ويل لكم مما كتبت أيديكم ، وويل لكم مما تكسبون !!
اعلم رحمك الله أن في الشعر تِبْر وتراب ، وذهب وأخشاب ،
ولا يخدعنك قولهم فلانٌ شاعر موّار ، فقد لا يساوي شعره ربع دينار ،
فإن من الشعر مسك وعنبر ، ولؤلؤ وجوهر ،
يسافر إلى سويداء قلبك ويبحر ، وينادي إنما نحن فتنة فلا تكفر .
وفي الشعر شعير ، وروث بعير ،
فيه نذالة وجهالة ورذاله ،
فويل لمن أشغل الناس، وسوّد القرطاس ،
وجلب الوسواس ، وحاس وداس ، وفي ديار القلوب جاس ,
يصيبك من شعره تثاؤب وعطاس ، ونوم ونعاس ،
فإذا رأيته فقل له : لا مساس ، ولا باس عليك منه لا باس .
وهذا الصنف لا يردّه عقل ، ولا يردعه نقل ،
جائزته بصل وفجل ، لأنه أُشرب في قلبه العجل .
إذا قام أحدهم في النوادي ، صاح المنادي : هذا شاعر الحواضر والبوادي ، وبلبل النادي ،
فيصدق المسكين ، قطع بلعومه بالسكين ،
فيتمايل طربا ، ويتيه عجبا ، ويقول للحضور : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ،
فإذا ألقى القصيدة ، فكأنه يأكل عصيدة ،
يلوِّي راسه ، ويكظم أنفاسه ،
كأنما يتخبطه الشيطان من المس ، حتى ينادي الجمهور : بس بس ،
فليت قارئاً يبرك على صدره ، ويضع يده على نحره ،
ويرش وجهه بماء من تبسي ، ويقرأ عليه آية الكرسي .
فإذا خرج شيطان الشعر الرخيص ، وعلم أنه ليس له محيص ،
قام هذا الغبي ، كأنه صبي ,ليترك الأشعار ، لأهل الاقتدار ،
ويقصد البيع والإيجارة ، أو البناء والنجارة ، أو يصلح عقاره ،
ويهجر القوافي ، لكل فصيح وافي .
وليت الناس سلكوا مذهبَهم ، فقد علم كل أناس مشربهم ،
ويا من اشتغل بالأشعار، عليك بالأذكار ،
وإدمان الاستغفار ، والخوف من القهار ،
فإن اللسان ثعبان ، وأمامك قبر وميزان ، ونجاة وخسران ،
ولا يكن لسانك كالمقراض للأعراض ، ولا يكن كالمقباض للأغراض ،
فإن الأنفاس تكتب عليك ، وعملك منك وإليك .
وويل لمن أطلق لسانه ، وأرضى شيطانه ، وأجرى في اللهو حصانه ،
من يوم تشيب فيه النواصي ، ويندم فيه كل عاصي ، ويهابه كل دانٍ وقاصي .
ويا شعراء المجون ، مالكم في الغي تلجون ، وفي النوادي تصجّون ، ولكل رأس تشجّون .
ألا عقل يردع ، ألا أذن تسمع ، ألا قلب يخشع ، ألا عين تدمع ،
أشغلتم القلوب ، وأنسيتم الناس علام الغيوب ، ودللتم الأمة على المعاصي والذنوب ،
أشعلتم النفوس الهائجة ، أحرقتم القلوب المائجة ، لأن بضاعتكم على الأراذل رائجة ،
أتظنون أنه لا حساب ولا عقاب ، ولا عذاب ولا ثواب ،
الموقف أصعب مما تظنون ، والمشهد أعظم مما تتصوّرون ،
إذا بعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ،
وفار التنور ، وقصمت الظهور ، وطار الكبر والغرور .
كتاب مقامــات القــرني .
بورك من كتب هذة الابيات وبوركت كذلك الايادي التي نقلتها لنا ولم تحرمنا من هذة المقتطفات ..
يارب على كل حرف من هذه الابيات جازي هذة الانسانة (ربيع القلوب ) بعافية تدوم وسعادة لا تبور
يارب العالمين ..
خالص حبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حياة إمرأة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
وعليك بفصيح المنقول ، الذي يحبّذه أصحاب العقول ،
ما أحوجنا إلى خطيب قوّال ، وبما يقول فعّال ،
ليس صاحب إملال ، ولا إخلال ، ولا إقلال ، وإنما يدبج السحر الحلال .
لا يشرح الصدر مثل الكلام الصادق ، والبيان الناطق ، واللفظ الدافق ، والأسلوب السامق ،
أما كلام الحاكة ، وألفاظ أهل الركاكة ،
فهو حُمّى الأرواح ، في الصدور رماح ، وفي القلوب جراح .
ترى بعضهم إذا تكلم لا يكاد يبين ، كأنه من الأعجميين ،
ينطق بالحرف مقلوبا ، ويجعل المرفوع منصوبا ، ملأ خطبته عيوبا ، وندوبا ، وثقوبا .
غضب منه في النحو سيبويه ، وفي اللغة نفطويه ، وفي الحديث راهويه ، وفي الشعر متنبيويه .
الخطيب البارع يأسر القلوب أسرا ، ويسري بالأرواح فسبحان من أسرى ،
ويسترق الضمائر فإما منّاً بعد وإما فداء ، وله على مستعمرات النفوس احتلال واستيلاء .
بيت الشعر لا يساوي ريالا ، ولا ترى فيه روعة ولا جمالا ،
فيلقيه الخطيب المصقع ، والمتكلم المبدع ، فتبقى من حسنه مبهوتا ، كأنك لقطت ياقوتا .
الخطيب الهدّار ، كالسيل الموّار ، يقتلع الأشجار ، ويحمل الأحجار ،
ويقتحم الأسوار ، لا يرده جدار ، ولا تقف في طريقه دار ،
لأن الخطيب يقبل ومعه الآية الآمرة ، والموعظة الزاجرة ، والقصة النادرة ، والحجة الباهرة ، والقافية الساخرة .
تعيش معه في دنيا من الصور والألوان ، وفي عالم من المشاهد والألحان ، كأنك في إيوان ، أو بستان ، أو ديوان .
كونوا أبطالا ،
ورصّعوا من الحكمة أقوالا ،
ودبّجوا من الفصاحة أمثالا ،
وانفروا خفافاً وثقالا ،