تخطى إلى المحتوى

صديق يحاربه الزمن قصة جديدة من خربشات قلمي

صديق يحاربه الزمن .. قصة جديدة من خربشات قلمي

كعادته الصباحية مر "حسن" ليوقع في كشف الحضور بعد أن حمله الساعي من الاستقبال في الثامنة والربع وجاء به لمكتبي ، حسن صاحب الابتسامة الهادئة والنفس الطيبة، ذاك الزاخر بالطموح شخص من عالم آخر مليء بالحماس والثقة والأفكار الخلاقة لكنه للأسف .. متأخر دوما..
هذا الحسن حكاية غريبة بدأت في شارعنا الرملي الذي كان يخترق بيوت المشرف القديمة وينتهي عند البحر..
لا أعرف أي صدف تلك التي تربط حياتي به ، هو جار الطفولة الذي كان يكسب (يهال الفريج ) بلعبة التيلة و(الكيرم) وحتى بكرة القدم التي كان يسدد فيها أهدافا أكثر ، أسميناه ( الكسيب ) من كثرة ما يفوز علينا..
حسن ابن العم ناصر الرجل الطيب الذي يجمعنا كل جمعة لنتلو عليه ما حفظنا من آيات القرآن في أسبوعنا ذاك، وأمه الخالة شمسة التي توزع علينا صحون الحمص المطهية (النخي ) وهي تدعو لنا بالهداية والعقل ..
كنا نستعد لدخول العام الدراسي الجديد حين رحل حسن وأمه وأهله من الفريج، ولم نسمع عنه شيئا سوى أنهم عادوا إلى مدينة العين، ولم يبق من أثر حسن وأخواته الصغيرات سوى بيتهم الذي قطنه فيما بعد أناس آخرون، وشجرة اللوز التي ارتفعت عاليا فبدأنا نقذفها بالأحذية كي نصل لحبات ثمرها..

لا أعرف أي صدف أهدتني لقاءه على مقاعد الجامعة في أول يوم دراسي لنا، كانت مشيته المرحة تشي بنشوة فرحه بالجامعة وحين رأيته أحسست بشعور غريب يشدني إليه لكني لم أدرك أني أمام حسن إلا حين رأيت شقيقه الأكبر حمد يقرأ له تعليمات التسجيل، انطلقت ساقاي تجريان كطفل ووقفت أمام حمد الذي لم تتغير ملامحه المخزنة في الذاكرة محاولا تذكر اسمه الذي ردمه النسيان، وعيناي موجهتان لليافع الذي قفز تعجبه من عينه وهو يتأملني ، هذا اليافع الذي لا أعرفه هو بالتأكيد حسن الكسيب أخو ذاك الشاب الذي نسيت اسمه ..
قال : نعم ..!
فأجبت: حسن .. أنت حسن الكسيب..
ازدادت حدقته السوداء ضيقا وتلاقى حاجباه عاقدا ( النونة) وقال : من ؟؟
قلت له بفرح: أنا سعيد، سعيد من المشرف الجديم .. نسيت المشرف !!
لم يتكلم .. لكني أحسست ومضة تبرق من عينه قبل أن يلفني بذراعيه ليحتضنني بقوة السنين التي كبرنا فيها بعيدا عن بعضنا ..
بعدها مضينا نستقبل يومنا الأول في الجامعة والحياة ..
تعجبت كيف أننا سجلنا في نفس الكلية وذات المحاضرات، توطدت علاقتنا وعدنا نستعيد ما مضى من العمر..
عرفت أنهم باعوا منزل المشرف بسبب نكسة مالية تعرضوا لها، وعادوا للحياة في مزرعة ورثتها أمه من جده، والده لم يحتمل الحياة طويلا تحت وطأة الديّن والألم فمات تاركا حمد وحسن يواجهان مخالب طالبي المال ومخالب تعب الحياة .
قال لي يوما وهو ينفث سيجارة من قهر: أتدري .. اكتشفت أن هناك شيء ما في الزمن يعيقني عن المضي، دوما أصل متأخرا حتى على الحزن..!
ابتسمت وأنا أعيد له جملة من إعلان مروري : أن تصل متأخرا .. خيرا من أن لا تصل أبدا ..!
بادلني بابتسامة طفيفة وأكمل نفث ( القهر) ..
سيجارته هي أسوأ عاداته، اكتسبها بعد أن طحنته الدنيا مبكرا، وقست عليه بعنف لتجعل منه رجلا لم أكن أتوقعه، بقي من حسن الكسيب صبي الفريج الأول ابتسامته وجرأته وشهامته العظيمة..
قبل التخرج بسنة كان شقيقه يكمل دراسته في استراليا حين انتكست حالة والدته الصحية، ترك حسن دراسته وحمل أمه ليطوف بها على الأطباء في الدولة وخارجها، تخرجنا نحن وبقي كرسيه شاغرا في حفل التخرج بينما كان يشغل كرسي الطائرة عائدا بوالدته مع جملة ( لا أمل في العلاج ).
حين توظفت في هذه المدرسة عاد حسن لمقاعد الجامعة ليكمل ما فاته ، وحدي بقيت صديقه القريب لأنه لم يستطع أن يستوعب فقدان دفعة كاملة من الأصدقاء فآثر أن لا يعقد صداقات جديدة يفقدها فجأة.
حين أتواصل معه وألتقيه ليخبرني قفشاته ونوادره الجديدة أشعر بالرغبة إلى أن أكون أنا هذا الشخص الذي يزيح وجهه مخفيا نظرة الخوف التي تطل من عينه كلما سألته : ما أخبار الوالدة؟
حين تخرج حسن ساعدتني الظروف وتم تعينه في أبوظبي، برغم أنه كان يخاف ترك والدته المريضة التي اصطحبها معه لأبوظبي بعد عمر مديد من الفراق، حاولت جهدي لأساعده فلم أستطع إلا أن أنقله لنفس المدرسة التي أعمل فيها سكرتيرا علي أستطيع تقدير ظروفه أكثر من غيري.

منذ جمعتنا الجامعة وأنا أعرفه متأخرا على المواعيد، مواعيد المحاضرات التي يصلها بعد بدئها بربع ساعة وأحيانا بنصف ساعة، ومواعيد مشاويرنا التي يتأخر عليها قرابة الساعة وربما أكثر، ومواعيد الطبيب التي يؤجلها عدة مرات في الأسبوع وحتى مواعيد الحلاق الذي يطارده بالاتصالات دوما كي يرحم شباب لحيته النافرة!!
كل هذا اعتدته ولكني لم أتوقع أن يكون متأخرا على مواعيد العمل ، وحين حدثته مرة عن تأخيره قلّب السكر في فنجان قهوته وقال: لن أقتل نفسي لأحقق شيء لن يحصل، على مدى سنين حاولت أن أوطد علاقتي مع الوقت إلا أنه كان ينفر مني أكثر في كل مرة، في أيام الدراسة وفي أيام الحياة وحتى في الحب، حين نبض قلبي اكتشفت أني تأخرت في النبض لأن من أحببتها خطبت لشخص غيري قبل أن أبوح لها بأيام .. هل تصدق ؟؟!
كانت جارتي، تغدو وتروح أمام عيني أراها كل صباح وهي تحمل كتبها الجامعية وتنتظر الحافلة أمام باب المنزل، اسمها ( وفاء) أشعر بموسيقيته كلما تحدثت عنها أختي، أعشق حضورها وألوان ملابسها وأريج تحيتها الصباحية القصيرة حين تقول: "صباح الخير" ، أجدها قريبة حولي بروحها الشفافة ونظرتها التي تفيض حبا، وحين انتصرت على ترددي وأرسلت أختي لتخبرها رغبتي مشاعري ورغبتي بالارتباط بها ، انسابت دمعتها ساخنة أمام شقيقتي وأخبرتها أني وصلت متأخرا !!
يطوي أوجاعه بصمت ثقيل قبل أن يرتشف قهوته ويتابع : هل تصدق .. أصحوا مبكرا، أرتدي ملابسي على عجل وحين أفتح الباب لأخرج من المنزل يحصل شيء ما يؤخرني، وإذا حصل وخرجت مبكرا أجد حادثا أمامي أو تتعطل سيارتي، هذه حكاية أزلية لن تنته معي أبدا، هي كالعجلة تدور وتخرج المفاجآت ، كل يوم هناك جديد يؤخرني ، هذا النهار كنت أتناول إفطاري حين انسكبت القهوة على ثيابي، ذهبت لأغير ملابسي فلم أجد ثوبا مكويا، بدأت بالكي لتحترق الكندورة من وطأة الحرارة، شعرت بغصة وناديت أختي التي أعطتني ثوبا آخر كانت الساعة تشير للثامنة حينها ، ركبت سيارتي وجئت للعمل كما ترى..
تأخيره حكاية أزلية لن تنته أبدا، تماما كاستمرارية حكاية (وفاء) الفتاة التي أحب ووصلها متأخرا، يجد في ذكرها لذة وأجد في ذكرها عذابا يمارسه على نفسه، يكتب لها القصائد وينسج لها الحكايات، لكن وفاء التي يعشقها رحلت بعد أن قتل أملها صمته الطويل وآثرت اللحاق بالنصيب بدل انتظار الحبيب .. المتأخر.
حين جاء حسن اليوم إلى مكتبي لم ينبس ببنت شفة وقع في الدفتر وانصرف، تبعته أنا إلى غرفة المعلمين، كان يضع رأسه بين كفيه بينما يستند على الطاولة بالكوع ، ناديته فرفع نظره لي: حسن ماذا بك .. حتى صباح الخير لم تقلها ..!
أجاب باضطراب: سامحني .. أنا لم أنم طيلة الليل .. كانت ليلة مضطربة جدا..
سحبت الكرسي لأجلس أمامه، وقلت كي أخفف عنه: حسن ، إن كنت مرهقا عدّ للمنزل، سأوزع حصصك على المدرسين..
أمسك بيدي وقال: أشر علي..!
بماذا ؟؟ قلت وأنا مستغرب.. زفر بحرقة وقال: رأيت وفاء !!
صدمني بالكلمة وكدت أن أطلب منه تكرارها كي أستوعب لكنه تابع : رأيت وفاء البارحة..!
أحسست أنه بدأ يهذي وضعت يدي على جبهته لأعرف حرارته فصاحبي ليس من العابثين بالأعراض وتلك الفتاة في حكم المتزوجة .. أمسك يدي وهو يزفر بحرقة: خطيبها بعد عقد القرآن طلقها ..
ماذا .. طلقها .. لماذا؟
بدون أسباب ظاهره.. يقول: نصيب ..
وأنت ماذا تظن.. سألته وأنا أعلم أن هناك أمر ما ..
أجاب بعداء: السافل قتله تمنع وفاء عن الانجراف وراء نزواته .. عقد عليها ليسلب عفتها ثم يطلقها !!
يااااه .. اسودت الدنيا في عيني .. ما هذه النذالة.. هل يهذي صاحبي أم أنه أثر السهر .. وددت لو أسأل : كيف عرفت ؟ لكنه أجابني بسرعة: التقيت وفاء بالمستشفى وأنا أصرف دواء لوالدتي .. كانت منهارة عصبيا .. رأتني فبكت .. أخبرتني بإيجاز .. ومن البارحة والأرض تميد بي ..
وضعني بكلامه في موقف حرج، لم أعرف بم أرد .. غريب أمره ، بماذا يريدني أن أشير عليه ..
سألني : هل تثق بي ؟ وبتفكيري..
أجبته بسرعة: نعم .. فأنت أخي الذي أعرفه مثل نفسي، رجاحتك وعقلك أكبر من كلماتي..
ابتسم وقال: كن شاهدا إذن .. سأتزوج .. سأتزوج وفاء!

العذوب..
أبوظبي مارس 2024

(العذوب) القصة كتير كتير كتيلا حلوة ….

حاسة اني اندمجت مع احداثها …

واحلى من كل شيء كانت النهاية …لما قرر انو يتزوج حبيبته …

الله يوفقك…في انتظار جديدك:22 (14): …

يـــــــــــــاه يالعذوب…

احببــــت اسم ( حسـن )

علما اني لم اكن اطيقـــ هذا الاسم…

عجبـي كيف تتغير الاذواق بين ومضة واخرى

" حســـــــــن "

نموذج حي في زمننا هذا…

زمن تتبدل فيه القيم وتختلف فيه المعاييـر على حسب اهواء ورغبات البشـر..

وفي الاخر..

دائما تكون للنصيب كلـمه ودور

رائعــ ماكتبتي…

تسلسل افكاركِ جعل القراءة سهله وميسره

وفقتِ

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمرRAK خليجية
(العذوب) القصة كتير كتير كتيلا حلوة ….

حاسة اني اندمجت مع احداثها …

واحلى من كل شيء كانت النهاية …لما قرر انو يتزوج حبيبته …

الله يوفقك…في انتظار جديدك:22 (14): …

قمر ..

مرورج نوّر موضوعي ..

لج ألف شكر يا الغالية

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيا خليجية
يـــــــــــــاه يالعذوب…

احببــــت اسم ( حسـن )

علما اني لم اكن اطيقـــ هذا الاسم…

عجبـي كيف تتغير الاذواق بين ومضة واخرى

" حســـــــــن "

نموذج حي في زمننا هذا…

زمن تتبدل فيه القيم وتختلف فيه المعاييـر على حسب اهواء ورغبات البشـر..

وفي الاخر..

دائما تكون للنصيب كلـمه ودور

رائعــ ماكتبتي…

تسلسل افكاركِ جعل القراءة سهله وميسره

وفقتِ

هيا ..

نشرت القصة في مكانين ..

وأعطيتها زميل لي ناقد للأعمال الأدبية ..

كل من مر أطرى علي كثيرا .. إلا زميلي الناقد لأنها وظيفته .. لكنه أعطاني دفعات الثقة في هذه القصة ..

على كثرة الآراء ..

لا رأي جاء بروعة رأيك

أثلجتي صدري

وأعطيتين الدافع للأفضل

شكرا

شكرا

شكرا

مشكووووووووره

قصه رائعه تتكلم عن اخلاص معدومه في زمانا زمان يخونك اقرب المقربين ويرمي بك في طريق الضياع والشتات

ولكن حسن بقراره يقول الدنيا فيها ناس تحمل قلوب طيبه ومشاعر صادقه

شكرأ يا العذوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.