حالة تتكرر كثيراً بين أوساط المراهقين حيث أشارت بعض الحوادث إلى تكرار حالات التشنجات العصبية بين كثير من الشباب والشابات دون سبب واضح، وبالبحث عن الأسباب وجد أن غالبية هؤلاء الشباب بعيدون تماما عن التدخين، كما أنهم جميعا تقريباً لا يتعاطون أي مخدرات أو منشطات. ولكن وجد أن جميعهم يتعاطون المياه الغازية أكثر من مرة يوميا خاصة داكنة اللون وهي الأنواع المفضلة بين هذه الشريحة من الشباب.
من ناحية أخرى حذرت عدة دراسات طبية حديثة من الأخطار المتزايدة للشباب الذين اعتادوا على تناول المشروبات الغازية حتى أصبحت تشكل نوعا من الإدمان. فيما ربطت بعض الدراسات والابحاث وجود صلة بين هذه المشروبات وامراض اخرى منها الكساح والكزاز وسرطان المريء وغيرها.
ويرى الدكتور مصطفى نوفل أستاذ علوم الأغذية بكلية طب الأزهرأن هذه المشروبات، خاصة التي تحتوي على مادة “الكافيين”، ذات تأثير ضار في صحة الإنسان بشكل عام، فهي تتسبب في ارتفاع ضغط الدم، وتعرض المعتاد عليها لأمراض القلب حال الإفراط في تناولها
واشار إلى ان نتائج هذه الدراسات دفعت الباحثين والأطباء إلى تحذير مرضى ضغط الدم المرتفع ومرضى القلب من تناول هذه المشروبات لتأثيرها الضار في صحتهم وفاعلية العقاقير الطبية التي يتعاطونها لعلاج حالاتهم الصحية.
ويضيف ان الدراسات أوضحت أن هذه المشروبات عادة ما تحتوي على كميات مرتفعة من الكافيين، ومادة “توريين” وهي عبارة عن حمض أميني يتواجد في المواد البروتينية كاللحوم والأسماك، وتؤثر في وظائف القلب وتعمل على رفع ضغط الدم.
وكانت الأبحاث قد أجريت على مجموعة من المتطوعين تم إعطاؤهم زجاجتين من المشروبات الغازية تحتوي الواحدة منها على 80 ملليجراماً من “الكافيين” و1000 ملليجرام من مادة “التوريين” ولمدة 7 أيام متواصلة وبالمراقبة لوحظ ارتفاع معدلات ضربات القلب بين المشاركين بنسبة 8% في اليوم الأول ارتفعت هذه النسبة إلى 11% في اليوم السابع وذلك بالتدريج منذ بدء تناولهم هذه المشروبات.
ويشير الدكتور نوفل إلى أن دراسة أخرى في هذا السياق أكدت أن تناول المراهقين كميات كبيرة من المشروبات الغازية المحلاة بالسكر تسبب لهم مشاكل صحية وعقلية.
كما لاحظ الباحثون أن المراهقين الذين يتعاطون كميات كبيرة من المشروبات الغازية الغنية بالسكر لديهم مشاكل عقلية وصحية مثل فرط النشاط والتوتر والقيء.
وقد أجرى الباحثون الدراسة على أكثر من 500 مراهق تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً، وأظهرت النتائج بوضوح أن ثمة علاقة مباشرة وطردية متزايدة بين الإفراط في تناول المشروبات الغازية وحالات فرط النشاط والتوتر التي تنتاب المراهقين، حيث كشفت الدراسة عن العلاقة القوية التي ربطت بين تناول المشروبات الغازية والاضطرابات الذهنية مع اعتبار وجود مسبق لأي اضطرابات اجتماعية أو غذائية أو سلوكية لدى هؤلاء المراهقين، أي أن العلاقة بين تناول المشروبات الغازية وظهور الاضطرابات الذهنية لا دخل لها لوجود أي من الاضطرابات الاجتماعية أو السلوكية أو الغذائية المصاحبة.
وتعقيبا على ذلك يقول الدكتور مصطفى نوفل إن تطور صناعة هذه المشروبات مع مرور الأيام يعطينا المؤشر والسبب وراء ظهور هذه الاضطرابات والأمراض المستحدثة معها، أن هذه المشروبات كانت تصنع من خلاصة مادة “الكولا” الطبيعية وهي مادة تستخرج من الغشاء الخارجي لشجرة الكولا التي قل تواجدها في الوقت الحالي نتيجة كثرة الإنتاج وأصبحت مكلفة جدا بحيث لا يتناسب ثمن إضافتها للمنتج مع السعر الذي تقدم به خاصة في إطار عدد من الشركات المنافسة محليا وعالميا، وبالتالي اتجه المنتجون إلى استخدام المكونات الاصطناعية بما تحويه من مواد ذات تأثيرات سلبية في صحة الإنسان.
من هنا فإن الإفراط في تناول هذه المنتجات خاصة بالنسبة للأطفال يتسبب في زيادة فرط النشاط العصبي، كما يزيد من احتمالية التشنجات العصبية بسبب احتوائها على بعض الأحماض الضارة ومنها “حمض الفسفوريك” الذي يتسبب في الإصابة بهشاشة العظام لدى الصغار والكبار من الجنسين.
كما يؤكد الدكتور نوفل أن بعض الأنواع من المشروبات الغازية يحتوي على المحليات الاصطناعية مثل مادتي “الاسيترام” و”الاسزولتام ك” وهي مواد يستخدمها مرضى السكري ومن يرغبون في إنقاص أوزانهم، وهذه المواد تحمل كثيرا من الأضرار بالنسبة لمن يستخدمونها بشكل يومي ودائم، ذلك أن ما تحتويه من مركبات اصطناعية تشكل حملا على الكبد، ذلك العضو الذي يعتبر مصفاة الجسم، هذا الحمل يتسبب في إرباك وظائفه وعرقلتها عن مواجهة ما يحتاج الجسم من مخاطر أخرى ترد إليه عن طريق المأكل والمشرب. كذلك يتسبب في وضع حمل زائد على وظائف الكليتين بالإضافة إلى تأثر الجهاز العصبي بما يظهر في النشاط العصبي لهؤلاء المتعاطين الدائمين لها.
ولذلك فإنه يمكن تعويض الأطفال عن تناول المياه الغازية بتناول العصائر الطبيعية الخالية من المواد المضافة الحافظة والملونة، كما يمكن تعاطي المياه الغازية من وقت لآخر شرط أن تكون من المنتجات فاتحة اللون وأن تستخدم في المناسبات وليس بشكل يومي، وأن تكون خالية من الألوان ذلك أن خطورة تناول هذه المشروبات حتى الفاتح اللون منها بشكل يومي أو كعادة منظمة له أضراره الخطيرة على الأسنان وذلك لاحتوائها على مادة الصودا وهي مادة تعمل على تآكل مينا الأسنان وبالتالي تؤدي إلى هشاشة العظام.
وفي سياق متصل اشارت نتائج بعض الدراسات إلى ان هناك بعض المشروبات الغازية التي تحتوي ضمن مكوناتها على أملاح الفسفور والذي عادة ما يظهر على بطاقة العبوة باسم “ حمض الفسفوريك”.
ورغم ان جسم الإنسان يحتاج إلى أملاح الفسفور بمعدل (800 1200) ملجم، إلا ان نقطة الخلاف تتركز حول كمية أملاح الفسفور بالمقارنة مع الكالسيوم عند تناول الطعام حيث يجب أن يكون معدل الكالسيوم في الجسم متساوياً مع نسبة الفسفور بنسبة واحد إلى واحد (1:1)، في حين أن ارتفاع نسبة الفسفور قد يؤدي إلى امتصاص الكالسيوم الموجود في العظام مسبباً بذلك ظهور أعراض نقص الكالسيوم مثل الكساح عند الأطفال ولين العظام عند الكبار، كذلك حدوث التشنج، أو ما يسمى بالكزاز والذي يحدث نتيجة انخفاض نسبة الكالسيوم عن المستوى الطبيعي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشنجات في العضلات وهي حركات غير منتظمة لا إدارية.
ولا شك في أن استهلاك كميات كبيرة من المشروبات الغازية يزيد من كمية الفسفور في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى خلق عدم توازن بين الكالسيوم والفسفور، لذلك ينصح بالتقليل من تناول المشروبات الغازية واستبدالها بالعصائر الطازجة.
يشار إلى ان أملاح الفسفور تعتبر ثاني أهم الأملاح المعدنية التي يحتاجها الجسم بكثرة بعد الكالسيوم، وذلك لما لها من وظائف مهمة وأساسية بالجسم مثل تمثيل الدهون ونقلها إلى الدم على هيئة فوسفولبيدات، وتمثيل كل من الكربوهيدرات والبروتينات.
كما أن الفسفور يشترك مع الكالسيوم في وظيفة بناء العظام والأسنان.
ويقول باحثون آخرون ان المشروبات الغازية قد تزيد خطر الاصابة بسرطان المريء القاتل.
وقد اظهرت دراسات عدة، قدمت في اجتماع لخبراء السرطان والامعاء في نيو اورليانز، ان ما يأكله ويشربه الناس قد يؤثر في انواع مختلفة من أمراض السرطان.
وقال الدكتور لي كابلان من مستشفى ماساتشوستس العام وكلية طب جامعة هارفارد في بوسطن ان هذه الدراسة تدعم التوصيات الطبية واسعة النطاق بالحرص على تناول طعام صحي.
وخلص فريق من مستشفى تاتا التذكاري في الهند إلى وجود صلة بين ارتفاع معدل استهلاك الفرد للمياه الغازية خلال الخمسين عاما الماضية وزيادة موثقة في معدلات الاصابة بسرطان المريء في الولايات المتحدة.
ودرس اعضاء الفريق بيانات وزارة الزراعة الأمريكية ليجدوا ان استهلاك الفرد من المياه الغازية ارتفع باكثر من 450 في المائة، من 49 لتراً في المتوسط عام 1946 إلى 224 لترا عام ،2019 وخلال الخمسة والعشرين عاما الماضية قفزت معدلات الاصابة بسرطان المريء أكثر من 570 في المائة لدى الرجال الأمريكيين البيض.
وتقول جمعية السرطان الأمريكية ان سرطان المريء اصاب 13900 رجل وامرأة عام ،2019 وتسبب في وفاة معظمهم. ووجد الباحثون ان عدد الاصابات بسرطان المريء يتبع بوضوح الارتفاع في استهلاك المشروبات الغازية. وقد يكون ذلك مصادفة لكنهم وجدوا ايضا بحثا أظهر وجود أساس حيوي محتمل لهذا التأثير، فالمشروبات الغازية تسبب انتفاخ المعدة الذي يسبب بدوره ارتجاع محتويات المعدة إلى المريء وهي حالة مرتبطة بسرطان المريء.
واكتشف الباحثون توجهات مشابهة على مستوى العالم، ففي الدول التي يزيد استهلاك الفرد فيها من المشروبات الفوارة سنويا عن مائة لتر ارتفعت معدلات سرطان المريء. وقال الدكتور الذي قاد الدراسة واسمه مهندس مالاث في بيان هذا الارتباط القوي المثير للدهشة يعكس تأثير النظم الغذائية في اتجاهات الصحة.
وأظهرت دراسة اخرى فائدة محتملة من شرب القهوة والمشروبات الاخرى التي تحتوي على الكافيين، فقد درس فريق من المعهد الوطني لأمراض السكري والجهاز الهضمي والكلى مرضى يعانون من حالات خطيرة بالكبد، ووجدوا ان الذين يشربون كافيين أكثر تقل لديهم مشاكل الكبد.
ودرس الباحثون 5944 مريضاً تزداد لديهم مخاطر تليف الكبد بسبب معاقرة الخمر أو الالتهاب الكبدي أو زيادة نسبة الحديد في الجسم أو السمنة. ووجد الباحثون انه كلما زادت كميات القهوة التي يحتسونها عادت وظائف الكبد إلى طبيعتها. وقال الدكتور جيمس ايفرهارت الذي قاد الدراسة هذه الدراسات تتطلب مزيدا من الابحاث.
المصدر: جريدة الخليج – مجلة الصحة و الطب