروا المرأة من سطوة الرجل عليها ، من قيود الإسلام. فهل للمرأة فعلاً حقوق لم ينصفها الإسلام فيها بعد؟! ومم يجب أن تحَرَّر المرأة؟؟ وما هو مصدر هذه الادعاءات؟؟ وقبل هذا كله متى بدأت فكرة حقوق المرأة؟؟
( أولاً ) :- نشأة قضية حقوق المرأة :
لم يعرف العالم قبل أواخر القرن التاسع عشر الميلادي اصطلاحاً خاصاً بحقوق المرأة في الإسلام ، وذلك أن هذا الاصطلاح يُشعِر بتميز المرأة واختلافها عن الرجل في الحقوق الممنوحة لكل منهما.

والحق أن الإسلام أعطى الإنسانية كجنس – بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة – الحقوق التي تليق بكرامته الآدمية ، ولذا لم تكن مسألة حقوق المرأة بالقضية التي يثور حولها الحديث.(نظام الأسرة في الإسلام ، محمد عقلة ، 2/187)
ولن تستبين مكانة المرأة في الإسلام إلا بمقارنتها بمكانتها بعيدًا عن الإسلام إذ المقارنة وحدها قادرة على توضيح الفروق الحادة بين هذه وتلك ، بين امرأة لها كل التكريم في الإسلام وامرأة توشك أن تكون – بل قد كانت –س لعة تباع وتشترى ، كما أن المقارنة قادرة على أن تبعث في نفس كل امرأة مسلمة اعتزازًا بانتمائها لهاذ الدين العظيم، وحمدًا لله أنه بعد استقراء التاريخ لحالة المرأة في الدين العظيم ، وحمدًا لله وثناءً عليه أن منّ الله عليها بنعمة الإسلام.( المرأة المسلمة ، وفقه الدعوة إلى الله ، علي عبد الحليم محمود ، صـ 15)
والذي أود أن أقوله أنه بعد استقراء التاريخ لحالة المرأة في الحضارات القديمة والحضارة الحديثة في الدول الغربية ، ومقارنتها بحالة المرأة في الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام تبين لنا أن مصدر هذه الصيحات هو الدول الغربية ، وهو عبارة عن نداء استغاثة أطلقته المرأة الغربية مطالبة بحقوقها التي هضمت على مر الزمان في تلك البلدان ، وبطريقةٍ أو بأخرى بدأت تصل أصداء تلك النداء على جبال الجزيرة العربية والدول المسلمة ، وخاصةً بعد أن ابتعد المسلمون رويدًا رويدًا عن تطبيق تعاليم دينهم بالطريقة التي أمرهم الله بها.
فقد كانت المرأة في حضارة مصر القديمة هي التي تخطب الرجل ، كما دلت على ذلك قصائد الغزل ورسائل الحب التي بقيت شاهدة على ذلك ، فهي التي تطلب من الرجل تحدي موعد للقاء ، وهي التي تعرض عليه الزواج صراحة. وكان اتصال الفتيان بالفتيات قبل الزواج حرًا ميسرًا. وكان هناك فسوق باسم الدين يباركه رجال الدين.( بتصرف من كتاب قصة الحضارات ، ول ديورانت ، 2/97)
أما المرأة في ظل حضارة بابل فبالرغم من تطورها في مجال الزراعة ، والصناعة والهندسة والطب وغيرها إلا أنها لم تلق بالاً لمكانة المرأة حينها ، فقد كانت المرأة تباع بيعاً كالسلعة فقد نقلوا لنا :" إن من كانت لهم بنات في سن الزواج يأتون بهن مرة كل عام إلى مكان يجتمع فيه حلوهن عدد كبير من الرجال ، ثم يصفهن دلاّل عام ويبيعهن جميعاً واحدة في إثر واحدة فينادي على أجملهن أولاً ، وبعد أن يقبض ثمنها عالياً ينادي على من تليها في الجمال … ).( نقل عن قصة الحضارة . وول ديورانت 5/232)
وكان من أنظمة البابليين أن الزوج إذا غاب عن زوجته في عمل أو حرب زمناً ، ولم يترك لها ما تعيش به ، كان لها أن تعيش مع رجلٍ آخر ، دون أن يحول ذلك من الوجهة القانونية بينها وبين عودتها مرة أخرى إلى زوجها الأول بعد عودته.( المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله ، مرجع سابق ، ص 25)
وكان الطلاق من حق الزوج ، أما المرأة إذا قالت لزوجها : " لست زوجي " فقد وجب قتلها غرقاً ، وأسباب الطلاق المتاح للرجل هي كما أوضحها قانون حمورابي : " إذا لم تكن سيدة حريصة على أداء واجبها ، بل كانت دوارة غير مستقرة في منزلها ، مهملة لشؤون بيتها ، مستخفة بأطفالها ، وجب أن تلقى في الماء ".( قصة الحضارة ، 2/232 )
أما حال المرأة في الحضارة الهندية لم يكن أوفر حظًا منها في الحضارات الأخرى. فلم يكن للمرأة حق اختيار الزوج فضلاً عن حقها في رفضه عند وجود الأسباب التي تستلزم الرفض ، لأن الآباء كانوا يزوجون بناتهم وهن أطفال بحجة أن الزواج ما ينبغي أن يترك للعواطف ، ولا للمصادفات ، ولا للأقدار ، كما يقولون. فقد عاب الهنود أي زواج ينشأ بين زوجين ويكون نتيجة لاتفاق بينهما وسموه زواج شهرة وأدانوه بشدة. وفرض على بعض النساء في ظل هذه الحضارة أن يكن " خادمات لله " أو " خادمات المعبد " ، ومقتضى ذلك أن يمارس هؤلاء النسوة الدعارة علناً ، وتسمى عند الناس دعارة مقدسة ؛ لأنها تحقق المتعة لرجال الدين " الكهنة " البراهمة ، ثم لكل من يدفع أجدرًا من الناس. وكان يشترط على هؤلاء الداعرات أن ترفع كل منهن جزءًا من هذا الأجر إلى رجال الدين.
وأصدق ما يمثل مكانة المرأة في ظل الحضارة الصينية ما لخصته إحدى بنات الطبقة العليا في رسالة ذائعة الصيت في الأدب الصيني تقول فيها :
" نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري ، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان ، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال ، وما أعدل ما يقول في حقنا كتاب قوانين الجنسين وأصدقه : إذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه طيلة حياتها وإذا كان للمرأة زوج لا يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه أيضاً طيلة حياتها ".( قصة الحضارة ، 4/274)
وأيضاً نلقي الضوء على مكانة المرأة في ظل الحضارة اليونانية ، التي لم تكن أقل انحطاطاً وإنصافاً عن غيرها من الحضارات ، وأوضح ما يعرفنا بحالها في ذلك الوقت ما قاله " دمستين " معبرًا عن ذلك : " إننا نتخذ العاهرات للذة ، والخليلات لصحة أجسامنا اليومية ، والزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين ويعتنين ببيوتنا عناية تنطوي على الأمانة والإخلاص ".
فها هي المرأة منذ القديم ترفل في أغلال الذل والفقر والجهل ، لم يكن لها أي حق ولم تكن تستطيع أن تعبر عن رأيها بل ولم يكن لها حق الاعتراض .، وحتى نصل إلى منبع صيحات حقوق المرأة والمنادين لها يجب أن نستكمل هذه اللوحة المحزنة لما عانته المرأة طويلاً بعيدًا عن الإسلام فيتوجب علينا أن نقف أمام حالة المرأة الغربية المعاصرة .. فإن الحضارة الغربية المعاصرة تقوم على فلسفة بعضها دهري(الدهرية تعني : نسبة كل الأحداث إلى الدهر – أي الزمن – ونفي وجود الخالق سبحانه ، فضلاً عن نفي خلقه للعالم) إلحادي(الإلحاد : ميل عن الحق ، ويعني الشرك بالله سبحانه) ، وبعضها مادي(المادية : تعني تفسير التاريخ والحياة تفسيرًا مادياً. كما تعني أن المادة هي كل شيء في الوجود ، وتعني عدم الاعتراف بغير ما هو مادي ومعنى ذلك أن نتجاهل جانباً هاماً من جوانب الإنسان ومكوناته وهو : روحه!!) حسي ، وبعضها إباحي(الإباحية : تعني أن يبيح الإنسان لنفسه أن يفعل ما يريد ما دام ذلك يحقق له إشباعاً لحاجة من حاجاته. أي أنها تعني الفسق والفجور عن الأخلاق والقيم) لا أخلاقي ، وكل ما فيها نفعي يبرر أي وسيلة للحصول على المنفعة ، وذلك منذ أكثر من خمسة قرون مضت ، أي منذ القرن الخامس عشر الميلادي ، ليس هذا قولنا نحن المسلمين ، ولا هي دعوانا ضدهم ، وإنما تلك مقولة كتب التاريخ التي سجلت حضارة الغرب بأقلام الغربيين أنفسهم من مؤرخين واجتماعيين وسياسيين واقتصاديين.( من كتاب المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله ، صـ 57 )
فحال المرأة لم يكن أقل عن الرجل في تلك الجوانب ، فأصبحت مجردة عن الطبيعة التي خلقها الله بها وفقدت بهذه المادة عواطف الأمومة والبنوة بل والزوجية ، فكثيرًا ما تتجاهل أمها أو ابنتها في أبسط ما تكلفها الأمومة والبنوة من شيء ، وكثيرًا ما تجد الزوج والزوجة يتناولان العشاء في مطعم فيدفع كل منهما حساب طعامه مع أنهما زوجان!!!
ومجتمع يسوده هذا الكم من الفوضى والشهوات والابتعاد عن الرقابة الإلهية بل والذاتية والشعور بعدم المسؤولية ، أصبح هناك خلل في جميع النواحي ، فالأب غير مسؤول عن بيته ولا أولاده ، والأم ملقى على كاهلها مسؤولية الإدارة المنزلية ؛ فمطلوب منها أن تؤمن دخل المنزل في غياب الأب ومطلوب منها أن تحافظ على الأبناء ، ومطلوب منها أن تدافع عن نفسها أمام ذئاب الشارع والعمل الذين لا يوجد رادع لردعهم ، كما أنهن يتعرضن للضرب المبرح من قبل أزواجهن لأسباب تافهة. أصبح المجتمع مادياً تستحوذ المادة على تفكير الجميع ، وأصبح هناك هيئة خاصة تتدخل عند تعرض النساء للعنف المنزلي من قبل أزواجهن .. إبان هذا كله أخذت المرأة الغربية ترفع النداءات مطالبة بحقوقها الإنسانية والمادية والاجتماعية ، وقام المناهضون لهذه القضية وأوصلوها لأعلى مستوى .. وبدأت المرأة الغربية تنادي بمساواتها بالرجل في العمل وفي كل ما يخصه من تميز لأنها في معتقدهم تعمل معه جنباً إلى جنب فمن حقها أن تتساوى معه.
وهكذا بدأت فكرة حقوق المرأة …
( ثانياً ) :- كيف أصبحت المرأة المسلمة تطالب بحقوقها أيضاً :
في البداية أود أن أقول أن هذا المسمى إنما هو نوع من أنواع الغزو الفكري الذي لجأ له الاستعمار بعد فشلهم في الغزو العسكري ، وما علت هذه التفاهات والنداءات الواهية إلا بعدما تأخرت أحوال الأمة الإسلامية وبعدت عن حمى الإسلام وما وصلت إليه من جحود وانحطاط في مختلف نواحي الحياة. مما جعلها لقمة سائغة بحيث سهل على الاستعمار الغربي تناولها قطعة قطعة.
فلنستعرض حال الأمة الإسلامية ومتى بدأت مرحلة جمودها وما هي الأسباب التي جعلتها سهلة الانقياد وراء أي نداء دون تفكير أو وعي منها؟؟؟
من المعلوم أن المجتمع الإسلامي الذي رباه القرآن وأشرف عليه رسول الأنام محمد – صلى الله عليه وسلم – كان من أروع المجتمعات التي عرفها التاريخ في إشراقه وتماسكه وقوته ومثاليته ، كان ينطبق عليه وصف القرآن في قوله – تعالى – { كنتم خير أمةٍ أخرجت لناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }.( سورة آل عمران ، الآية : 110)
وصف الرسول قرنه بالخيرية فقال : " إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ".( رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل الصحابة ، 8/324 ( ت. عصام الصبابطي ، دار أبي حيان ، ط1 ، 1995م)
هكذا وصف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قرنه بأنه (خير القرون) بمن فيه من الصحابة والصحابيات – – رضوان الله عليهم أجمعين – ففد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – خير قدوة لهم ، وأصبحوا خير قدوة للناس من بعده ، ولكن بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم وذهاب تأثير شخصيته المباشر على الناس خفت المثالية إلا أن هذه الفترة تعد من أعلى الفترات في تاريخ البشرية بالنسبة لكل ما عرفته الحياة الإنسانية من نظم ومثل وحضارات إلا أننا نلاحظ : أن بداية الانحراف الخلقي والاجتماعي والسياسي في العاصمة قد لاحت بوادرها مع بداية العصر الأموي.( مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة ، مكتبة ميرزا ، صـ 154) وإن كان الناس في مجموعهم ظلوا متمسكين بالشريعة الإسلامية ، إلا أن المسائل المالية والسياسية قد شهدت بعض التجاوزات نتيجة ظواهر الترف والتوسع في اقتناء الجواري وازدياد الترف مما هو معروف في ذلك الوقت نتيجة ازدياد موارد الثروة الناجمة عن التوسع في الفتوحات الإسلامية. إلا أن المسلمين ظلوا شاعرين بالإخاء الحقيقي في ظل العقيدة الإسلامية السمحة { إنما المؤمنون إخوة }.( سورة الحجرات ، الآية : 10) تطبيقاً وتحقيقاً لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ".( رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب تراجم المؤمنين ، 8:20)
وأدت المرأة دورها في هذا المجتمع على أكمل وجه ، فكانت تعد الرجال والنساء خير إعداد وتحمس أبناءها للجهاد في سبيل الله ، فكانت الفتوحات التي سجلها التاريخ باسطر من نور على صفحاته كما أنها كانت تتلقى العلم وتشارك في الحياة الاجتماعية وقد اشتهر منهن كثيرات في العلم والأدب والشعر والفصاحة والبلاغة مثل ( أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وزينب بنت علي بن أبي طالب وسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وغيرهن ).( المرأة في عالمي الغرب والإسلام ، عمر رضا كحالة ، 20/229)
ثم جاء العصر العباسي ودخل الفرس في توجيه الدولة وتشكيل صورتها من جديد فأضاف أبو جعفر المنصور نظاماً جديدًا لم يكن معروفاً للعرب من قبل وهو نظام الحق الملكي المقدس ، على اعتبار أن الملك هو ظل الله على الأرض.( الخلافة في الحضارة الإسلامية ، أحمد رمضان أحمد ، صـ 87 )
وبدأت تدخل الأفكار المسمومة رويدًا رويدًا إلى فكر الأمة الإسلامية فانتشر اللهو والفسق في قصور الخلفاء والأمراء وبدأ يظهر الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة وفي مفهوم القضاء والقدر ، وليس المجال مناسب للبسط في هذا الموضوع إلا أن الذي يهمنا أن أحوال الأمة بدأت بالتدهور فظهر الجمود الفقهي وقصور الاستنباط الفقهي عن مجاراة وقائع الحياة المستحدثة … ، وظل الفقه جامدًا وأبواب الاجتهاد مغلقة حتى انكسرت أخيرًا تحت ضغط الحاجات الملحة ، وقبل أن تكسر استوردت القوانين الأجنبية الغربية باسم الإصلاح والتنظيم التقني للجيش ، وتلاها قوانين أخرى في الإصلاح الإداري وإصلاح منهج الحكم وإصلاح الجهاز التعليمي ، فبنت المدارس ووضعت المناهج على نمط يحاكي النمط الأوروبي ويقتبس منه. بالإضافة إلى البعثات الخارجية وتأثر أفرادها بما شاهدوه في المجتمع الأوروبي والقصد من ذلك كله بيان أن ضيق الدائرة الفقهية عن استيعاب الحياة ، وعدم اهتمام المسلمين بذلك ، كلاهما جعل القوانين المستوردة تحتل رويدًا رويدًا مواقع الحياة الإسلامية.( مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة ، مرجع سابق ، صـ 160)
والأمر المهم الذي يجب أن نشير إليه : الدعوة إلى ( تطوير الإسلام ) كي يوافق الأمر الواقع في الحياة العصرية!! وقد بدأ هذا الاتجاه على يد المبتعثين بعد عودتهم.( علي سبيل المثال نذكر ، رفاعة الطهطاوي ( المرشد الأمين للبنات والبين ) ، ومنها لخير الدين التونسي كتاب ( أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ) ويظهر جلياً في أمثال هذه الكتب الانبهار الشديد بحضارة الغرب والتأثر الشديد بأفكارهم وهم لا سيما في ميدان الفكر الفلسفي والاجتماعي والتربوي … ).
هكذا بدأ المسلمون يستوردون أفكارهم وأنماط حياتهم من الدول الغربية حتى وصلوا إلى مرحلة تشويه دينهم وعدم معرفة ملامح أحكامه وتعاليمه ، وبدؤوا يتبنون قضايا الغرب ويعمموها على أنفسهم ويرددون هتافات لم يكلفوا أنفسهم لمعرفة أصلها حتى!!! ومن ضمن تلك القضايا قضية حقوق المرأة.
وسوف أتناول حق ( من حقوق المرأة المعاصرة ) الذي يتعرض لموضوع البحث – طاعة الزوج – ألا وهو المناداة بمساواة المرأة بالرجل.
.. وموعدنا بالحلقة الرابعة (إن شاء الله) في يوم الأحد الموافق 10/06/2019م. وعلى من يود الرجوع لفهرس الحلقات العودة إلى مقدمة الحلقة الأولى .. فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج (الحلقة الثانية) 02/06/2019م

يونيو 2nd, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
41 تعليق »
,
بسم الله الرحمن الرحيم .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. سيدنا محمد .. وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا .. ثم أما بعد ..
تناولنا في الحلقة الأولى : نظرة شاملة حول مفهوم الطاعة :
أولاً : معنى الطاعة لغةً وشرعاً
ثانياً : الآمر والناهي هو الله ورسوله
وسنتناول إن شاء الله في هذه الحلقة (الثانية) :استكمال النظرة حول مفهوم الطاعة :
ثالثاً : القوامة شبهات وردود.
رابعاً : حدود طاعة المرأة لزوجها
( ثالثاً ) :- القوامة :
يقول الله – سبحانه وتعالى – " { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم }.(سورة النساء ، الآية : 34)
إن الله – تعالى – فرض للرجل على زوجته حقوقاً مقابل وفائه بحقها ، ومن أولى هذه الحقوق حق الطاعة. والطاعة من الأمور الضرورية التي تستقيم بها الحياة الزوجية.
فإذا كانت الأمة لا ينتظم أمرها إلا باجتماعها تحت كلمة من يرأسها ؛ يرجعون إليه عند الخلاف فيجمع شتاتها ويُوَحّد كلمتها ويوجهها إلى غايتها ، فالأسرة هي الجماعة الأولى التي تتألف منها الأمة ، إذا صلحت صلحت الأمة.( منقول من كتاب الحقوق المتقابلة بين الزوجين في الشريعة الإسلامية : عبد الله محمد سعيد)
{ الرجال قوامون على النساء } أي يقومون عليهن آمرين ناهين كما يقوم الولاة على الرعايا وسمّوا قوما لذلك.(من كتاب تفسير النسفي)
{ بما فضّل الله بعضهم على بعض } الضمير في بعضهم (للرجال ) ( والنساء ) يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن لسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض ، وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والرأي والقوة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة والجمعة وتكبير التشريق عند أبي حنيفة – رحمه الله – والشهادة في الحدود والقصاص وتضعيف الميراث والتعصب فيه ، وملك النكاح والطلاق وإليهم الانتساب وهم أصحاب اللحى والعمائم.( من كتاب تفسير النسفي) { وبما أنفقوا من أموالهم } وبأن نفقتهن عليهم وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم.(من كتاب تفسير النسفي)
مبررات حق القوامة :(منقول من كتاب نظام الأسرة في الإسلام : محمد عقلة ، ج2)
ونلاحظ أن الإسلام أسند حق القوامة للرجل على المرأة لأسبابٍ عديدة أهمها :
1. الاستجابة لأمر الله – تعالى – ورسوله الكريم e– كما تَقدّم.
2. ما فضّل الله به الرجل على المرأة من القوة البدنية ،والقدرة على العمل والكد لكسب العيش.
3. أن الرجل هو المُكلّف بالإنفاق على الأسرة ، والمسؤول عن توفير متطلباتها المعاشية ، وهذا الإنفاق هو أفضل الإنفاق وأمثله : فعن أبي هريرة – t– قال : قال رسول الله – e– : " دينارٍ أنفقته في سبيل الله ودينارٍ أنفقته في رقبة ، ودينارٍ تصدقت به على مسكين ، ودينارٍ أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك ".(رواه مسلم ، " كتاب الزكاة ") ، قال النووي في بيان تفضيل الإنفاق عليهم : لأن مهم من تجب نفقته بالقرابة ، ومنه من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين ، وهذا كله ممقوت عليه ، وهو أفضل من صدقة التطوع.(صحيح مسلم بشرح النووي)
فلما كانت حياة الأسرة مجموعة من الواجبات والتكاليف ، فقد أنيطت قيادتها إلى الزوج وهو الأقدر عليها ، لذا نعتبر إناطة القوامة به ضرب من المكافأة ، والتكريم ، وشكر البذل من جهة ، كما أن القوامة تكليف لا تشريف من جهة أخرى. وهي ترويح عن الرجال ما يواجهونه من مشقات ، وتحفيز لهم على الاستمرار في البذل والعطاء.
4. أن الرجل غالباً ما يكون أكبر سناً من المرأة ، فهو بالتالي أكثر خبرة وتجربة ولاسيما أن طبيعته التي تمكنه من الاختلاط بالناس وتؤهله لذلك ، فإسناد حق القوامة إليه يحقق المصلحة للأسرة بشكلٍ أفضل.
5. أن منح القوامة للرجل تتجاوب مع ما جبلت عليه طبيعة المرأة من الخضوع للرجل ؛ كما أن قوامة الرجل تتعلق بأمور البيت ، وهي معتادة عليها في بيت أبيها ، إذ أنها ألِفت طاعة أبيها والانقياد له.
وبعد أن تجلّت الفكرة عن بعض الأسباب التي من أجلها أسندت القوامة للرجل – وأقول بعضها لأن هناك دائماً حكمة للتشريع لا يعلمها إلا الله ، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنه وصل إلى الكمال في العلم ؛ فهذه الأسباب على سبيل المثال وليست على سبيل الحصر – فإننا ننتقل الآن إلى الشبهات التي أثيرت حول هذا الموضوع.
الشبهات المثارة حول موضوع القوامة :
لقد اتخذ الحاقدون وذوو الطوايا الخبيثة من مسألة القوامة ذريعة للنيل من الإسلام ، وتضليل الناشئة وتسميم عقول أبناء المسلمين. فزعموا :
1. أن قوامة الرجل على المرأة دليل على أن المرأة في نظر الإسلام مخلوق ناقص ضعيف.
2. وأن المرأة أسيرة الرجل مقيدة بشهواته ورغباته.
3. أن طاعة الرجل فيما يأمر تخلُّفٌ لا ينسجم وروح العصر ، ومع ما تطالب به المرأة من الحرية ، ومن الاستقلال الاقتصادي من منطلق مساواتها بالرجل.(المرأة في ظل الإسلام ، صـ 18)
والرد على هذه الفرية يتمثل بالآتي :
1. أن هذا القول يدل على جهل فاضح بحقيقة القوامة ومفهومها وغاياتها من منظور إسلامي :
فالقوامة في الإسلام ليست خنوعاً من قِبَل المرأة للرجل ، وليست تسلطاً واستبدادًا من جانب الرجل ، وهي ليست سيادة طرف على طرف آخر ، أو تحكم واستبداد في شؤونه ، كما أنها لا تهدف إلى احتقار المرأة ، وتفضيل الرجل عليها.
2. القوامة من منظور إسلامي هي امتزاج إرادة الرجل وعاطفة المرأة بصورةٍ تحقق التكامل والوحدة الزوجية المطلوبة.
وإنما يتحقق التكامل بين المرأة والرجل بأن تجتمع امرأة تتمتع بكامل أنوثتها مع رجل يتمتع بكامل رجولته ، ولأجل تحقيق هذا الغرض العظيم أودع الله – سبحانه وتعالى – المرأة العاطفة والحنان ، ومنح الرجل القوة والصلابة. وتكامل هاتين الطبيعتين ، وامتزاج الفطرتين من شأنه أن يكفل التعايش والسعادة والاستقرار ، فلا وجود إذن للخضوع واستبداد الرجل وتسلطه عليها فمردود ذلك بالآتي :( نقل من كتاب نظام الأسرة في الإسلام : محمد عقلة)
1. أن القوامة ترمي إلى تنظيم الأسرة واستقرارها ، وإبعادها عن الفوضى والخلاف. إذ أن من الأسس التي يقوم عليها الإسلام وهو دين النظام في كل مجال أنه لابد لكل جماعة من قائد يدير دفة شؤونها ، حيث يقول – e – : " إذا كان ثلاثة في سفرٍ فليؤَمِّرُوا أحدهم "(رواه أحمد ، مسند أبي سعيدٍ الخدري ، 3/31) ، وإن توحيد القيادة ، والانفراد بالإدارة أمرٌ ضروري لحماية الأسرة من الاضطراب والضياع. وحيث وضحت هذه الحقيقة .. ، يستتبعها السؤال الآتي : من هو ذلك القائد الذي يصلح لإدارة دفة سفينة الأسرة ، ويقودها إلى بر الأمان؟
والجواب هو : إما أن تجعل القيادة للرجل والمرأة معاً ، وإما أن نفرد بها المرأة أو الرجل ، وعند مناقشة هذه الاحتمالات نخرج بالآتي :
إن جعل القيادة مشتركة بين الرجل والمرأة أمرٌ غير مقبول ، لأنه يفضي إلى الفساد والفوضى. وعندها ينشأ الأولاد في جوٍ من التمزق والتناقض ، نفوسهم معقدة ، أفكارهم مضطربة ، وعواطفهم مختلة ، لا ينظرون إلى والديهم بالاحترام ، ولا يدينون لهم بالطاعة لما يرونه بينهم من خلافٍ وشحناء.
أما جعل القوامة بيد المرأة ، فأمرٌ غير مناسب كذلك للاعتبارات التالية :
أ. أن المرأة لا تملك الرصيد العصبي والطاقة النفسية التي تجعلها قادرة على تحمل تبعات تبعات القيادة ، فهي بحكم طبيعتها تتميز بالقابلية السريعة للانفعال لاسيما بعد انغماسهما في مشاغل البيت والأولاد ، مما يجعل الأسرة معرضة لأن يُعْصَفُ بها لأتفه الأسباب.

ب- أن إعطاء القوامة للمرأة هضمٌ للرجل ، وتنكّرٍ لجهوده في الإنفاق ، وتحمل مسؤوليات الأسرة الجِسام ، وهذا يعني أن يصبح الرجل تابعاً لإدارة المرأة ، وحينئذ تذوب شخصيته ، وتذهب هيبته في الأسرة.
أما الرجل فهو المؤهل لكي يتعين لهذه المهمة ، ويتصدى لتلك المسؤولية نظرًا لاتزان عاطفته وقدرته على الصراع ، وتحمل نتائجه ولا سيما أن قيام المرأة بواجباتها ومسؤولياتها الضخمة داخل البيت يقتضي منها التفرغ الكلي ، ويستنفذ كامل طاقاتها.
2. الرد الثاني .. أن القوامة – كما يراها الإسلام – ليست تشريفاً وإيثارًا للرجل على المرأة ، بل هي تكليف وتبعة كبرى تُلقى على كاهله ، حيث يُعهد إليه بتهيئة المتطلبات المتطلبات المادية والمعنوية للبيت كي يشعر كل من فيه بالراحة والطمأنينة.
3. الرد الثالث .. أن القوامة لا تعني بحالٍ إلغاء شخصية المرأة في البيت ن فعلى الرجل ، أن يستشيرها في كل ما هو هام من أمور الأسرة كما في قوله – e– : " آمروا النساء في بناتهن "( رواه أبو داود ، كتاب " النكاح " ، باب " الاستئمار ") ، فقوامة الرجل ليست رئاسة الأمر والنهي ، بل قيادة البحث والإقناع ، والمناقشة والتفاهم الحر ، وهذا خير الأساليب لضمان مصلحة الأسرة. ولكن إذا دعت الضرورة إلى قرارٍ حاسمٍ لم تثمره الشورى ؛ فعندها لابد من رأي الرجل إنقاذًا للأسرة من شرٍ مُحقّق.
وقد يُعترض على هذا الرد بأن هناك أحاديث تنهى عن طاعة النساء ومشاورتهن ، ومن هذه الأحاديث ما رُوي عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن رسول الله – e – قال : " طاعة النساء ندامة " ، أي طاعتهن في كل أمرٍ مما هو من وظائف الرجال كالأمور المهمة غم لازم ، لم يترتب عليه من سوء الآثار. وقيل في تعليل الحديث : لنقصان عقل المرأة ودينها ، والناقص لا ينبغي طاعته إلا فيما أمنت غائلته ، وهان أمره.(فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي) ، وذكر صاحب تحفة العروس عن الحسن البصري أنه قال : ما أطاع رجلٌ امرأة فيما تهواه إلا أكبّه الله في النار.(المرجع السابق)
ومن هذه الأحاديث التي اشتهرت على الألسنة ما رُوي عن زيدٍ بن ثابتٍ عن رسول الله – e – : " شاوروهن وخالفوهن ".
ولابد من وقفةٍ قصيرةٍ أمام هذه الأحاديث من ناحية المتن والسند ، والسبب في ذلك ، أنها منتشرة بطريقةٍ غريبة في العالم العربي ؛ وفي دولة الإمارات خاصة لدرجة أنهم جعلوها شرعاً يسيرون عليه ودستورًا يطبقونه ، لا أنكر أن شعب الإمارات في تطورٍ ورقي متزايدين ، إلا أنه في نفس كل شاب أصل لهذه الأحاديث الضعيفة ، أو أثر من آثارها تكون واضحة جلية في وقت الشدائد والأزمات ، والواقع هو الذي يعكس مصداقية هذا القول … لذا كان لزاماً عليَّ أن أقف بطريقةٍ علميةٍ محايدة لأوضح خطأ هذا الاعتقاد على أسسٍ علميةٍ ثابتة ومنهجٍ واضح متين.

أما حديث " طاعة النساء ندامة " فهو من رواية القضاعي وابن عساكر ، فقد ضعّفه نقّاد الحديث ، وقد رمز له السيوطي في الجامع الصغير بعلامة الضعيف ، وكذا المناوي في فيض القدير إذ يقول : روي عن هشامٍ بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وفي الميزان فيه محمد بن سليمان ضعفه أبو حاتم.(كتاب فيض القدير) وقال العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس : فيه ضعيف.( من كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس : إسماعيل بن محمد العجلوني)

وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير : رواه القضاعي وابن عساكر وابن بلال عن عائشة بأسانيد ضعيفة.(التيسير بشرح الجامع الصغير في أحاديث البشير القدير ، المناوي) وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة : لا يصح ، عنبسة ليس بشيء. وعثمان لا يحتج به . وروى عن العقيلي قوله : محمد بن سليمان : ما حدّث بهذا الحديث عن هشام إلا ضعيف.(اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. عبد الرحمن السيوطي) وبمثله قال الشوكاني في الفوائد المجموعة ، ونقل عن العقيلي أن محمد بن سليمان حدّث عن هشام ببواطيل لا أصل لها منها هذا الحديث.(الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. للشوكاني) ومثله قال ابن الجوزي في الموضوعات.(الموضوعات. لابن الجوزي)
أما حديث : " شاوروهن وخالفوهن " فقد قال المناوي في فيض القدير : لا أصل له.(فيض القدير) ونقل الشوكاني عن صاحب المقاصد قوله : لم أره مرفوعاً (الفوائد) وقال ابن الجوزي: أما حديث زيد ففيه عنبسة ، قال يحيى : ليس بشيء. وقال ابن حبان : هو صاحب أشياء موضوعة لا يجوز الاحتجاج به. ولا بعثمان بن عبد الرحمن.( الموضوعات) وقال الشافعي الأثيري : قال شيخنا : لم أره مرفوعاً.( الفوائد)

وبهذا يظهر لنا جلياً أن هذه الروايات جميعاً ضعيفة في سندها. وعلى فرض صحتها فهي محمولة على طاعة النساء فيما تهواه من المحرمات. وقيل فيما تهواه ، ولو من المباحات ؛ لأنها تجر إلى المنكرات.( كشف الخفاء)

(رابعاً ) : حدود طاعة المرأة لزوجها :
طاعة المرأة لزوجها ليست الطاعة العمياء المطلقة ؛ بل هي الطاعة الواعية المستنيرة المقيّدة باعتباراتٍ ، أهمها :
Ý. أن تكون طاعة الزوجة لزوجها مقصورة على الجوانب المتعلقة بشؤون الأسرة ، وقضايا الزوجية ، أما شؤون المرأة الخاصة فتحتفظ فيها المرأة باستقلالها كالنواحي المالية والاقتصادية.
ȝ. أن تكون الطاعة في الحدود التي رسمتها الشريعة ، فإن أمرها بما هو معصية أو مخالفة لأحكام الشرع فلا سمع ولا طاعة ، وهنا نجد المرأة تحتفظ باستقلالها الفكري والاعتقادي.
فعن عائشة – رضي الله عنها – أن امرأة من الأنصار زوّجت ابنتها فتمعّط ( تمعط : تساقط وتمزّق) شعر رأسها ، فجاءت إلى النبي – e– فذكرت ذلك له ، فقالت : إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها ، فقال – e– : " لا ، إنه قد لعن الواصلات ".(رواه البخاري ، كتاب " النكاح ")
ج. أن يكون الزوج قد وفّى الزوجة حقوقها من مهرٍ ونفقةٍ وحسن معاشرة … وإلا كان لها أن تطلب مفارقته ، وهنا تحتفظ الزوجة بحق فصم عرى الزوجية عند الضرر.(شبهات حول الإسلام : محمد قطب )
فالرجل قوّام على المرأة للمحافظة عليها وكفايتها كل ما تحتاج إليه من مأكلٍ وملبس … فالقوامون هم الرعاة ، ومن قام على أمر ما كان له حافظاً من كل مكروه ، وحافظاً من كل أذى ".(من كتابالمرأة في ظل الإسلام : مريم نور الدين).

أرجو ألا أكون قد أرهقتكم في هذه الحلقة أيضاً .. وموعدنا بالحلقة الثالثة (إن شاء الله) في يوم الأربعاء الموافق 06/06/2019م. وعلى من يود الرجوع لفهرس الحلقات العودة إلى مقدمة الحلقة الأولى .. فإلى هذا الموعد أترككم في أمان الله ورعايته .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حق الزوج (الحلقة الأولى / من 6 حلقات)

مايو 27th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
148 تعليق »
,
بسم الله الرحمن الرحيم : والحمد لله رب العالمين .. سيدي وخالقي ، وربي الذي أعزني بالإسلام ورفع قدري به من بين جميع الأديان ، القائل :{ ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض ، للرجالِ نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن ، واسألوا الله من فضله ، إن الله كان بكل شيءٍ عليماً }… والصلاة والسلام على سيد وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلاةً عطرة ، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين ، القائل :" رفقاً بالقوارير ".. أما بعد..،
فإني أتقدم بهذه السلسلة من الحلقات البسيطة والمبسطة لطرح قضية هامة ، -( رشحتها أخت لنا في الله )- من بين الكثير من القضايا الأخرى … ولم أجد أهم من طاعة الزوجة لزوجها ، لأني لمست تأثيره الكبير على الأسرة والمجتمع في العالم الإسلامي عامةً ، والبيئة العربية على وجه الخصوص ..
والذي نسلط الضوء عليه بالتحديد هو الفهم الخاطئ لهذا الحق ، فالكثير من آبائنا وشبابنا لا يفهمون حق طاعة الزوجة للزوج بالمعنى الصحيح الذي أراده الله ورسوله ، فنجد الرجال يتأرجحون بين التشدد في هذا الحق بطريقة مبالغ فيها وبين التسيب ، ولكن القلة فقط من فهموا هذا الحق كما حثنا عليه المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم ؛ والأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع :
1. تجريد الرجال من المفاهيم الخاطئة التي ورثوها من أجدادهم في معنى طاعة الزوجة لزوجها.
2. تصحيح مفهوم المجتمع لمعنى القوامة .. هل طاعة المرأة لزوجها يدل على ذل المرأة وخنوعها له؟ وهل أباح الإسلام تسلط الأزواج على زوجاتهم؟
3. تحديد معالم الطاعة الصحيحة التي أمر بها الشرع الحنيف.
4. الرد على الافتراءات التي تزعم أن الإسلام دين الرجعية والتخلف بأن قيّد المرأة برغبات الرجل وجعلها أسيرة شهواته.
5. رد النساء المعاصرات إلى جادة الصواب وكشف اللثام عن حقيقة القضايا المعاصرة مثل المناداة بحقوق المرأة ، ومطالبة المساواة بين الرجل والمرأة.
6. التأكيد على أبناء العالم الإسلامي " ذكورًا وإناثاً " أن الرجال والنساء بألف خير فالله قد أنعم عليهم النعم الكثيرة من جميع النواحي ، فعليهم المحافظة على هذه النعمة وعدم تضييعها بالبعد عن الدين ، واللهث وراء النداءات الكاذبة ، وعليهم التمسك بقيمهم وأصالتهم مع تطويرها بما يتناسب مع شرعنا ، وغض الطرف عن القيم والنداءات البراقة المستوردة ؛ فكما قيل "ليس كل ما يلمع ذهباً".
وانطلاقاً من ذلك ، حاولت أن أخضع هذه السلسلة لطريقة البحث العلمي الصحيح. بأن أخرّج الأحاديث وأعزو كل آية إلى سورتها. وسوف تتناول هذه السلسلة ( 6 حلقات ) ما يلي :-
1. الحلقة الأولى : نظرة شاملة حول مفهوم الطاعة
أولاً : معنى الطاعة لغةً وشرعاً
ثانياً : الآمر والناهي هو الله ورسوله
2. الحلقة الثانية : استكمال النظرة حول مفهوم الطاعة
ثالثاً : القوامة شبهات وردود.
رابعاً : حدود طاعة المرأة لزوجها
3. الحلقة الثالثة : قضايا المرأة المعاصرة
أولاً : نشأة قضية حقوق المرأة ::: ثانياً : كيف أصبحت المرأة المسلمة تطالب بحقوقها أيضاً
4. الحلقة الرابعة : استكمال قضايا المرأة المعاصرة
ثالثاً : المساواة بين الرجل والمرأة ::: رابعاً : الفرق بين الرجل والمرأة
5. الحلقة الخامسة : الفهم الخاطئ لحق الطاعة
أولاً : التعسف في استخدام حق الطاعة ::: ثانياً : معنى الطاعة عند أغلب البيئات العربية (وخصوصاً بيئة دولة الإمارات)
6. الحلقة السادسة : استكمال الفهم الخاطئ لحق الطاعة
ثالثاً : معالجة النفرة بين الزوجين ::: رابعاً : معالجة التوتر الناشئ بين الزوجين
وفي النهاية أتمنى أن أوصل الفكرة وأبلورها كما أردت أن أوصلها ، وكما يقال فإن الكمال لله وحده وأن النقص ملازماً للأغيار .. فإن كنت قد أصبت فذلك من توفيق الله لي ، وإن كنت قد أخطأت فأسأل الله أن يغفر لي ، وعذري أني بذلت قصارى جهدي – حسبما أتيح لي من ظروف ، وكما قال الحق – تعالى – :{ وفوق كل ذي علمٍ عليم }. فأسأله سبحانه أجر المجتهد ونية المحتسب.
( أولاً ) :- معنى طاعة الزوج لغةً وشرعاً : سوف نتناول معنى ( الطاعة ) بشكلٍ عام من الناحية اللغوية ، وبعد ذلك سوف نخصص المعنى من الناحية الشرعية أي معنى طاعة الزوجة لزوجها ، وهل نستطيع أن نستعين بالمعنى اللغوي في خدمة وصياغة المعنى الاصطلاحي؟
الطاعة لغة : كلمة الطاعة : " من طاع له يطوع طوعاً ، وأطاع لانَ وانقادَ ، ويقال أمَرَهُ فأطاعه بالألف ، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه ، وإذا وافقه فقد طاوعه ".( القاموس المحيط للفيروزآبادي ) ، ويقال : الطوع الانقياد ويضاده الكره. قال الله عز وجل { ائتيا طوعاً أو كرهاً }.( تاج العروس) ، ولا يطوع بكذا أي لا يتابعه وطوعت له نفسه تطويعاً تابعته وطاوعته أو شجعته ورخصت له وسهلت ومنه في سورة المائدة { فطوعت له نفسه قتل أخيه }.( محيط المحيط قاموس مطول للغة العربية) والطواعية اسم لما يكون مصدرًا لطاوعه. وطاوعت المرأة زوجها طواعيةً.( لسان العرب)
معنى طاعة الزوجة لزوجها شرعاً :بعد البحث والاطلاع على أكثر من مرجع ، لم أجد تعريفاً محددًا لكلمة " طاعة الزوجة " ، ولكن بعد تتبع شروح العلماء في معناها الشرعي والمقارنة بين أقوالهم تبين لي أن معناه : أن تطيع الزوجة زوجها فيما أمرها ما لم يكن فيه خروج عن أوامر الله ، وعمل بما نهى الله عنه. وهناك معنىً آخر وهو : أن تطيع الزوجة زوجها في كل ما هو من آثار الزواج وما يكون حكماً من أحكامه.( الحقوق المتقابلة بين الزوجين في الشريعة الإسلامية)
والذي يبدو لي من خلال التعريف الثاني أنه أكثر عمقاً ودقةً وأكثر حيطة في انتقاء ألفاظ التعريف ، ولو أضيف إليه قيد " ما لم يكن فيه خروج عن أوامر الله " لكان ذلك أسلم من الخلل من جميع الجوانب. وهذا جهد يشكر عليه الكاتب. حيث إنه يرمي إلى أنه على المرأة أن تطيع زوجها في كل ما هو من آثار الزوجية ، أي أن انتقـال المرأة إلى بيـت زوجها أثر من آثار الزوجية ، وتسليـم المرأة نفسها لزوجها هو أيضاً أثر من آثار الزوجية ، وقيامها بواجباتها تجاه الزوج تعتبر أيضاً أثرًا ، فالواجب عليها أن تطيع زوجها في كل هذه الأمور ، وما يكون حكماً من أحكامه أي أنه يجب على المرأة أن لا تخرج من المنزل إلا بإذن زوجها ولا تستقبل فيه أحد لا يقبل بوجوده زوجها ، كل هذه الأحكام التي نتجت من عقد الزوجية واجب على المرأة أن تطيع زوجها فيها.
وبالمقارنة بين التعريف العام للطاعة من الناحية اللغوية ، والمعنى الخاص الشرعي لطاعة الزوج ، نجد أن المعنى اللغوي يخدم المعنى الاصطلاحي ، بدرجةٍ كبيرة ، فطاعة الزوجة لزوجها فيها الطواعية والمطاوعة والانقياد ، وقد نبهنا إلى أن حدود الطواعية تقف عند أوامر الله ونواهيه.
وبناءً على ما تقدم يتضح لنا أن الطاعة واجب على المرأة وحقٌ للرجل ، ولكي نتعرف على هذا الجانب بطريقةٍ أوضح ، – أي ما حكم طاعة الزوجة لزوجها؟ ومن هي الجهة المشرعة في هذا الموضوع؟ وهل طاعة الزوجة لزوجها على إطلاقها ، أم لها ضوابط وحدود؟ وما هو القصد من تشريع هذا الحكم؟ وهل هو حكم تعسفي في حق المرأة؟
– سوف أمهد للقارئ للدخول في هذه العناصر بالحديث السريع عن الأصول الثمانية للحقوق والواجبات التي تضمنها التعريف السابق ؛ وفي ضوئها سوف نناقش محاور طاعة الزوجة لزوجها في ظل الهدي النبوي.
الأصل الأول : مصدر الحقوق والواجبات – أي الجهة التي تقررها – هو الله جل جلاله ورسوله – أي المصدر هو الكتاب والسنة.
الأصل الثاني : ينبغي أن يكون استعمال هذه الحقوق وفعل الواجبات وفقاً لما شرعه الله تعالى.
الأصل الثالث : ينبغي أن يكون القصد من استعمال هذه الحقوق وفعل الواجبات مطابقاً لقصد الشارع من تشريعها.
الأصل الرابع : يجب أن يكون استعمال الحقوق وفعل الواجبات على وجه الاعتدال.
الأصل الخامس : يجب تقديم الأحق بالتقديم عن غيره من الحقوق والواجبات.
الأصل السادس : ينبغي أن لا يلحق استعمال الحقوق وفعل الواجبات ضررًا بالغير.
الأصل السابع : المرأة كالرجل في الحقوق والواجبات.
الأصل الثامن : الحقوق والواجبات متنوعة.
( ثانياً ) :- الآمر والناهي هو الله تعالى ورسوله :
نظرًا إلى أهمية الأصل الأول سألقي الضوء عليه :
يقول الدكتور عبد الستار فتح الله* : " الله تعالى خالق كل شيء. وبالتالي فهو مالك كل شيء. ومن ثم فله وحده حق الأمر لما خلق ، ومَلَكَ. وهو ليس مطلق أمر يجوز عليه الخطأ أو الصواب ، وإنما هو أمر مبني على تمام العلم والحكمة ، لذلك فهو كله هداية ورحمة ".( المنهاج القرآني في التشريع)
فالعلاقة بينهما – بين الخلق والأمر – هي علاقة لزوم وترتيب ، فقضية الأمر نتيجة لقضية الخلق ، والقرآن الكريم يقرر هذا المبدأ ( ترتيب الأمر على الخلق والملك ) في كثيرٍ من الآيات(بتصرف من المرجع السابق) ، وقد جمعهما معاً في قوله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين }.(نقل عن كتاب "أضواء على الثقافة الإسلامية")
فالله – سبحانه وتعالى – خالق الخلق وهو موجدهم وهو الأعلم بتصريف أحوالهم والأصلح لاستقامة معيشتهم. وبناءًا على ما تقدم فإن الله – سبحانه وتعالى – هو مشرع الأحكام التي تستقيم بها حياة الخلق وهو واضع القوانين والنواميس الكونية لأنه الخالق.
وبما أننا نتحدث عن معنى طاعة الزوجة لزوجها بالمفهوم الصحيح ، وعن مدى وعي الطرفان (الزوج والزوجة) بهذا الحق وكيفية القيام به .. وبما أننا نواجه تياراتٍ فكريةٍ معاصرة تحاول اجتثاث الثقافة الإسلامية لدى الفرد المسلم التي تبنى على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة – قد وجدت أنه من الواجب علينا ونحن في هذا المقام أن نذكر عن خاصية من خصائص الثقافة الإسلامية وهي أنها ربانية المصدر. " فالثقافة الإسلامية(نادية شريف العمري ) تعتمد على كتاب الله الموحى إلى رسوله e ، وهي محصورة في هذا المصدر بعيدة كل البعد عن الفكر الفلسفي الإنساني.
وإن هذا المصدر الرباني يتسم بسمة الخلود والصدق والصحة ، ذلك لأن الكتب السماوية الأخرى قد دخلها التحريف ، وأدخل عليها شروح وتفسيرات وتصورات وزيادات ومعلومات بشرية ، أدمجت في صلبها ، فبدلت طبيعتها الربانية ، وبقي الإسلام وحده محفوظ الأصل ، قال الله – تعالى – : { إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.( سورة الحجر ، الآية : 9)وهذا هو السر الذي يعطي الثقافة الإسلامية قيمة التفرد والخلود.
ومهمة الرسول – e – كانت تبليغ هذا الأصل إلى الناس جميعاً ، إذ أنه يتلقى من الله رب العباد ، وينقل ، ويبلغ وينفذ ، ويطبق. قال الله – سبحانه وتعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان. ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم ، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض. ألا إلى الله تصيرُ الأمور }( سورة الشورى ، الآيتان : 52 ، 53) ، ويقول سبحانه وتعالى : { والنجم إذا هوى. ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى }.( سورة النجم ، الآيات : 1 – 4)
هذه الآيات القرآنية العظيمة كلها تدل على أن مصدر الثقافة الإسلامية هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم ، وهذا الكتاب محل ثقة الناس لأنه مُبرأٌ عن كل نقصٍ أو هوى قد يصاحب العمل الإنساني أو يؤثر في الفكر البشري ، وإن هذا المصدر موافق للفطرة الإنسانية ، مُلبٍ لحاجاتها ، محققٌ لمتطلباتها ، ملائمٌ لكل جوانبها.
ومن البديهي أن الثقافة التي تنبع من كتاب الله والتي تحقق حاجات الإنسان ، والتي يطمئن إليها الإنسان ويثق في صحتها تنشئ أرقى ثقافة عرفتها البشرية ، وتقدم أشمل منهج للحياة.
وهي في هذه الخاصة تختلف اختلافاً شاسعاً عن الثقافة الغربية التي تستمد مصادرها من الفكر الفلسفي اليوناني والقانون الروماني ومن النصرانية المحرفة ، أو من الفلسفة الوضعية.
والفلسفة الغربية في العصر الحديث تقوم على اعتبار الطبيعة والواقع والحس مصادر مستقلة وفريدة للمعرفة اليقينية أو المعرفة الحقة … وهكذا فإننا نجد اضطراباً وخلطاً فيما تعتبره الثقافة الغربية مصدرًا لها ، مما يؤدي إلى اضطراب في فكر الإنسان وفي نفسيته ، وهذا ما يورث كآبة نفسية في إحساس الفرد ، أو انطلاقاً شديدًا لا يحده ضابط ولا توقفه قيمة .
يقول الأستاذ سيد قطب : ( ما الذي قدمته المادية؟ إننا لا نجد بين أيدينا ولا في عقولنا ولا في واقعنا منه شيئاً ( مضبوطاً ) فلماذا يا ترى نختاره ونلوذ به وهو هباء لا يثبت على اللمس ،ولا يثبت على الرؤية ، ولا يثبت على النظر العقلي؟ .. ).( نقل عن كتاب خصائص التصوير الإسلامي ومقوماته)
فالله سبحانه وتعالى أمر الزوجة أن تطيع زوجها ؛ وقد عبّر عن هذا الحق بالقوامة ، وتوالت الأحاديث في التأكيد على هذا الجانب ، فطاعة المرأة لزوجها فرضٌ عليها ، وقد ثبت وجوب حق الطاعة والقوامة بالكتاب والسنة.
يقول – سبحانه وتعالى – :{ الرجالٌ قوامونَ على النساءِ بما فضّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم }.( سورة النساء ، الآية : 34)
وهذه الآية تدل على وجوب طاعة الزوج ، لأنه سبحانه وتعالى ، جعل الرجال قوامين على النساء ، ولا معنى للقوامة إلا إذا أطيع القيّم ، ونفذت أوامره مِن قِبَل مَنْ جعل قيماً عليه.
قال القرطبي رحمه الله* : و(قوام) فعّال للمبالغة ، من القيام على الشيء .. فقيام الرجال على النساء هو أن يقوم بتدبيرها … وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية. كما وردت أحاديث كثيرة تدل على وجوب طاعة الزوجة لزوجها ، وتبين أنها من أفضل القربات إلى الله – تعالى – ومن أهم موجبات رضاه. وأن الإخلال بها من أكبر موجبات سخطه . ، كقوله e: " إذا صلّت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت بعلها ، دخلت الجنة ".( رواه أحمد بن حنبل في مسند عبد الرحمن بن عوف) ، وأيضاً ما روي عن حصين بن محصن عن عمة له أتت النبي – e – في حاجةٍ لها ، ففرغت من حاجتها فقال لها رسول الله – e – " أذاتُ زوجٍ أنت؟ قالت : نعم ، قال : " فكيف أنتِ له "؟ قالت ما آلوه – أي لا أقصر في حقه – إلا ما عجزت عنه. قال : " أنظري أين أنتِ منه ، فإنما هو جنتك ونارك".( رواه النسائي في كتاب " النكاح ") ، ومنها ما رُويَ عن قيسٍ بن سعد بن عبادة قال : أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم ، ورهبانهم. فلما قدمت على النبي – e – قلت : يا رسول الله : أنت أحق أن نسجد لك ، فإني رأيتهم يسجدون لرهبانهم ، وأساقفتهم ، قال : " لو كنت آمرًا أحد أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ". وفي رواية قال بعد ذلك :" والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها ، حتى تؤدي حق زوجها ".(رواه ابن ماجه في كتاب النكاح)
وكما نلاحظ من الأحاديث السابقة أنها جاءت في مجموعها مؤكدةً على أهمية طاعة المرأة لزوجها ، فتارةً يقرن طاعة الزوج بدخول الجنة ؛ أي أن طاعة زوجك فيما يرضي الله سبب لدخول المرأة المتزوجة الجنة ، وبالتالي فمعصيتها لزوجها تمنعها من دخول الجنة.
وتارةً أخرى يعبّر بأن الزوج هو جنة المرأة ونارها ، أي كناية عن سبب دخولها الجنة أو النار فهو مقيد بطاعتها لزوجها .. وهذا إن دلّ فإنه يدل على أن طاعة الزوج فرض على المرأة والمرأة التي تنكر هذا الحق الثابت بالقرآن والسنة فإنها تنكر حقاً معلوماً من الدين بالضرورة.
والحديث السابق الذي يذكر سجود المرأة لزوجها فهذا إن دلّ فإنه يدل على عِظم حق الزوج على زوجته ، وهناك الكثير من الأحاديث التي تصب في نفس هذا المعنى ، ومنها ما روي عن تميمٍ الداري t عن النبي – e – قال : " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين ، لا تؤذيه ، قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ".( رواه ابن ماجه في كتاب النكاح)
وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال : قالت ابنة سعيدٍ بن المسيب : ما كنّا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم. وعنه أيضاً قال : قالت امرأة سعيد بن المسيب : ما كنّا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم : أصلحك الله ، عافاك الله.( رواه أبو نعيم في حلية الأولياء).
ولا شك أن طاعة الزوجة لزوجها ما هي إلا سبيل لإقرار السلام في البيت ، وبذلك يكون الأمن والأمان ، والراحة والاطمئنان ، وإذا رأى أولادهم هذه الطاعة من الأم للأب تعودوها في مجتمعهم الصغير وكانوا مطيعين لآبائهم وأمهاتهم ، فهي بمثابة التمرين العملي لهم منذ الصغر ، فإذا كانوا كبارًا طبقوها دون مشقة ، لأنها أصبحت طبعاً فيهم ؛ وقديماً قالوا : التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.( كتاب " الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة)
ومتى أدت الزوجة ما أوجبه الله عليها من طاعة زوجها – على ما بينّا – كانت أهلاً لاستحقاق الأجر والثواب من الله – سبحانه وتعالى. فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: جاءت امرأة إلى النبي – e – فقالت : يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك ، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال ، فإن يصيبوا أجروا ، وإن قتلوا كانوا أحياء عن ربهم يرزقون ، ونحن معشر النساء نقوم عليهم ، فما لنا من ذلك؟ قال : فقال رسول الله – e – : " أبلغي من لقيك من النساء أن طاعة الزوج واعترافاً بحقه يعدل ذلك ، وقليلٌ منكنن من يفعله ".( رواه الحاكم ( 4/150 ، 175 ) وصححه)
وعن أبي هريرة – t – قال : جاءت امرأة إلى رسول الله – e – قالت : أنا فلانة بنت فلان. قال : " قد عرفتك ، فما حاجتك؟ " قالت : حاجتي إلى ابن عمي فلان العابد. قال : " قد عرفته " ، قالت : يخطبني فأخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فإن كان شيئاً أطيقه تزوجته. قال : " من حقه لو سال منخراه دماً وقيحاً فلحسته بلسانها ما أدت حقه ، لو كان ينبغي لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله الله عليها " قالت : والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت الدنيا".( رواه البزار والحاكم عن سليمان بن داود اليماهي ، عن القاسم بن الحكم ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد)
وتصرف تلك الصحابية يدل على أمرين ، أولهما الفهم العميق والدقيق لعظم حق الزوج على زوجته ، وثانيهما الورع من الله بأن لا تستطيع أن تؤدي حق زوجها فيغضب الله لذلك التقصير .. فأين نحن اليوم من ذلك الرعيل الرباني.
(1) وروي عن ابن عباس – t – أن امرأة من خثعم أتت رسول الله – e – ، فقالت : يا رسول الله ، أخبرني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإني امرأةٌ أيم(أيم : غير متزوجة ، بلا زوج) ، فإن استطعت ، وإلا جلست أيماً ، قال : " فإن حق الزوج على زوجته إن سألها نفسها وهي على ظهر قتب(قتب : إكاف البعير وقيل : الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير. لسان العرب : ابن منظور. )أن لا تمنعه نفسها. ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمن وملائكة العذاب حتى ترجع " قالت : لا جرم ، لا أتزوج أبدًا.( الترغيب والترهيب من الحديث الشريف. عبد العظيم المنذري)
وبالرغم من اعتبار هذا الحديث شاذًا ، لم يثبت له طريق صحيح ثابت .. إلا أنني أردت أن أستأنس به ، لكي نعكس طريقة تفكير النساء في ذلك الوقت ، كيف أن المرأة تخرج من البيت وتذهب إلى الرسول – e – حتى تسأله عن حق الزوج ، وكيف كانت النساء يتحرين الإخلاص والتقوى في كل أمورهن ، فنحن لا نريد أن تعزف النساء عن الزواج ولكننا نريد أن توجد هذه البذرة الطيبة في نفوسهن ، نريد أن تكون كل واحدة مقبلة على الزواج على وعيٍ تام بالواجبات التي عليها وأن على زوجها حقٌ عظيم يجب ألا تتهاون به ، ولا تستخف به.
وعن أنسٍ بن مالك – t – ، عن النبي e قال : " ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ " قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : " النبي في الجنة ، والصدّيق في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة. ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ " قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : " كل ودود ولود إذا غضبت ، أو أسيء إليها أو غضب زوجها قالت : هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى ".( رواه الطبراني في الصغير : 1/46)
وعن أم سلمة – رضي الل عنهما – قالت : قال رسول الله – e – :" أيما امرأة باتت وزوجها عنها راضٍ ، دخلت الجنة ".( رواه ابن ماجه في كتاب " النكاح ") ، وإذا كان هذا شأن طاعة الزوج منزلةً وثواباً في الإسلام ، فمن البديهي أن تكون معصية الزوج ومخالفته ، أمرًا مذموماً مستقبحاً ، يستوجب غضب الله – سبحانه وتعالى – ، فعن جابرٍ عن النبي – قال : " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ، ولا تصعد إلى السماء حسنة ، العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم ، والمرأةُ الساخط عليها زوجها حتى يرضى ، والسكران حتى يصحو ".( رواه ابن حبان ، كتاب الصلاة ، باب " صفة الصلاة " 5/50)
وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – e – : " لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها ، وهي لا تستغني به "( رواه البخاري. كتاب "النكاح "، باب "كفران العشير") ، وأينا اليوم نستطيع أن ندرجها في غير هذه الحالة .. فالكثير من النساء اليوم تشتكي من زوجها في كل مجلس ، وهي لا تستطيع أن تعيش بدونه يوماً واحدًا .. علينا التنبه إلا هذا المعنى المهم ، فلا نتساهل في الشكوى لأقل الأسباب وأتفهها .. فالحياة الزوجية أعمق وأهم من حالة فرد واحد ، بمعنى أنه يجب على المرأة أن تتحمل ظروف زوجها وطبيعة حياته إن كانت غير معتادة عليها ، وتحتسب في ذلك الأجر الجزيل من الله – عز وجل. ونشير هنا إلى ما أوردناه من أحاديث لا معنى لها ولا قيمة ، ما دام المجتمع المسلم مفقودًا – أي أنه لا يوجد من يراعي الأحكام ويطبقها في حياته اليومية ، والقانون الإسلامي معطلاً ؛ للجوء الناس إلى القوانين الوضعية التي تتناسب مع أهواءهم ورغباتهم.
فالذين يبنون علاقاتهم الزوجية على أساس بعيد عن الفكر الإسلامي ، يسيئون للإسلام ويطعنون في أحكامه بأنها قاصرة عن توجيه الأسرة بالطريقة الصحيحة ، المتوازنة بما ينفع أفرادها أولاً والمجتمع ثانياً ، ويقدمون صورة مشوهة عن الأسرة الإسلامية.
وبناءًا على ما تقدم نرى أن الطاعة حق للزوج ضمنه له الشرع ، وواجب على المرأة كلفها به الشرع الحكيم ، وإن أرى أنهما وجهانِ لعملةٍ واحدة ، فالطاعة من خلال الأحاديث السابقة قد شدَّد الشارع على العمل بها ، وبناءً على الأصل الأول وهو أن الله – سبحانه وتعالى – هو الآمر الناهي .. يتضح لنا أن الشرع الحكيم ما شدد على قضية وذكرها في أكثر من مناسبة وأفرد لها الأحكام ، وسنّ لها القوانين ، إلا إذا كانت قضية مهمة وخطرة ، وتتوقف عليها مصالح كثيرة وتدفع بها مفاسد أكثر.
:- دور المرأة في بناء الأسرة :
عن أبي هريرة – t – أنه قال : يا رسول الله أي النساء خير؟ قال : " التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره ".( رواه النسائي في كتاب ( النكاح ) ، باب " كراهية تزويج الزناة ") وروي عنه – e – : " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ".
وفي الحديثين السابقين تأكيد واضح على أهمية المرأة الصالحة في بناء الأسرة حيث وصفها بأنها خير أمتعة الدنيا وخير ما يسعى الرجل لاقتنائه .. فالمرأة المسلمة الصالحة الراشدة – وقد وضّح الحديث السابق معنى صلاح المرأة – هي التي تبني الأسر السعيدة الناجحة.
ونستطيع أن نقول إن طاعة الزوجة لزوجها فيما يرضي الله ، وفيما هو مناسب لحال أسرتها وأبنائها ، وفي المقابل إذا استخدم الزوج هذا الحق بما يرضي الله ، وهي الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات ، وهي الدُّعامة الأقوى التي يقوم عليها صلاح المجتمعات والحضارات …( في حالة ( المباحات ) تستطيع المرأة أن تختار المناسب لصلاح أسرتها ، فهي مخيرة في ذلك إذا استطاعت أن تناقش الزوج وتقنعه بالأصلح لهما) ، وبطريقةٍ أو بأخرى نرى أن الزوجة عاملة جنباً إلى جنبٍ مع زوجها في التأثير في توجيه صلاح الأسرة ورقيها أو إفساد الأسرة وترديها. وباستقراء التاريخ نلاحظ النظرة الثاقبة لأعداء الإسلام لأهم سبب من أسباب تردي أي حضارة ، هو مستوى الأسر المكونة له ، ومدى الثقافة التي يتميز بها أفرادٌ ما ، وأهم سبب في تردي الأسر هو المرأة (الزوجة) ، وبالتالي صلاح الأسر وحتى الحضارات في كل زمانٍ ومكانٍ إنما ينشأ بين كفي امرأة.
لهذا أُعملت أفكار الغرب وأعداء الإسلام في كل مكانٍ بخطط شيطانية تهدف إلى تدمير الأسر بإشغال المرأة عن بيتها تارةً ، وبإخراجها عنه تارةً أخرى وبالطعن في نوعية العلاقة بينها وبين زوجها تارةً ثالثة ، ثم انتهوا إلى تشكيك المرأة بقدرة زوجها على قيامه بأمور بيته ، وأشبعوا أفكارها بأنها الأقدر على أخذ هذا الدور وتقليص دور زوجها إلى تأمين المال فقط ، وأصبح – كالشبح – يرهبون به أولاده ، دون أن يكون له دورًا فاعلاً فيهم.
فنادوا بمساواتها به في جميع الحقوق والواجبات داخل المنزل وخارجه ، وبهذه الطريقة بدأ الصدع يزداد في جدار الأسرة المسلمة ، حتى كاد أن يهوي ويتداعى عليهم.
إلا أن وقفة تأمل من الزوج والزوجة في حسن إدارة أمور الأسرة ، ومراقبة الأوامر التي أكد عليها الشرع لإصلاح الأسرة والابتعاد عن نواهيه تدعم بناء الأسرة وتقوي أواصر القربى بين أفراده ، لأن الله سبحانه وتعالى – هو الخالق الموجد للبشر على الأرض ، وقد تكفّل سبحانه وتعالى بتسيير أمورهم لما فيه صلاح لهم في الدنيا والآخرة ، فخالق الخلق أعلم بخلقه.
والذي أريد أن أؤكد عليه في هذا المقام أن هذه النظرة المتأملة الواعية ، هي السر المنيع الذي يحصن نجاح الأسرة المسلمة ، والذي تتهاوى أمامه أي فكرة من أفكار الغرب المدسوسة المسمومة ، هذا الوعي من الزوج والزوجة لما يجري حولهما وما هو واجب عليهما ، وما الشيء الذي يملكانه لكي ينازعهم عليه الغرب ، وسوف تعطي لهما حصانة منيعة ضد هذه الدسائس والشبهات الغربية … ومن تلك الشبهات التشكيك في حق القوامة للرجل ، وهذا الذي سوف نناقشه فيما بعد.
وقبل أن أنتقل إلى مبحث القوامة أود أن أقف وقفة أخيرة في مبحث الطاعة ، فهناك وصية جامعة من خير الوصايا المأثورة عن نساء المسلمين، وهي وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف ليلة زفافها ، ومما أوصتها به قولها خليجية جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ، أحمد زكي صفوت)
" أي بنية : إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ، وخلفت العش الذي فيه درجت ، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه ، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.
أما الأولى والثانية ، فالخضوع له بالقناعة ، وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة ، فالتفقد لمواضع عينه وأنفه ، فلا تقع عينه منك على قبيح ، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة ، فالتفقد لوقت نومه وطعامه ، فإنّ تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة ، فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله ، وملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة ، فلا تعصي له أمرًا ، ولا تفشي له سرًا ، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره ، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره ، ثم إياكِ والفرح بين يديه إن كان حزيناً ، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً! ".
أرجو ألا أكون قد أرهقتكم بهذه الحلقة الدسمة .. ولكن كله حباً في الله ، وطاعةً لرسول الله ، ورغبةً في الثواب وحسن الجزاء .. وهذا سيدتي أفضل من المسلسلات والأفلام و..إلخ… فإلى اللقاء في الحلقة الثانية بعد أسبوع (من تاريخ هذا الإصدار) إن شاء الله

فقه المرأة المسلمة (الحلقة الخامسة) أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس : السبت ,مايو/أيار 19, 2024

مايو 19th, 2024 كتبها ابن الإسلام نشر في , فقه المرأة المسلمة,
خليجية
44 تعليق »
,
مقدمة : هذه هي الحلقة الخامسة من فقه المرأة المسلمة ، وقد تناولنا في الأولى الطهارة وشروط وجوبها ، وقد تناولناها من حيث معناها في الشرع واللغة. وفي الحلقة الثانية تناولنا أهم أنواع المطهرات ، وفي الحلقة الثالثة تناولنا أحكام ضرورية تهم المرأة المسلمة في عدة مسائل ، وفي الحلقة الرابعة تناولنا تعريف الحيض والطهر والنفاس والاستحاضة ، وسنتناول – إن شاء الله – في هذه الحلقة (الخامسة) أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة ، باختصارٍ شديد (مثل كل مرة) مع عدم الإخلال بالقواعد الشرعية في هذه المسائل الهامة لكل امرأة مسلمة – والله من وراء القصد.
أحكام الحيض والنفاس والاستحاضة:
أولاً : أحكام الحيض والنفاس :
أ. طهارة الحائض ، الحائض تبقى طاهرة وتمارس أعمالها البيتية وتخدم زوجها.
الدليل :روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس أنه قال : إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم ، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت – أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيتٍ واحدٍ – فسأل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فأنزل الله تعالى :{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض…. }.(سورة البقرة : الآية 122) فقال – صلى الله عليه وسلم – " اصنعوا كل شيء إلا النكاح ".( أخرجه مسلم في صحيحه " بشرح النووي " 3/211)
ب. يجوز أن تأكل الحائض وتشرب مع زوجها ولعابها طاهر وأن الحيض لا يجعل الحائض ولا شيئاً منها نجساً.
الدليل : عن عائشة – رضي الله عنها أنها قالت : " كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فيضع فاه على موضع فمي فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ، ثم أناوله النبي – صلى الله عليه وسلم – فيضع فاه على موضع فمي ".( أخرجه مسلم في صحيحه " بشرح النووي " 3/210- 211 ، ومعنى أتعرق العرق : هو العظم تأخذ منه معظم اللحم – النهاية لابن الأثير 3/220)
ج. ويجوز غسل الحائض رأس زوجها وأن تخدمه بنفسها.
الدليل : فقد روي عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : كنت أغسل رأس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا حائض ".( أخرجه مسلم في صحيحه 3/209)
د. يباح للرجل أن يستمتع بزوجته الحائض فيما فوق السرة وتحت الركبة ، بالقبلة ، أو المعانقة ، أو اللمس ، أو غير ذلك باتفاق العلماء. وأما المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير فرج الحائض ففيها ثلاثة أقوال :
الأول : لمالك وأبو حنيفة أنها حرام.
والثاني : لأحمد بن حنبل وداود الظاهري : أنها مكروهة كراهة تنزيه أو مباحة.
والثالث : قاله بعض الشافعية إن كان المباشر يضبط نفسه عن الوطء ، ووثق من نفسه باجتنابه ، إما لضعف بش***ه ، أو لشدة ورعه جاز ، وإلا فلا.
الدليل : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " وكان – صلى الله عليه وسلم – يأمرني فأتزر ، فيباشرني وأنا حائض ".( أخرجه البخاري في صحيحه " بشرح ابن حجر " 1/403- 404) والمراد بالمباشرة هو التقاء البشرتين لا الجماع. ومعنى " فأتزر " أي تشد إزارها على وسطها.
هـ. كما يجوز للرجل أن ينام مع زوجته الحائض في فراشٍ واحدٍ.
الدليل : لما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها اضطجعت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخميلة وهي حائض ".( شرح البخاري لابن حجر 1/403- 422)
وكما يجوز للرجل أن يتكئ على زوجته الحائض لقول عائشة – رضي الله عنها – : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتكئ في حجري وأنا حائض ، فيقرأ القرآن ".( أخرجه مسلم في صحيحه 3/211 ، ابن ماجه في السنن 1/208)
ز. يندب للحائض أن تتزين وتتنظف ، فتمشط شعرها وتزيل الدرن عن جسدها ، وتتزين بما هو معتاد للنساء إذا كانت ذات زوجٍ ؛ لأن له أن يباشرها فيما دون الفرج.
الدليل : أن امرأة سألت عائشة – رضي الله عنها – : هل تختضب الحائض؟ فقالت عائشة : قد كنا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن نختضب فلم يكن ينهانا منه ".( أخرجه ابن ماجه في السنن 1/215)
ح. يجوز أن تخرج الحائض إلى المصلى العيد ولكن تعتزل جماعة المصلين.
الدليل : عن أم عطية قالت : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ليخرج العواتق وذوات الخدور ، ويعتزل الحيض المصلى ، وليشهدن الخير ودعوة المسلمين ".( أخرجه البخاري في صحيحه " بشرح الكرماني " 6/78)
ط. لا بأس أن تشرب المرأة دواءً يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفاً كما ذكر أحمد بن حنبل. أقول : وألا يترتب على أخذها له ضرر.
ي. يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن ولو في حال السيلان عن ظهر قلب ، أو في مصحف بدون مس ، سواء خافت النسيان أم لا ، كانت جنباً أم لا ، وبعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال إلا أن تكون على جنابة.
هذا عند المالكية وقد خالفوا جمهور الفقهاء في ذلك. وحكي عن مالك : للحائض القراءة دون الجنب ، لأن أيامها تطول ، فإن منعناها من القراءة نسيت.
ك. للحائض أن تمس اللوح وتكتب فيه لأجل التعليم ، سواء كانت تُعلم أو تتعلم ، وما يتعلق بذلك كحال الذهاب لوضعه في محله أو أخذه من محله. ويجوز أيضاً للحائض المعلمة أو المتعلمة مس المصحف الكامل عند المالكية.
ما يحرم بالحيض والنفاس :-
1. يمنع الحيض صحة الصلاة مطلقاً سواء كانت فرضاَ أم نفلاً.
2. كما يمنع الصيام كذلك ، بل يمنع الحيض والنفاس وجوب الصيام والصلاة أصلاً ، ولكنها متى طهرت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
عن معاذة قالت : سألت عائشة – رضي الله عنها ، قلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها :
أحرورية أنت؟( معنى حرورية : نسبة إلى حروراء وهي قرية بقرب الكوفة كان أول إجماع الخوارج فيها فنسبوا إليها ، ومنهم طائفة توجب على الحائض قضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض وهو خلاف الإجماع.) فقلت : لست بحرورية ، ولكن أسأل. قالت عائشة – رضي الله عنها – : ما كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.( أخرجه مسلم في صحيحه " بشرح النووي " 4/28)
وقد أجمع المسلمون على ذلك ووجه الفرق بينهما أن الصلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة ولمدة شهر واحد وربما كان الحيض يوماً أو يومين في شهر الصيام فلا يشق عليها قضاء صيام ما أفطرته مدة حيضها.( شرح النووي على صحيح مسلم 4/26)
3. ويحرم الطلاق في مدة الحيض للمدخول بها إن كانت غير حامل ، ولكنه يقع مع الإثم ، ويجبر الزوج على الرجعة إن كان رجعياً.
4. يحرم على الزوج الاستمتاع – وطء الزوجة – في الحيض والنفاس ولو بوجود حائل ، ولو بعد النقاء من الدم حتى تغتسل بالماء ، لقوله تعالى :{ فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله … }.( سورة البقرة ، الآية : 222)
5. ولا يصح غُسل الحائض من الجنابة ، لأن الحيض يمنع صحة رفع الحدث.
6. ويمنع دخول المسجد إلا لعذرٍ كخوفٍ على نفس أو مال ، كما يمنع الاعتكاف.
7. ويمنع الطواف بالبيت إجماعاً. عن عائشة رضي الله عنها : " خرجنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – لا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا سَرَفَ – مكانٍ بين مكة والمدينة – طمئت " أي حاضت " ، فدخل عليَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك؟ قلت : لوددت والله أني لم أحج هذا العام. قال : لعلك نُفست؟ قلت : بلى. قال : فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ".( أخرجه البخاري في صحيحه " بشرح العسقلاني " 1/407)
8. ويمنع مس المصحف ما لم تكن معلمة أو متعلمة ، فإن كان فبحائل.

وحكم النفاس كحكم الحيض في كل ما مر.( حاشية الدسوقي 1/175 ، حاشية الصاوي 1/81 ، المغني لابن قدامه 1/337)
ثانياً : أحكام الاستحاضة :
* أما الاستحاضة فلا تمنع شيئاً مما يمنع منه الحيض والنفاس ، وحكمها حكم السلس ، لا توجب الغسل ، وإنما يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولذلك قال الفقهاء : إن للمستحاضة أن تدخل المسجد وتعتكف فيه ولها أن تصلي وتصوم.
* أما عن وطء الزوجة المستحاضة فيجوز للزوج أن يطأ زوجته المستحاضة عند جمهور العلماء لما روى أبو داود عن جمنة بنت جحشٍ أنها كانت تُستحاض ، وكان زوجها طلحة بن عبد الله يجامعها.
* وورد عن أحمد بحرمة وطء الزوج زوجته المستحاضة إلا إن يخاف على نفسه الوقوع في الزنا لقول عائشة- رضي الله عنها أنها قالت :" المستحاضة لا يغشاها زوجها ". ولأن الاستحاضة أذىً ، فهي كالحيض من هذه الناحية.

الرابط :https://jon2019.maktoobblog.com/category/%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9/
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.