تخطى إلى المحتوى

يا أهل التوحيد إحذروا الشـــرك نصيحة لزوار قبور الأولياء في البلدان الإسلامية.

يا أهل التوحيد
إحذروا
الشـــرك
نصيحة لزوار قبور الأولياء
في البلدان الإسلامية.
كتبها:
أبو عمار علي الحذيفي.

المقـدمـة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذه رسالة صغيرة فيها نصيحة ممن يحب الخير للمسلمين كما يحبه لنفسه، ويكره لهم الشر كما يكره لنفسه، فيها التنبيه على ما يفعله زوار الأولياء في بعض البلدان الإسلامية من غلو، والتحذير من هذا الغلو الذي ذمه الله وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها بيان أن بعض هذا الغلو هو من الشرك الذي حذر الله منه، ومع هذا فنحن لا نرى ولا نقول: إن كل من وقع في مثل هذا العمل فهو كافر، معاذ الله من ذلك، فإننا نعلم أن كثيرا من الناس جاهل بالشريعة ولا يعرف حقيقة دعوة الرسل، ولكن مع هذا نرى أنه يجب على المسلم أن يتعلم أمور دينه ويتبصر بها ويسأل عن التوحيد الذي كلفه الله بتعلمه وتفهمه.

وإن مما ينبغي أن يعرف أننا نحب أولياء الله الصالحين الذين أخبر الله تعالى عنهم فقال: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ولكننا نكره الغلو فيهم كدعائهم من دون الله والاستغاثة بهم لقضاء الحوائج وتفريج الكرب وسؤال الولد والذبح لهم والطواف حول قبورهم ونحو ذلك من مظاهر الغلو، ونكره أن يصفهم الواصفون بما لا يليق إلا بالله تعالى كما سيأتي معنا إن شاء الله.

وهذه نبذة مختصرة عن حقيقة الشرك الذي حذر الله منه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما فيه من خطورة عظيمة.

وتتكون هذه النبذة من عدة فصول وهي:

الفصل الأول: حقيقة الشرك.

الفصل الثاني: وقت وقوع الشرك في الأمم، وكيفية وقوعه.

الفصل الثالث: سد ذرائع الشرك.

الفصل الرابع: مظاهر الشرك.

الفصل الخامس: التعامل الصحيح مع أهل القبور.


الفصل الأول: حقيقة الشرك:
المبحث الأول: تعريف الشرك:
الشرك لغة: هو النصيب، ومنه قوله تعالى: (ما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) وقوله: (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات).

والشرك شرعاً: "هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله تعالى"، ومن المعلوم أن خصائص الله ترجع إلى "الربوبية"، و"الألوهية"، و"الأسماء والصفات"، وعليه فإن الشرك يدخل في هذه الأبواب الثلاثة.

والشرك تسوية المخلوق بالخالق، سواء كان هذا المخلوق من الملائكة أو من الإنس أو من الجن، فلا فرق بين مخلوق ومخلوق.

ومن المهم أن يعرف المسلم حقيقة الشرك لأنه تترتب عليها أمور أخرى من أهمها: وقاية الإنسان لنفسه من أن يقع في شيء من صور الشرك أو شيء من فروعه، ومنها: المقدرة على التمييز بينه وبين غيره، بل التمييز بين صوره المختلفة، بحيث يعرف الطالب أن هذه المسألة من الشرك أو أنها ليست كذلك، إلى غير ذلك من الفوائد.

المبحث الثاني: خطورة الشرك:
إن بيان خطورة الشرك وسوء آثاره على الأفراد والمجتمعات يعتبر فرعاً من بيان حقيقة الشرك، فخطورة الشرك لا تخفى على موحد، فمخاطره عظيمة وعواقبه وخيمة ونعرف ذلك من عدة أوجه:

1- أنه أعظم الظلم لأنه تعلق بحق الله تعالى، قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.

2- أن الله لا يغفر لمن مات عليه ولم يتب منه، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وعليه فالمشرك خالد مخلد في نار جهنم قال تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).

3- إن الشرك أكبر الكبائر قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) الحديث متفق عليه.

قال العلامة ابن القيم في "الجواب الكافي": (فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له فى الآخرة دعوة، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه نداً وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه) أ.هـ باختصار.

4- أن الشرك يفسد القلوب ويقطع الطريق عليها، ولا ينجو العبد إلا بالسلامة من الشرك كما قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون0إلا من أتى الله بقلب سليم).

5- والشرك أيضا يفسد العقول، فعقول أهل الشرك هي أفسد العقول وأضلها عن سواء السبيل، وقد قال الله فيهم: (وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).

6- والشرك يفسد الأخلاق، ولذلك فإن أفسد الأخلاق هي أخلاق المشركين، وفيهم من الفواحش بقدر تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.

قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (10/135-136): (ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين لم يبتل بذلك، بل قال تعالى عن يوسف: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين" وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلذلك ابتليت بالعشق، وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق أحدهما: إنابته إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه، والثاني خوفه من الله فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه) أ.هـ

فظهر لنا من هذه الأوجه أن الشرك أعظم الظلم وأنه أكبر الكبائر، وأنه يفسد القلوب والعقول والأخلاق، وأن له تأثيراً عظيماً على مصير الإنسان في الآخرة.

الفصل الثاني: وقت وقوع الشرك في الأمم، وكيفية وقوعه:
المبحث الأول: أهمية معرفة الشرك القديم:
من المهم أن نعرف متى وقع الشرك في الأمم وكيف كان وقوعه، لأن هذا يساعد على فهم حقيقة الشرك القديم والجديد، ومعرفة مدى العلاقة بينهما، فإنها وإن تغيرت الصور على مدى الأزمان لكن الحقيقة واحدة.

قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم": (ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله وأنواعه، حتى يتبين له تأويل القرآن، ويعرف ما كرهه الله ورسوله، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه، وما ذكره الأزرقي في "أخبار مكة"، وغيره من العلماء) أ.هـ

المبحث الثاني: وقت وقوع الشرك:
كان الناس أمة واحدة على التوحيد والفطرة من عهد آدم إلى قبيل عهد نوح عليهما الصلاة والسـلام، حتى طرأ على بعض الناس الشرك، وأول ما دخل الشرك كان قبل أن يرسل الله نوحاً إلى قومه، حيث عبد الناس أناساً صالحين، فبعث الله نوحاً عليه الصلاة والسلام وهو أول رسول أرسله الله إلى قوم مشركين.

ثم أرسل الله رسله تترى كلما ظهر الشرك في الناس بعث الله إلى الناس من ينذرهم من هذا الشرك ويحذرهم منه ويدعوهم إلى التوحيد الخالص، وأغلب الشرك الذي ظهر في الأمم كان مدخله هو مدخل الشرك الذي حصل في قوم نوح وهو اتخاذ الصالحين واسطة بينهم وبين الله، إلى أن جاء الشرك في "جزيرة العرب"، فقد كان الناس في جزيرة العرب على ملة إبراهيم حتى جاء رجل يقال له عمرو بن لحي الخزاعي، فأخرج الأصنام التي عبدها قوم نوح من رمال الشام بوحي من الشيطان فنقلها إلى جزيرة العرب، ودعا الناس إلى عبادتها فاستجابوا له لما له بينهم من جاه وسلطان.

المبحث الثالث: كيف كان وقوع الشرك:
روى البخاري في "صحيحه" برقم: (4920) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت).

قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (1/167): (وقد استفاض عن ابن عباس وغيره في "صحيح البخاري "وفي كتب التفسير وقصص الأنبياء في قوله: (وقالوا لا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) أن هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم، قال ابن عباس: ثم صارت هؤلاء الأوثان في قبائل العرب) أ.هـ

ثم جاء إبراهيم بعد نوح عليهما الصلاة والسلام فبقي الناس على ملته قروناً كثيرة، حتى جاء من غيّر ملته فأحيى عبادة الأصنام مرة أخرى، وكان أول من أحيى عبادة الأصنام بين العرب هو عمرو بن لحي الخزاعي، فقد كان الناس على ملة إبراهيم حتى جاء هذا الرجل فأخرجها من الرمال في بعض أسفاره بوحي من الشيطان فنقلها إلى جزيرة العرب، ودعا الناس إلى عبادتها فاستجابوا له لما له بينهم من جاه وسلطان.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن الكلبي قال: "كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فقال: أجب أبا ثمامة، وادخل بلا ملامة ثم ائت سِيْفَ جدَّة، تجد بها أصناماً معدة، ثم أوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب"، قال: "فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس، ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفى عليها الرمل فاستثارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب") أ.هـ

المبحث الرابع: تنوع الشرك الذي وقعت فيه الأمم:
ويبنغي أن يعرف أن أكثر شرك الأمم حصل من جهتين:

الجهة الأولى من جهة اتخاذ الصالحين وسائط فيما بين الناس وبين ربهم:

وهو الذي وقع فيه قوم نوح ومن كان على طريقتهم، وإنما عبدوا هذه الأوثان لأنهم اعتقدوا أن هؤلاء الصالحين لهم مكانة عظيمة عند الله، فهم يتوسطون لهم في جلب المنافع ودفع الضرر.

وزاد تعلق المشركين بهذه الأوثان لما رأوا أن هذه الأوثان تخاطبهم وتدلهم على أماكن ضوالهم، ففتنوا بها فتنة عظيمة قل من ينجو منها، وإنما تتخاطب معهم الشياطين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما "مجموع الفتاوى" (11/287-288): (ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين).

وقال رحمه الله (11/292-293): (والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته، فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها – كما يفعل أهل دعوة الكواكب – فإنه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان، والشيطان – وإن أعان الانسان على بعض مقاصده – فانه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر الا أن يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب).

وقال رحمه الله كما في "تلخيص الاستغاثة": (وكذلك عباد الكواكب والأصنام قد تخاطبهم الشياطين وتحصل لهم بعض مطالبهم.

ودعاء الغائبين والأموات من هذا الباب، فقد يحصل أحياناً أن شيطاناً يتمثل للداعي وقد يحصل بعض مطالبه) أ.هـ

والجهة الثانية: عبادة الكواكب وهو الذي وقع فيه قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام:

وشبهة عباد الكواكب نشأت من تعلقهم بالملائكة، واعتقاد أنها واسطة فيما بينهم وبين الله، وأن الله وكل إليهم تصريف هذا العالم، ثم اعتقدوا أن الأفلاك والكواكب أقرب الأجسام المرئية إلى الله تعالى، وتصوروا أنها أحياء ناطقة مدبرة للعالم، وأنها بالنسبة للملائكة كالجسد للروح، فهي الهياكل والملائكة هي الأرواح، وأن لها صفات مخصوصة استحقت أن تكون آلهة تعبد، فجرهم هذا إلى التقرب إلى هذه الهياكل المزعومة – وهي الكواكب – وهو في الحقيقة تقرب إلى هذه الأرواح – وهي الملائكة – لتقربهم إلى الله تعالى، وهؤلاء يسمون أصحاب الهياكل.

ولما كانت هذه الكواكب يختفي أكثرها في النهار وفي بعض الليل – لما يعرض من الغيوم والضباب ونحو ذلك – رأوا أن ينصبوا لهذه الكواكب أصناماً وتماثيل على هيئة الكواكب السبعة (الشمس والقمر والزهرة والمشتري وعطارد والمريخ وزحل) حينما تصدر أفعالها عنها كما يزعمون كل تمثال يقابل هيكلاً، واعتقدوا أن التقرب إلى هذه الأصنام هو (الوسيلة) إلى الهيكل (الكواكب) التي هي وسيلة إلى معاينات الملائكة التي هي وسيلة إلى الله تعالى، وهؤلاء يسمون أصحاب الأشخاص.

قال شيخ الإسلام في "الرد على المنطقيين": (والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين: أولهما: تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا أول الأسباب التي بها ابتدع الآدميون الشرك وهو شرك قوم نوح…

والسبب الثاني: عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للأصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم، ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب، ويتكلمون عليها بالشرك والكفر، فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضي بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان أو الشيطانة التي تضلهم) أ.هـ

وقال كما في "مجموع الفتاوى" (17/460): (وإنما المقصود أن أصل الشرك في العالم كان من عبادة البشر الصالحين وعبادة تماثيلهم وهم المقصودون، ومن الشرك ما كان أصله عبادة الكواكب إما الشمس وإما القمر وإما غيرهما، وصورت الأصنام طلاسم لتلك الكواكب، وشرك قوم إبراهيم – والله أعلم – كان من هذا أو كان بعضه من هذا).

ونحن لا نقول إن صور الشرك محصورة بهاتين الصورتين لأن صور الشرك كثيرة ومتنوعة وأسبابها مختلفة، كما يشير إلى ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: (والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين).

المبحث الخامس: أصل الشرك عبادة الشيطان:
وكل شرك حصل على ظهر الأرض فإنما هو في الحقيقة عبادة للشيطان وإن تنوعت هذه المعبودات، وهذا على أصح القولين وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله، فقد قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) وقال عن إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كلن للرحمن عصياً).

قال شيخ الإسلام في "إقامة الدليل": (والذين يعبدون الشيطان أكثرهم لا يعرفون أنهم يعبدون الشيطان, بل قد يظنون أنهم يعبدون الملائكة أو الصالحين، كالذين يستغيثون بهم ويسجدون لهم فهم في الحقيقة إنما عبدوا الشيطان , وإن ظنوا أنهم يتوسلون ويستشفعون بعباد الله الصالحين, قال تعالى: (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) أ.هـ بتصرف.

وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد من عبادة الشيطان في الآية هو طاعته في اتباع أوامره بالشرك، فهي ليست عبادة مباشرة له، والصحيح هو الأول، لأن المشركين تعلقوا بمن يخاطبهم وبمن يرشدهم إلى ضوالهم، وهذا كله من الشيطان، فهم يعبدونه في الحقيقة وإن كانت عبادتهم في الأصل للملائكة أو الصالحين، وهذا غير العبادة الصريحة للشيطان من الكهنة والعرافين والسحرة وغيرهم، طمعاً في خدمة الشياطين لهم.

الفصل الثالث: سد ذرائع الشرك:
المبحث الأول: منزلة سد الذرائع في الشريعة:
الذرائع: جمع ذريعة، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (والذريعة: ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء).

ومن محاسن الشريعة أنها منعت من المحرمات ثم سدت كل طريق يؤدي إلى هذا الحرام الممنوع.

قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين) أ.هـ

المبحث الثاني: سد الشريعة لذرائع الشرك:
وإذا كان باب سد الذرائع يعظم بعظمة الشيء الذي ينتهي إليه، فلا شك أن أعظم الذرائع هي الذرائع الموصلة إلى الشرك والمؤدية إليه، وهناك أشياء كثيرة توصل إلى الشرك وتؤدي إليه، فمنع الشارع منها حماية لجناب التوحيد، وسداً للأبواب المناقضة له، وهي كثيرة لكننا سنتعرض لما يتعلق بموضوعنا فمن هذه الأشياء:

1- رفع القبور عن الأرض فوق المستوى المأذون فيه: فقد نهى الشارع عن ابتداء رفع القبور، وإذا رفعت فقد أمر الشارع بتسويتها بسائر القبور لما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن أبي الهياج الأسدي قال: "قال لي على بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته)، وجاء تحديد الرفع المسموح به بمقدار شبر كما وردت بذلك الأحاديث الثابتة، وإذا رفعت فوق شبر فقد أمر الشارع بتسويتها مع بقية القبور، كل ذلك حفاظاً على جناب التوحيد وسداً للذرائع المناقضة له.

2- ومنها اتخاذ القبور مساجد، أو دفن الموتى في المساجد: فقد حذر الشارع من هذا وهذا، ورتب الوعيد الشديد على فعله حتى إنه لعن فاعله، ففي "الصحيحين" أن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال: "وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا). والعلة من ذلك هو الحذر من الوصول إلى عبادة هذه القبور.

3- ومنها البناء عليها والكتابة فوقها: لصحة النهي عن ذلك، ويدخل في ذلك التسريج على القبور فكل ذلك من أسباب الفتنة بها وتعلق القلوب بالموتى.

4- ومن ذلك إطراء النبي صلى الله عليه وسلم: وإطراؤه: هو المبالغة في مدحه والثناء عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري، ويدخل في ذلك من باب أولى الغلو في الصالحين.

الفصل الرابع: مظاهر الشرك:
المبحث الأول: أهمية معرفة مظاهر الشرك:
وإننا سنستعرض بعض الصور الموجودة اليوم في واقع الناس وفي ذلك عدة فوائد، منها: معرفة مدى المشابهة بين الشرك القديم والحديث، فقد قال الصنعاني في "تطهير الاعتقاد": (والنذر بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه، هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية، وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماًً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً، والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية، فإن من شرب الخمر وسماها ماء، ما شرب إلا خمراً وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية).

بل إن الصنعاني يقول عن أضرحة الصالحين:

أعـادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وود بئس ذلك مـن ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمـها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله جهرا على عمـد

وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهن بالأيـدي

ومنها بيان أن من ينكر وجود شرك القبور في مجتمعاتنا في هذا العصر فهو جاهل بحقيقة الشرك وواقع الأمة معاً، كيف ينكر الشرك وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوعه في هذه الأمة في آخر الأزمان ففي حديث أبي هريرة مرفوعا: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة) "وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية" متفق عليه، بل وفي "صحيح مسلم" عن عائشة قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى").

وقد مر معنا قول الصنعاني: (هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية) فالشرك الذي كان موجوداً في الجاهلية موجود في مجتمعات المسلمين اليوم، وهذا إجماع لا يخالف فيه أحد، فليتق الله أناس يقولون: ليس هناك شرك في هذه الأمة" تلبيسا وتضليلا على الناس، فهذا ليس من النصيحة بل هو من الغش للناس.

ومنها أنه ينبغي الجد والاجتهاد في محاربة الشرك وتصفية مظاهره من مجتمعاتنا فهذا واجب الجميع، ومنها استشعار طلاب العلم المسئولية العظيمة الملقاة على عاتقهم تجاه دين الله، ومنها تشخيص المرض وتحديد الداء الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لعل الأمة تسعى في علاجه، إلى غير ذلك من المصالح، وبالله التوفيق.

المبحث الثاني: مظاهر الشرك في باب الربوبية:
وهي كثيرة سنعرض هنا بعض الصور فقط مع كلام مختصر، فنقول وبالله التوفيق:

منها تعليق التمائم: وإنما هي من مظاهر الشرك في باب الربوبية لأن من يعلقها يعتقد أن في تعليقها جلباً للنفع، ودفعاً للضرر سواء قد وقع هذا الضرر أو يتوقع حصوله، سواء اعتقد أن هذا النفع والدفع يحصل بذاتها وهذا من الشرك الأكبر، أو أنها سبب فقط ليس غير، مع اعتقاد أن الضار والنافع هو الله، وهذا من الشرك الأصغر، لأنه جعل ما ليس بسبب سبباً كما هي القاعدة المعروفة في باب اتخاذ الأسباب في "التوحيد" وقد تقدمت الإشارة إليها.

ومنها التطير بالأشياء: وهو التشاؤم ببعض الأشياء المرئية أو الأشياء المسموعة.

ومنها الاستسقاء بالأنواء: ومعناه طلب السقيا بالأنواء، والأنواء: جمع نوء، وهو منازل القمر.

وهذه بعض صور ومظاهر الشرك في الربوبية، تجد الكلام عليها مفصلا في موضعها.

المبحث الثالث: مظاهر الشرك في الأسماء والصفات:
إذا وصف العبد غير الله بشيء لا ينبغي إلا لله فقد وقع في شرك "الأسماء والصفات" وهذا هو ضابط الشرك في باب الأسماء والصفات" ويرجع عند التفصيل إلى أمرين أحدهما: أن يسميه باسم لا ينبغي إلا لله تعالى كالله والرحمن والخالق ونحوها، وقد دخل شاعر على أحد المتجبرين فقال له:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

والثاني: أن يصفه بوصف لا ينبغي إلا لله تعالى: وصور ذلك كثيرة، منها:

1- وصف المخلوق بعلم الغيب: والله جل وعلا قد نفى علم الغيب عن جميع خلقه وجردهم منه، فنفاه عن الأنبياء والرسل والملائكة وجميع بني آدم وجميع الجن جملة وتفصيلاً.

أما جملة فكما قال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) وقوله: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) وقوله: (له غيب السموات والأرض).

وأما تفصيلاً فقد قال الله تعالى عن الملائكة: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون0وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين0 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم0قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).

وهذه السياق القرآني العظيم فيه شاهد لما قلناه في ثلاثة مواضع كما هو واضح، قوله: (إني أعلم ما لا تعلمون) وقوله: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وقوله: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض).

وكثيراً ما نجد هذا الخلل العقدي عند طائفتين وهما:

1- الروافض: حتى قال الكليني في "الكافي" (1/260): (باب: أن الأئمة يعلمون ما كان ويكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء). ويقول في "الكافي" (1/258): (باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم).

والكليني من أئمتهم وكتابه هذا هو عند الرافضة كـ"صحيح البخاري" عند أهل الحديث.

2- المتصوفة: فقد امتلأت كتبهم المسماة بكتب التراجم بمثل هذه الدعاوى باسم المكاشفات والفراسة ورفع الحُجُب ونحو ذلك، وسأعرض للأخ القارئ نماذج من دعاوى هؤلاء القبورية، ليرى ماذا يقولون في كبرائهم.

قال "شارح العينية" (ص172-173) في ترجمة واحد من هؤلاء له ضريح كبير: (كان من أكابر المشايخ، ممن أذن له في التصريف المطلق بإذن الله تعالى – حتى بعد موته وانتقاله – كما شهد له المشايخ الأجلاء، وله اطلاع على الأسرار الإلهية والبرزخ، وممن يحي ويميت بإذن الله، ويعرف الشقي من السعيد، ويقول للشيء كن فيكون بإذن الله، صرح بذلك المشايخ العارفون والأولياء الأكابر المحققون) أ.هـ

وقال "شارح العينية" (ص215): في ترجمة رجل له ضريح من أكبر الأضرحة في اليمن: (وكان له من الكرامات الخارقة من إحياء الموتى والإطلاع على الخواطر وإظهار المعدوم وإنقاذ الغرقى).

أقول: إحياء الموتى تفرد به ربنا سبحانه وتعالى به فلا يشاركه فيه أحد كما دلت على ذلك الآيات الكثيرة كقوله تعالى: (إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت) وقال: (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير) وقال: (لا إله إلا هو يحيي ويميت) وقال: (هو يحيي ويميت وإليه ترجعون) وقال: (وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار) وقال: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى) وغير ذلك من الآيات، فهو الذي يُحيي ويميت وهو على كل شيء قدير لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله، وبعد هذه النصوص يزعم القبوريون أن هناك من ينازع الله في هذه الخصلة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأما الإطلاع على الخواطر فمعناه أنه يطلع على السرائر الخافية في النفوس، وهذا لا يكون إلا لله كما قال سبحانه وتعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وقال سبحانه وتعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور) وقال سبحانه وتعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) وقال سبحانه وتعالى: (إنه يعلم الجهر وما يخفى).

وأما إظهار المعدوم فالمراد به خلق الشيء من العدم، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر) وقد حصر الله سبحانه وتعالى الخلق على نفسه فهو الذي يخلق وغيره لا يخلق، وعرفنا هذا الحصر بتقديم الجار والمجرور وحقهما التأخير، فعلمنا أنه يفيد الحصر لأن القاعدة تقول: "إذا قدم ما حقه التأخير أفاد الحصر" وقال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) وقال تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) وقال تعالى: (والذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون) وقال تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له).

وأما إنقاذ الغرقى فلا يظن الشخص أن المراد من ذلك أنه يرى الغريق في البحر فيخلع ثيابه ويسبح إليه فينقذه من الغرق فهذا يقدر عليه كثير من الناس، والسياق يدل على أن هذه الصفات من خصائص هذا الولي التي تفرد بها عن سائر الناس، وإنما المراد من هذا الكلام أنه يكون في بيته أو في مسجده وفي الوقت نفسه يعلم ببعض الغرقى في المحيطات والبحار فينقذهم، وهذا يتضمن أموراً منها علمه بالغيب حيث علم بحالهم وهم بعيدون منه وغائبون عنه، ومنها القدرة على إنقاذهم، ومنها إزالة ما بهم من ضرر وكرب، وهذه أوصاف لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى.

ثم قال "شارح العينية": (وعلى قبره… قبة عظيمة مقصودة بالزيارة والأنذار من الجهات حياً وميتاً).

قلت: والكتاب المشار قد امتلأ من هذه الكرامات المزعومة !!، فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرزقنا وإياهم الفقه في الدين.

المبحث الرابع: مظاهر الشرك في باب الألوهية:
أما الشرك في باب الألوهية فصوره كثيرة، وما زالت صوره تتجدد كل يوم ولاسيما في العصور المتأخرة التي ضعف فيه نور النبوة، وابتعد الناس فيها عن العلم وعن الدعاة الصادقين.

وينبغي أن الشرك في الألوهية قد سبقه في بعض الأحيان شرك في الربوبية، فبعضهم يعتقد في أصحاب القبور أنهم يضرون وينفعون، ولهم شيء من التصرف بهذا الكون، وأنهم يحيون الموتى وينقذون الغرقى ويسمعون الداعي ويخلقون الشيء من العدم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

المبحث الخامس: انتشار الأضرحة في البلاد الإسلامية:
إن أضرحة القبور منتشرة في بلاد المسلمين بصورة مذهلة وشيء مخيف، فمجتمعاتنا تعج وتضج بها: فالأضرحة التي تنتشر في مدن مصر فقط نحو ستة الآف ضريح مفرقة في عدة مناطق، وعليه فمن الصعب أن يمر يوم في السنة دون أن يكون هناك احتفال بمولد ولي في مصر، وقد حضر في مولد أحمد البدوي فقط عام 1996م قرابة ثلاثة ملايين إنسان من السنة والشيعة، وهو أكثر من عدد الحجاج الذين ذهبوا لأداء فريضة الحج لذلك العام.

وفي الشام قدر مائة وأربعة وتسعين ضريحاً في دمشق وحدها فقط، المشهور منها قدر أربعة وأربعون، منها قبر: (محي الدين ابن عربي) الذي يزوره الناس من كل القارات.

وفي العراق في بغداد وحدها في أوائل القرن الرابع عشر كان يوجد أكثر من مائة وخمسين جامعاً قل أن يخلو جامع من ضريح، وفي الموصل وحدها يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة.

وفي اليمن كثير من الأضرحة والقبور، ففي عدن أضرحة منها قبر كبير يزوره كل سنة الآلاف من الناس من كل مكان من اليمن وخارجها، ومثلها تعز وإب وضواحي صنعاء وصعدة وتهامة وشبوة وغيرها من المناطق، ومنها حضرموت فإن ما يحصل عند بعض قبورها من الطقوس وأصول الزيارة ما يجعل السامع والمشاهد يحكم بأنهم يحجون الأضرحة حجاً، ويعتقدون أن لها منسكاً.

قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان": (شرعوا للقبور حجاً ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه: "مناسك حج المشاهد" مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام).

وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية يوجد أربعمائة وواحد وثمانون ضريحاً، لا يكاد يخلو جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب لأبي أيوب الأنصاري في الآستانة (وهي القسطنطينية).

وفي الهند يوجد أكثر من مائة وخمسين ضريحاً مشهوراً يقصدها الآلاف من الناس.

وهذا غير الأضرحة الموجودة في أوزبكستان، وهي أضرحة ومزارات منسوبة إلى الصحابة والمشايخ ورجال العلم، وفي إفريقيا ومنها السودان وأريتيريا والسنغال وغيرها.

المبحث السادس: فساد العقائد والأخلاق:
وفي كثير من البلاد الإسلامية يأتي الناس من كل فج عميق إلى هذه الأضرحة بعد ترقب كبير لأيام الزيارة والتي تسمى بالموالد، فمنهم من يأتي من بلاد بعيدة ومنهم من يأتي من بلاد قريبة، يأتون حاملين معهم أحسن ما يملكون من الأغنام والأبقار والبن والشمع والزيت وغير ذلك من أنواع النذور، ومنهم من يأتي بجزء من مهر ابنته للولي، كل هذه القرابين يقدمونها لأصحاب هذه القبور، فيذبحون الأنعام ويطبخون الطعام ويصبون أصناف الألبان على الأضرحة، ويمكثون الأيام والليالي عندها.

وعند كثير من هذه الأضرحة وقريب منها حرم كبير يلجأ إليه الخائفون، ويهرب إليه المجرمون ليأمنوا فيها من الخوف والمطاردة، يخلع الناس فيه نعالهم فلا يدخلون بها، كالقبر المنسوب إلى النبي هود كذباً فعنده تحصل من الشركيات ما يبكي له قلب الموحد، ومن العجائب أن الزوار يجدون لوحة كتب عليها: (الدخول للمسلمين فقط) مضاهاة بالحرم.

ولها سدنة يقومون بتطويف الزائرين على ضواحي الضريح، وفي بعض البلاد كبنجلاديش هناك سدنة لا يلبسون إلا القليل من الثياب التي تستر عوراتهم فقط، ويطلقون شعورهم ولحاهم وشواربهم دون غسل أو حلق لما لابد له من حلق، ولا تنظيف، ثم تختلط النساء ويعاشرهم هؤلاء الرجال معاشرة الأزواج طلباً للبركة.

ثم يقومون بالطواف بها، وبأخذ أتربتها والتبرك بها وتعفير الوجوه بها، ويقومون بقطع ما يقدرون عليه من خرقها، ثم التمسح بجدران الضريح والسياج المحيط به ثم يمسحون أيديهم بأجسادهم.

وتلقى هناك المحاضرات، والندوات تلبيساً وتضليلاً، وهذا أسوأ بكثير مما لو كانت بدون ذلك، لأنهم يستدلون على هذا الباطل، ويلبسونه بما يشبه ثوب الحق.

ومن الفساد العقدي ما يفعله بعض الناس في بعض قرى مصر من تسييب بعض العجول للولي الفلاني، فلا يزال سائباً يرعى في حقول البلد يأكل ما يشتهيه، ولا يقدر أحد على أن يتعرض له، أو يطرده من المراعي خوفاً من الولي الذي هو في حمايته حتى يأتي مولده فيأخذه السدنة سميناً معلوفاً ويذبحونه لأنفسهم.

وأما الفساد الأخلاقي من الزنا واللواط فشيء لا نقدر على وصفه من التفاصيل، والتي سببها الاختلاط بين الرجال والنساء، وحصول الرقص بين الجنسين والغناء من الطرفين، نسأل الله السلامة والعافية.

قال العلامة البيحاني رحمه الله في رسالته: "زوبعة في قارورة": (وإذا نهينا عن المنكرات التي تتم أيام الزيارات وفي المراسم الدينية من الزنا واللواط، واختلاط الرجال بالنساء وشرب الخمور ولعب القمار قام خطيبكم يذكر كرامات الأولياء).

المبحث السابع: تعلق القلوب بهذه القبور وأسبابه:
1- خضوع القلوب عند هذه القبور له صور كثيرة: فمنهم من يقوم بالإلحاح على المقبور بالدعاء ولو أدى إلى البكاء والصريخ والعويل، ومنهم من يسجد لها من دون الله، ومنهم من يطيل العكوف عندها ولو أياماً كثيرة، ومنهم من يرمي العرائض – وهي شكاوي مكتوبة – على هؤلاء المقبورين، ومنهم من بلغ التعلق ببعضهم ما دفعه أن يقول: (دعوت الله ست سنوات ليهب الولد، فلم أرزق، فدعوت شيخي فلاناً فرزقت بتوأمين) !! ومنهم من يحلف بأسماء أوليائهم تعظيماً ولا يحلف به إلا صادقاً، في الوقت الذي يحلف بالله ولو كاذباً، ولذلك لو يحلف المرء بالله سبحانه وتعالى لا يصدق عند هؤلاء القبوريين حتى يحلف بالولي الفلاني كما ذكر الصنعاني نحوه في "تطهير الاعتقاد".

ومنهم من يعتقد أن مدينته محروسة بأولياء من جنس "حرس الحدود"، فقد قال بعضهم: (إن أرض الشام يحرسها من الآفات أربعة من الأولياء الذين يتصرفون في قبورهم) !! وقد قرأت لصحفي في جريدة مشهورة عندنا في عدن يقول: (إن عدن محروسة بالولي الفلاني) !!

سبحان الله وأين قول الله عز وجل: (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون) ؟! ومعنى يكلؤكم: يحفظكم ويحرسكم.

ومن ذلك أن هؤلاء الأولياء ملاذ الكثير من الناس عند نزول الضرر، حتى قال قائلهم:

يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر
ينجيكم من الضرر
2- وقد ذكر ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/215) أسباب تعلق هؤلاء بهذه الأضرحة فقال: (فإن قيل: فما الذي أوقع عباد القبور في الافتتان بها مع العلم بأن ساكنيها أموات لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً ؟

قيل: أوقعهم في ذلك أمور، منها: الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله بل جميع الرسل من تحقيق التوحيد وقطع أسباب الشرك، ومنها: أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عباد الأصنام من المقابرية على رسول الله تناقض دينه وما جاء به: كحديث: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) وحديث: (لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه) وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام ….

ومنها: حكايات حكيت لهم عن تلك القبور: أن فلانا استغاث بالقبر الفلاني في شدة فخلصه منها وفلانا دعاه أو دعا به في حاجة فقضيت له، وعند السدنة والمقابرية من ذلك شيء كثير يطول ذكره وهم من أكذب خلق الله تعالى على الأحياء والأموات) أ.هـ باختصار.

المبحث الثامن: أكثر هذه الأضرحة مكذوبة، ولا حقيقة لها:
وأكثر هذه القبور والأضرحة لا حقيقة لها بل هي مكذوبة: منها قبر علي بن أبي طالب: الموجود في النجف فقد ذكر شيخ الإسلام أن علياً دفن بقصر الإمارة بالكوفة، حيث قال كما في "مجموع الفتاوى" (27/493): (ومنها قبر علي رضي الله عنه الذى بباطن النجف، فإن المعروف عند أهل العلم أن علياً دفن بقصر الإمارة بالكوفة، كما دفن معاوية بقصر الإمارة من الشام، ودفن عمرو بقصر الإمارة، خوفاً عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، ولكن قيل أن الذى بالنجف قبر المغيرة).

ومنها قبر الحسين: فقد ذكر شيخ الإسلام أن قبره بالقاهرة مكذوب عليه، حيث قال كما في "مجموع الفتاوى" (27/451): (كذب مختلق بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم) بل ذكر رحمه الله كما في (27/485،493) أن جماعة من العلماء كذبوه، وأن بعضهم ذكر أنه قبر نصراني.

ومنها قبر السيدة زينب في القاهرة: فالسيدة زينب ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع، والقبر المنسوب إليها في الشام وهو أقدم من القبر المنسوب إليها في القاهرة ومع هذا فكلاهما كذب لأنها لم تطأ أرض مصر كما ذكر المؤرخون.

ومنها قبر عبد الرحمن بن عوف المنسوب إليه في البصرة، فقد مات في المدينة ودفن بالبقيع.

ومنها قبة في نصيبين وهي في الشام (جنوب تركيا حالياً) وهذه القبة على قبر منسوب لسلمان الفارسي، مع أنه قد مات في المدائن.

ومنها قبر أبي بن كعب في دمشق: قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (27/460): (وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال إنه قبر أبى بن كعب وقد اتفق أهل العلم على أن أبيا لم يقدم دمشق وإنما مات بالمدينة فكان بعض الناس يقول إنه قبر نصراني وهذا غير مستبعد).

ومنها قبر أبي الدرداء: المدفون في مدينة الإسكندرية، فإن أهلها يجزمون أن المقبور عندهم هو أبو الدرداء، وأهل العلم يقطعون أنه ليس هو أبا الدرداء.

وهناك الكثير من القبور المنسوبة إلى كثير من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والدين وهي كذب لا صحة لها تأريخياً.

تراجع: "مجموع فتاوى" شيخ الإسلام "مجلد الزيارة"، وغيرها.

المبحث التاسع: بعض عجائب اعتقادات القبوريين:
1- منها أن الولي الواحد له عدد من الأضرحة في عدة بقاع من بلاد المسلمين وغيرها، وقد قال القبوريون مبررين سبب تعدد هذه الأضرحة: إن الأرض لأجسام الأولياء كالماء للسمك، فيظهرون بأماكن متعددة في الشام ومصر والعراق وتزار كل هذه الأمكنة وإن تعددت الأضرحة لرجل واحد.

2- ومنها ارتياد الناس في بنجلاديش لمزارات فيها سلاحف وتماسيح يعتقد بعض الجهال فيها النفع والضر، فيقدمون لها أنواع الأطعمة لها أملاً في الحصول على وظيفة أو غير ذلك، وتحرص بعض النساء على مس هذه الحيوانات أملاً في حدوث الحمل والذرية، وسبب هذا الاعتقاد أنهم يرون أن هذه تحولت من أولياء صالحين إلى سلاحف وتماسيح.

3- وهناك مزارات تحتوي على أشجار يعتقد فيها، وتعلق على أغصانها الخيوط والخرق.

4- وهناك ضريح في السودان في (ود مدني) للشيوعي الصيني يانغ تشي تشنج، فقد أصبح هذا الشيوعي الملحد من أولياء الله الصالحين عند القبورية !!.

5- قبر جلال الدين الرومي بالقاهرة كتب على قبره: (صالح للأديان الثلاثة) !! أي: يصلح لزيارة المنتسبين للمسلمين اليهود والنصارى، وغيره إنما خاص بديانة واحدة.

6- ومن العجائب التي يتعجب منها المسلم هو أن في هذه الأضرحة أنواعاً من التخصصات، فهناك من الأولياء ما هو متخصص بأمراض العظام، ومنها ما هو متخصص في العقم، وآخر في تزويج العانسات، وآخر في إعانة طلاب المدارس الذين يمرون بالامتحانات، إلى غير ذلك، فكل ولي له تخصص وهذا من العجائب.

المبحث العاشر: أسباب انتشار هذه المزارات:
وانتشار هذه المزارات لها أسباب، منها: الكسب المادي الكبير الذي يعود على سدنة هذه الأضرحة فليس للولي من هذا الضجيج إلا الاسم، وإلا فالفائدة هي للسدنة.

2- الترويج لها ممن فسدت عقائدهم، وتعلقت بها قلوبهم.

3- ترويج أعداء الإسلام لمثل هذه المزارات، ونشرها في مجتمعات المسلمين، لغرض إبقاء المسلمين مأسورين لمثل هذه الخرافات وهذا الضعف العقدي.

وإن كثيرا من هذه الزيارات تصور ويراها الكثير من الغربيين في الدول الغربية فينفرون عن الإسلام لما يرون من مظاهر تعظيم الموتى.

الفصل السادس: التعامل الصحيح مع أهل القبور:
وقد علمتنا هذه الشريعة العظيمة التوسط في كل شيء، ومن ذلك التوسط في معاملة أهل المقابر، فالناس في معاملة أهل المقابر على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول أهل الجفاء: وهؤلاء الذين يسيئون إلى الموتى ببناء المدارس على القبور وبناء المساكن والمصانع، واتخاذها طرقاً للسيارات، ومكاناً للنفايات ونحو ذلك.

الصنف الثاني أهل الغلو في أهلها: وهؤلاء الذين يصرفون الدعاء والاستغاثة والنذر والذبح ونحو ذلك، مما لا ينبغي صرفه إلا لله تعالى، ومما يعد صرفه لغير الله من الشرك الأكبر، وتجب محاربته، والنهي عنه، لأنه مخالف للتوحيد الذي هو حق الله على الناس.

قال تعالى: (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير0إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون0وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) فأخبر أن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من الشرك، وأنها عبادة تصرف للمخلوق من دون الله سيتبرأ منها هؤلاء الأولياء يوم القيامة، وأن هذا كفر الله تعالى، إلى غير ذلك من الآيات.

الصنف الثالث المتوسطون في معاملة أهل القبور: فليسوا غلاة فيهم، ولا جفاة في حقهم.

وقد علمنا رسول الله التوسط في معاملة أهل القبور بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا على القبور ولا تجلسوا عليها) رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي، فالنهي عن الصلاة إليها إشارة إلى ما يحصل عندها من الغلو فيها، والنهي عن الجلوس عليها إشارة إلى ما يحصل من الجفاء مع أهل هذه المقابر.

فالتوسط في معاملة القبور مطلوب، والخروج عن هذا التوسط يصير القبور أوثاناً تعبد من دون الله، وقد نهاهم رسول الله عن زيارة المقابر في بداية الإسلام فقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) لأن المجتمع المكي حينها كان حديث عهد بالشرك وتعظيم الصالحين، فكان من الحكمة أن ينهى عن زيارتها حتى يرسخ الإيمان والعلم في النفوس، وبعد ذلك أبيح لهم أن يزوروها، وأيضاً قد قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً) رواه أحمد وغيره عن أبي هريرة وسنده صحيح، وهذا في قبره وهو أفضل القبور فكيف بغيره ؟؟ فهذا يدل على أن من الناس من يتعلق قلبه بالقبور وأهلها، لذلك رسمت لنا الشريعة طريقة سليمة، ومنهجاً صحيحاً للتعامل مع هذه القبور عند زيارتها وذلك يظهر بأمور:

الأول: أن ينوي عند الزيارة أن يحسن إلى نفسه، وذلك بتذكر الموت وبالامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) رواه مسلم.

الثاني: أن ينوي الإحسان إلى الميت وذلك بالدعاء والاستغفار له، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار للميت في عدة مواضع منها أحدها: عند الصلاة على الميت بعد التكبيرة الثالثة، وعند دفنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (استغفروا وسلوا له التثبيت لأخيكم فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود وغيره عن عثمان بن عفان وسنده صحيح، وعند زيارة المقابر، فقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول عند زيارة المقابر: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم عن بريدة، وهذا يدل على أن الميت أحوج ما يكون إلى دعاء الحي واستغفاره له والترحم عليه، وليس الحي هو المحتاج للميت، والعجيب أن بعض الناس صار يطلب من الميت قضاء الحوائج وتفريج الكرب، وكأن الحي هو المحتاج إلى الميت فعكسوا المسألة، وقلبوها رأساً على عقب.

الثالث: أن لا يسافر من أجلها، ولا تشد الرحال إليها، لأن هذا من أقوى الأسباب الموصلة إلى الشرك، وفي الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه.

الرابع: أن لا تحصل عندها شيء من العبادات الظاهرة التي توصل إلى الشرك بالله تعالى كالذبح والطواف والدعاء والصلاة والسجود وغير ذلك، ولو قصد أن يفعلها لله.

الخامس: أن لا يطلب منها قضاء الحوائج وتفريج الكرب، وشفاء المريض، ورد الغائب، والنصر على العدو، وسؤال الولد، لأن هذا كله لا يقدر عليه إلا الله، ومن طلبه من غير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، كما لو صرف الصلاة والسجود لغير الله، ولا فرق بين هذه الأشياء فكلها من العبادات.

خاتمة:
وفي الأخير أرجو من كل مسلم أن يحذر من كل أصناف الشرك وصوره وألوانه، ولاسيما مع هذه الأزمنة التي كثر فيها الملبسون في الوقت الذي عظم فيه جهل المسلمين بدينهم، نسأل الله أن يبصر المسلمين بدينهم وأن يردهم إليه ردا جميلا.

كتبه: أبو عمار علي الحذيفي.
[email protected]
إمام وخطيب مسجد الخير بالفتح / التواهي – عدن. اليمن.
ربيع الأول /1441 هـ

بارك الله فيك اختي

موضوع ممتاز ورائع

الله ينور طريقك ويوفقك يااارب

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امة الرحمان خليجية
بارك الله فيك اختي

موضوع ممتاز ورائع

الله ينور طريقك ويوفقك يااارب

وجزاك الله خيرا..خليجية

للرفع …..

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.