فوالله كلما كبرنا وكبر أبناؤنا شعرنا بمرارة ما تحملته أمهاتنا وتكبّدته في تربيتنا إلى أن أصبحنا أمهات، بتنا نعاني في تربية أبنائنا، وأصبحنا ننتظر الوقت الذي يمر ليعتنوا بنا ويريحونا من مسؤولياتهم بعد أن يعتمدوا على أنفسهم. لأن اعتمادهم على أنفسهم والتخلص من الاعتماد علينا شيئاً فشيئاً هو السبيل الوحيد الذي يهوّن علينا شقاء التربية وهموم جيل لم نعد نربيه بمفردنا.
فوسائل الإعلام، والشارع، والمجتمع الذي يعيش فيه الواحد من هؤلاء الأبناء يربي بطريقته وبأسلوبه لدرجة أصبحنا نشعر فيها بقلق ومسؤولية أكبر.تصوّروا هموم الأم العظيمة التي تحمل أرقاً وقلقاً على أبناء يكبرون أمام عينها وهم ينعمون بصحة وعافية، وعزاؤها الوحيد في أنه سيأتي اليوم الذي ترتاح فيه من هذه المعاناة، هذه الهموم تقودني اليوم للحديث عن أم أخرى ربما تفوق معاناتها في تربية أبنائها معاناة أمهات كثر،
وتختلف عنهن منذ لحظة ولادة طفلها وحتى يكبر.. فإذا كانت الأم تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يبدأ فيها الابن أو الابنة بالاعتماد على نفسه، فإنها لا تنتظر هذه اللحظة مطلقاً لأنها لن تأتي وإذا كانت الأم تعتقد بأنه كلما كبر ابنها صغرت مسؤولياتها نحوه، فإن هذه الأم التي أتحدث عنها كلما كبر ابنها كبرت مسؤوليتها تجاهه..
والله عندما تقترب من هذه الأم في حياتها اليومية منذ ولادة طفلها، وعندما تتابع عن كثب كيف تحتمل معاناة الطفل ومعاناتها معه في مجتمع لا يوفر لطفلها ما يوفره للآخرين بالقدر نفسه، تشعر كل أم منا بأن معاناتها شيء لا يذكر أمام معاناة أم طفل «مُعاق» مهما اختلفت إعاقته. نعم والله إنها معاناة نفسية واجتماعية تمتد آثارها إلى الجانب الصحي، ومع ذلك تحتمل الكثير وتحتمل إعاقة ابنها الذي يساوي عينيها.
لذا فإن رسالتي اليوم أوجهها لكل أم لديها طفل معاق لأقول لها إنك اليوم وكل يوم تستحقين التكريم، دعاءً بأن يكلل الله جهودك بالنجاح، فكون ابنك معاقاً فذلك لا يعني نهاية العالم، وكونك حرمتِ من أن ترينه كإخوته وقرنائه فذلك ابتلاء من الله يستحق الشكر والحمد.
إن رسالتنا لك بأن تطالبي دائماً بحقوق هذا المعاق، وأن لا تفقدي الأمل، فأنت وحدك أكثر من يعاني وسيشعر بمعاناته، فإن صمت عن حقوقه، فمن تنتظرين ليطالب بها؟ لك منا كل الحب والتقدير، لأنك أم عظيمة تفوقين بصبرك واحتمالك عظمة أي أم تعيش على وجه هذه الأرض.
بقلم ميساء بن غدير
