الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين و بعد :
قال تعالى :
(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ).
وقال صلى الله علية وسلم :
الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني استجب لكم )
أفضل العبادة الدعاء.
ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء .
إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرأُ خائبتين .
لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.
فاللجوء إلى الله تعالى فطره فطر الله العباد عليها وهي من أجل الطاعات فالدعاء عبادة لها آدابها التي بها تتحقق الإستجابة ، كما أن هناك صور من الإعتداء على الدعاء سنذكرها
ولقد كثرت في الآونة الأخيرة أدعية غير صحيحة تخالف ماجاء به القرآن والسنة وفيها بعض المخالفات الشرعية كالإعتداء في الدعاء وغيره وهنا سأضع لكن بحث عن الدعاء و آدابه وصور الإعتداء فيه كي لا نقع في المحذور الشرعي ألا وهو الإعتداء في الدعاء حيث قال الله سبحانه وتعالى :" ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحِبّ جوامع الدعاء ، ويَدَع ما سِوى ذلك ، كما قالت عائشة رضي الله عنها .
وعلى المسلم أن يختار من الدعاء ما يكون كذلك ، أي : ما يتضمّن جوامع الدعاء ، ويبتعد عن الاعتداء في الدعاء .
شروط وآداب الدعاء وأسباب الإجابة :
1- ألا يدعو إلا الله ويخلص في ذلك قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس : " إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله " . رواه الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الجامع .
وهذا الشرط أعظم شروط الدعاء وبدونه لا يقبل دعاء ولا يرفع عمل ، ومن الناس – من يدعو الأموات ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله ، زاعمين أن هؤلاء الصالحين يقربونهم إلى الله ويتوسطون لهم عنده سبحانه وأنهم مذنبون لا جاه لهم عند الله فلذلك يجعلون تلك الوسائط فيدعونها من دون الله , والله سبحانه وتعالى يقول: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) البقرة/186
2- أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة على النبي – صلى الله علية وسلم ويختم بذلك
3- اليقين بالإجابة وحسن الظن بالله قال صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي " رواه البخاري (7405) ومسلم (4675) وفي حديث أبي هريرة : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة " رواه الترمذي , وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245).
فمن ظن بربه خيراً أفاض الله عليه جزيل خيراته , وأسبل عليه جميل تفضلاته , ونثر عليه محاسن كراماته وسو ابغ أعطياته .
4- أن يتوسل إلى الله بأحد أنواع التوسل المشروعة أن يتوسل إلي الله بأسمائه الحسني وصفاته العلى أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه أو بدعاء رجل صالح له .
5- الإلحاح في الدعاء وعدم الإستعجال فإنه من آفات الدعاء التي تمنع قبول الدعاء وفي الحديث: " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي". رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)
وفي صحيح مسلم (2736) : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يتعجل . قيل يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء "
6- حضور القلب فيكون الداعي حاضر القلب مستشعراً عظمة من يدعوه ، قال صلى الله عليه وسلم : " واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ " رواه الترمذي (3479) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245).
7- الدعاء في الرخاء والشدة
8- عدم الدعاء على الأهل والمال والولد والنفس.
9- خفض الصوت بالدعاء بين المخافته والجهر.
10- الإعتراف بالذنب والاستغفار منه والإعتراف بالنعمة وشكر الله عليها.
11- تحري أوقات الإجابه والمبادرة لاغتنام الأحوال والأماكن التي هي من مظان إجابة الدعاء.
12- عدم تكلف السجع في الدعاء.
13- التضرع والخشوع والرغبه والرهبة .
14- كثرة الأعمال الصالحة فإنها سبب عظيم في إجابة الدعاء.
15- رد المظالم مع التوبة . و الدعاء ثلاثـًا .
16- استقبال القبلة. رفع الأيدي في الدعاء. و الوضوء قبل الدعاء إن تيسر.
17- أن لا يعتدي في الدعاء ويتجنب ذلك في الدعاء فإنه سبحانه وتعالى لا يحب الاعتداء في الدعاء قال سبحانه :" ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55
18- أن يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره .
19- التقرب إلى الله بكثرة النوافل بعد الفرائض وهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء .
20- أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال . و لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم إطابة المأكل ، قال سبحانه وتعالى : ( إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ، وقد استبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لمن أكل وشرب ولبس الحرام ففي الحديث : "ذكر صلى الله علبيه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذيَ بالحرام فأني يستجاب لذلك " رواه مسلم (1015)
قال ابن القيم: "وكذلك أكل الحرام يبطل قوته – يعني الدعاء – ويضعفها".
ومن الأمور التي يقصد بها هنا الرباااا فانتبهوا لذلك يا رعاكم الله
21- أن يدعو لإخوانه المؤمنين ويحسن به أن يخص الوالدان والعلماء والصالحون والعباد بالدعاء وأن يخص بالدعاء من في صلاحهم صلاح المسلمين كأولياء الأمور وغيرهم ويدعو للمستضعفين والمظلومين من المسلمين.
22- أن يسأل الله كل صغيرة وكبيرة ولكن بأدب وعدم التنطع في الدعاء
23- أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
24- الإبتعاد عن جميع المعاصي.
25- ألا ينشغل بالدعاء عن أمر واجب مثل فريضة حاضرة أو يترك القيام بحق والد بحجة الدعاء. ولعل في قصة جريج العابد ما يشير إلى ذلك لما ترك إجابة نداء أمه وأقبل على صلاته فدعت عليه فابتلاه الله .
قال النووي رحمه : " قال العلماء : هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام …" صحيح مسلم بشرح النووي (16/82).
كما أن هناك صور من الإعتداء على الدعاء وهي :
النوع الأول: أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك
النوع الثاني: أن يطلب نفي مادل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافر أن لايعـذب أو يخلد في النار، أو لا يبتليه أبدا، أولا يبعثه،
النوع الثالث: : أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه. كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة
النوع الرابع: أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس: أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه، كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، أو كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطاً في الثغور
النوع السادس: أن يسأل ما هو من قبيل المُحال عادة: كأن يطلب ربه أن يرفع عنه لوازم البشرية بأن يستغنى عن الطعام والشراب وكأن يسأل النجاح دون دراسة .
النوع السابع: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، فهذا من قبيل تحصيل الحاصل.
النوع الثامن: طلب ثبـوت أمرٍ دل السمع على ثبوته
النوع التاسع: أن يعلق الدعاء على المشيئة، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له)
وذكر تحته حديثين:
الأول: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له
والثاني: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت -، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له .
النوع العاشر: الدعاء عـلى من لا يستحقه. (أي: يظلم في دعائه)
النوع الحادي عشر: طلب تحصيل المحرم شرعاً
النوع الثاني عشر: رفع الصوت فوق الحاجة (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية )
النوع الثالث عشر: أن يدعو ربه دعاء غير متضرع، بل دعاء مدل كالمستغني
النوع الرابع عشر: أن يسمي الله بغير أسمائه.
النوع الخامس عشر: أن يسأل ما لا يصلح له مثل أن يسأل منازل الأنبياء.
النوع السادس عشر: تكثير الكلام الذي لا حاجة له، والتطويل في تشقيق العبارات، والتكلف في ذكر التفاصيل، كأن يدعو ربه أن يرحمه إذا وضع في اللحد تحت التراب والثرى، وبين الصديد والدود، وأن يرحمه إذا سالت العيون وبليت اللحوم، وأن يرحمه إذا تولى الأصحاب، وقسم ماله وترك دنياه، أو يدعو على عدوه أن يخرس الله لسانه، ويشل يـده، ويجمد الـدم في عـروقه وأن يسلب عقله فيكون مع المجانين.. إلخ.
ولا شك أن هذا مـخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتخير من الدعاء أجمعه.
النوع السابع عشر: أن يتقصد السجع في الدعاء ويتكلفه
النوع الثامن عشر: قصد التشهق كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بحيث لا يكون ذلك بسبب غلبة البكاء وإنما هو أمر يعتمده ويطلبه.
التاسع عشر: أن يتخذ دعاءً من غير الوارد في الكتاب والسنة بحيث يصير ذلك شعاراً له يداوم عليه كمن يخصص دعاء معيناً بقوله عند ختم القرآن أو غير ذلك.
النوع العشرون: التغني والـتـلـحـيـن والمطيط
هذا وبالله التوفيق ونسأل الله أن ينفعكم بهذا البحث وينفع بنا ولا يحرمنا الأجر
ونرجوا أن لاتنسونا من صالح الدعاء
ملاحظة : لقد رقمت الشروط والآداب والصور حتى تكون واضحة لمن سيقرأها
وأتمنى من الأخوات المسؤولات بارك الله فيهن أن يثبتن الموضوع حتى فترة معينة لأهميته البالغة شكر الله لكن
وللإستزادة : ينظر كتاب الدعاء لمحمد بن إبراهيم الحمد
أو : هــنـــــا
