ويرى أن الأولى غض الطرف عنها، وترك كل واحد وما رأى.
1- أن السكوت عن البدع والمحدثات، مصادم لما دلت عليه النصوص الشرعية من وجوب ردها وإبطالها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم. وكما في قوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه وكما في قوله صلى الله عليه وسلم (القدرية مجوس هذه الأمة إذا مرضوا فلا تعودهم وإذا ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود والترمذي.
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم (الخوارج كلاب النار) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني وغير ذلك من الأحاديث.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أمته عن البدع وهو أحرص الناس على هذه الأمة كما قال تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) فعلى أتباعه حقاً وصدقاً أن يتبعوه في هذا الباب أيضاً،فيحذروا الأمة مما حذرها منه نبيها صلى الله عليه وسلم.
2- أن السكوت عن البدع غش للأمة، وخيانة لها، لأن البدع من موجبات غضب الله وسخطه، لقوله صلى الله عليه وسلم (وكل ضلالة في النار) ولقوله صلى الله علي وسلم في شأن الذين يذادون عن الحوض يوم القيامة (فأقول يارب أمتي أمتي!! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقاً، سحقاً) متفق عليه .
والبدع بريد الشرك فكثيراً ما جرت البدع أهلها أن عبدوا غير الله فخرجوا من الإسلام ثم ماتوا على الشرك الأكبر والعياذ بالله.
3- أن السكوت عن البدع من أسباب طمس معالم الدين الحق، لأن السكوت عنها يؤدي إلى انتشارها وظهورها، والناس أسرع ما يكونون إلى الباطل، وإذا ظهرت البدع خفيت السنة، وقل من عمل بها، بل قل من يفرق بين السنة والبدعة، وتقرر عند عموم المسلمين أن الحق هو الباطل وأن الباطل هو الحق، فإذا أنكر عليهم شيئ من البدعة قالوا هذا ينكر دين الله ورسوله والله المستعان.
4- أن السكوت عن البدع من أسباب تفرق الأمة، لأن باعث البدع الهوى، والأهواء مختلفة، فيبتدع هذا بدعة، ويبتدع آخر ما يضادها، فيحصل بينهما الشقاق، والنزاع، والاختلاف، في سلسلة غير منتهية الحلقات من الاختلاف.
ومن أجلى صور تفريق البدع للأمة ما استمر عليه الحال في المسجد الحرام من تعدد الجماعات على حسب المذاهب الأربعة مدة تزيد على ثمانمئة سنة، حتى قضى الله على هذه البدعة المنكرة بدخول الملك عبد العزيز إلى مكة المكرمة فجمع الناس على إمام واحد فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء، فالناس لا يجمعهم إلا الحق إن رغبوا في اجتماع الكلمة، وذلك ما أمر الله به كما في قوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً).
5- أن السكوت عن البدع والمحدثات سبب في هوان الأمة الإسلامية، وضعفها، وتسلط عدوها عليها، وذلك أن الله وعد الأمة بحفظها من العذاب والهلكة ما دام فيها المصلحون كما قال تعالى (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) وأي إصلاح إذا سكت أهل العلم عن إنكار البدع والحوادث؟!. وقال تعالى (وأن لو استقموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً) فهل من ركب البدع، وتنكب السنن ممن استقام على الطريقة التي أمر بلزومها، وإذا سكت أهل العلم فمتى سيعلم الناس أنهم على غلط في دينهم.وقال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) فهل المجتع الذي تسوده البدع والمحدثات ممن توفرت فيهم شروط التمكين في الأرض. وقال تعالى (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) فهل الساكتون عن إنكار البدع أو من يحارب إنكار البدع ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر؟!
وحين استقام الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون لهم بإحسان على السنة فلم يبدلوا ولم يحدثوا ولم يقروا ما ظهر من البدع ورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها كما وعدهم في زمن قصير، وأمد وجيز في عمر الفتوحات، ومن عرف مدى انتشار البدع والمحدثات العقدية والقولية والعملية في الأمة اليوم لا يتعجب من ذلها وهوانها وتفرقها وتسلط عدوها عليها، نسأل الله أن يرفع الكربة، ويكشف الغمة، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين إلى مافيه صلاح أحوالهم ومعادهم.
6- أن السكوت عن البدع والمحدثات نقض للميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم من البيان وعدم الكتمان وتوعدهم بأشد العقوبات إن كتموا ما لم يتوبوا ويصلحوا ويبينوا قال تعالى (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) فمن عقل هذه الآية وأمثالها أيتجاسر على كتمان الحق مع القدرة على البيان؟ أو يتاجسر فيدعو إلى السكوت عن البدع والمحدثات مداراة للناس ومراعاة لخواطرهم.
7- أن الذي يفرق الأمة ويشتت الكلمة هو من أحدث في دين الله لأنه حاد عن الصراط المستقيم، وشذ عن الجماعة الذين اجتمعوا على الحق من أهل السنة، فقصارى ما يفعله منكر البدعة هو دعوة من شذ إلى العودة إلى الجماعة فإن فعل فقد أحسن، وإن أبى فهو الذي فرق المسلمين شيعا، ولهذا أمر الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير ثم حذرهم أن يتفرقوا كما تفرق من قبلهم، وذلك أن الناس إذا دعوا إلى الحق فواجبهم قبول دعوة الحق ولكن الذي يحصل غالبا هو أن يستجيب القلة للحق، ويأبى الأكثرون وبذلك يوقعون الفرقة في الأمة، ولو تصور أنه لم يستجب أحد لداعي الحق لكان وحده هو الجماعة وأولئك الذين فرقوا دينهم وفي هذا يقول تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).
وبعد:
فهذه بعض الأضرار والمفاسد التي تترتب على السكوت عن إنكار البدع والمحدثات، ومنها يتبين غلط هذا القول ومجانبته للصواب إذ ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا يؤيده عمل السلف الصالح الذين أنكروا البدع بألسنتهم وأقلامهم، وجانبوا أهلها، وكشفوا للناس عن وجوه الحقائق حتى لا يستزلهم الشيطان، وصبروا على ما لقوا في سبيل ذلك من الأذى العظيم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وصدق الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بدعه ضلاله وكل ضلاله في النار