السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فعلا خواتي اللي تحس انها تحب القرايه تقراه كله بلا تردد
صح طويل وطويل واااايد
لكن الخطبه هاذي راااائعه بل اكثر من رااائعه جزا الله ملقيها خير الجزاء
أنفلونزا الخنازير
إبراهيم بن محمد الحقيل
أنفلونزا الخنازير (1/2)
الحمد لله العليم الحكيم، أحلَّ لعباده من المآكل أطيبَها، وحرَّم عليهم خبائثَها؛ رحمة منه – سبحانه – بهم، ورعاية لمصالحهم، وحفاظًا على سلامة قلوبهم وأبدانهم، نحمده على شريعته الكاملة، ونشكره على نِعَمه المتتابعة، فكم ساقَ لنا من الخير! وكم دفع عنا من الضر! وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يُردُّ أمره، ولا يهزم جنده، ولا حول ولا قوة إلا به، سبحانه وبحمده، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، جاء بالهدى والرشاد من عند ربه – سبحانه – للإنس والجن كافة؛ {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:فاتقوا الله – عباد الله – وأطيعوه، والزموا شريعته، وتمسكوا بدينه؛ فلا صلاح للعباد إلا به، وإنكم مسؤولون عنه؛ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزُّخرف: 43 – 44].
من رحمة الله – تعالى – بعباده، وإحسانه إليهم لما خلقهم: أنه – عز وجل – آواهم وكفاهم، وأمدَّهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرهم، ورزقهم عقولاً يدركون بها الخير والشر، والنفع والضر، وأنزل عليهم الشرائع لهدايتهم في شؤونهم الدينية والدنيوية.
والغذاء ضروري لبقاء الحياة البشرية، ومن رحمة الله – تعالى – بعباده: أنه – سبحانه – رزقهم غذاءهم لحياة أبدانهم، وأنزل عليهم كتابه لحياة قلوبهم، وفصَّل فيه ما أباح لهم، وبيَّن لهم ما حرَّم عليهم، وفي القرآن سورة الأنعام، فيها ذِكر كثير من أحكام الطعام، غير ما ذكر في سواها من السور والآيات، فلا مجال للنظر في ذلك وقد كفانا الله – تعالى – ذلك بعلمه المحيط بكل شيء، وإنَّ الاعتداء كل الاعتداء في عدم الامتثال لأمر الله – تعالى – فيما أنزل علينا من الآيات، وما فصل فيها من الأحكام؛ {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119].
وسبب الهوى المضلِّ عن سبيل الله – تعالى – بلا علم هو اتِّباع الشيطان، الذي أقسم بعزة الله – تعالى – ليغوينَّ البشرَ أجمعين، والشهواتُ من أوسع أبواب غوايته؛ لأنها موطن ضعف البشر، ومكمن عجزهم، وموقع زلتهم، وما أخرج الأبوين – عليهما السلام – من الجنة إلا شهوةُ الأكل من شجرةٍ ظنَّا أن الخلد فيها، وسبب طلبهم للخلد في الجنة ما وجدوا فيها من لذيذ الطعام والشراب والعيش الرغيد.
إن شهوات البطن والفرج هي أكثر شيء يغزو الشيطان به بني آدم، وطريقة الشيطان في استدراج بني آدم إلى معاصي البطون والفروج هي أخذهم إليها بالتدرُّج خطوة خطوة، حتى يصل الآدمي للمعصية الكبرى؛ ولذا حذر الله – تعالى – من اتباع خطوات الشيطان، وكرَّر ذلك في أربعة مواضع من القرآن:
موضعٌ منها يأمرهم ربهم – سبحانه – فيه بالدخول في كافة شرائع الإسلام، ويحذرهم من خطوات الشيطان الذي يصدهم عن ذلك؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].
وموضعان في سياق ذكر المآكل والمشارب؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168]، والموضع الآخر في سورة الأنعام: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام: 142].
والموضع الرابع في سياق ذكر الزنا والقذف والفواحش؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [النور: 21].
ومعلوم أن شهوة ملء الجوف بالطعام تتكرر أكثر من شهوة الفرج، والمرء يصبر على ترك النكاح ما لا يصبر على فقد الطعام والشراب، فمظنةُ الوقوع في إثم إشباع الجوف بالمحرَّم أكثرُ من مظنة الوقوع في إثم إشباع الفرج بالحرام؛ ولذا كان التحذير في القرآن من خطوات الشيطان في شهوات ملء الجوف على الضِّعف منها في الفرج.
إن من خطوات الشيطان أن يزيِّن للناس أكل بعض المحرمات؛ لتوافرها، أو لرخص قيمتها، أو لتوهم لذَّتها، أو من باب تجربتها حتى يألفوها، وتنبت أجسادهم من الخبائث التي حرَّمها الله – تعالى – عليهم.
ومن خطواته في هذا الباب أيضًا: أن يزين للتجار الاتِّجارَ بهذه المحرمات وتسويقها، والقفز على النصوص التي تحرمها بمعارضتها، أو تأويلها، أو الاحتيال عليها؛ كما فعل أهل الكتاب حين استباحوا ما حرم الله – تعالى – عليهم بأنواع الحِيَل.
والخنزير مخلوق بغيض قبيح خبيث، ابتلى الله – تعالى – به البشرَ، وحرَّمه عليهم تحريمًا شديدًا، كرر التأكيد عليه في أربع آيات من القرآن الكريم:
في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ} [البقرة: 173].
وفي المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].
وفي سورة الأنعام التي عالجتْ مسألة الطعام، وما يحل منه وما يحرم: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].
وفي النحل: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ} [النحل: 115].
قال عدد من المفسرين: "أجمعت الأمَّةُ على أن الخنزير بجميع أجزائه محرَّم، وإنما ذكر الله – تعالى – لحمه؛ لأن معظم الانتفاع متعلق به".
وقال العلامة ابن حزم – رحمه الله تعالى -: "لا يحِلُّ أكلُ شيءٍ من الخِنزِيرِ، لا لحمِهِ، ولا شحمِهِ، ولا جِلدِهِ، ولا عصبِهِ، ولا غُضرُوفِهِ، ولا حشوتِهِ، ولا مُخِّهِ، ولا عظمِهِ، ولا رأسِهِ، ولا أطرافِهِ، ولا لبنِهِ، ولا شعرِهِ".
واشتدَّ فيه قولُ التابعي الجليل قتادة السدوسي – رحمه الله تعالى – فقال: "مَن أكل لحم الخنزير، عُرضت عليه التوبة، فإن تاب، وإلا قُتل"، ولعل سبب تشديده فيه أن الخنزير صار شعارًا للنصارى بعد أن حرَّفوا دينهم، وتلاعبوا بكتابهم، وخرجوا عن شريعة المسيح – عليه السلام – ولذا فإن تحريم الخنزير وقتله من أهم الأعمال التي يقوم بها عيسى – عليه السلام – حين ينزل في آخر الزمان؛ كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَنْزِلَ فِيكُم ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ))؛ رواه الشيخان.
وقد بوب البيهقي – رحمه الله تعالى – على هذا التشديد في الخنزير، فقال: "باب الدليل على أن الخنزير أسوأ حالاً من الكلب، ثم نقل عن الشافعي – رحمه الله تعالى – قوله: لأن الله – سبحانه وتعالى – نصَّه، فسماه نجسًا" اهـ.
والله – تعالى – لما حرَّم أكل الخنزير، فإنه – سبحانه – حرَّم بيعَهُ وثمنه؛ كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إِنَّ الله حَرَّمَ الخَمْرَ وثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ المَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ))؛ رواه أبو داود.
وجاء في السنة ما يدل على الحذر من استخدام آنية الكفار الذين يأكلون الخنازير، ويلطخون أوانيهم بلحمه ودهنه، فلا تستخدم حتى تغسل؛ لئلا يعلق شيء من قذر الخنزير فيها؛ كما في حديث أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ – رضي الله عنه -: أنَّه سأل رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ في قُدُورِهِم الخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ في آنِيَتِهِم الخَمْرَ"، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فيها وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لم تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَارْحَضُوهَا بِالمَاءِ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا))؛ رواه أبو داود.
بل بلغ من تقبيح الخنزير واستقذاره، أن الأعمال المستقبحة المحرمة تمثَّل به؛ من باب التحذير والتنفير؛ كما في حديث بُرَيْدَةَ – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن لَعِبَ بِالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ))؛ رواه مسلم، والنردشير هو النرد، وهي لغة الفرس؛ لأن تلك اللعبة جاءت منهم.
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذِّي به؟! وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره" اهـ.
وأهل علم الحيوان، والمربون للخنازير ومنتجوها، يقرُّون بأن الخنزير أقذر الحيوانات، وأنه يأكل كل مستقذر من الحشرات، والعذرة، وغيرها، حتى إنه يأكل فضلاته، ولو وضع في مكان نظيف، وقدمت له أحسن الأعلاف، فإنه لا يغيِّر طبعه القذر الخبيث.
ومن الثابت شرعًا وطبًّا: أن نوع الأكل، وكثرة اختلاط الإنسان بالحيوان، يؤثران في طبعه وأخلاقه؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الخُيَلاَءُ وَالفَخْرُ في أَهْلِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ في أَهْلِ الغَنَمِ))؛ رواه أحمد، قال أهل العلم: "الغذاء يصير جزءًا من جوهر المغتذِي، فلا بدَّ أن يحصل للمغتذِي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم، ورغبة شديدة في المشتهيات، فحَرُم أكلُه على الإنسان؛ لئلا يتكيَّف بتلك الكيفية"، ويقول ابن خلدون – رحمه الله تعالى -: "أكلَتِ الأعراب لحمَ الإبل، فاكتسبوا الغلظة، وأكل الأتراك لحم الفرس، فاكتسبوا الشراسة، وأكل الإفرنج لحم الخنزير، فاكتسبوا الدياثة".
نسأل الله – تعالى – العصمة مما حرَّم علينا، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمن سواه.
وأقول ما تسمعون وأستغفر.
الخطبة الثانية
لحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:فاتقوا الله – تعالى – وأطيعوه، واحذروا ما يسخطه؛ فإن أخذه أليم شديد؛ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ} [المائدة: 92].
أيها المسلمون:تتوالى على البشر في هذه الأزمان المتأخرة أمراضٌ وأوبئة يخشون فتكها، ويحاذرون ضرها، وخلال السنوات الماضية عرف الناس حمى الوادي المتصدع التي أصابت الأغنام، ثم جنون البقر، ثم أنفلونزا الطيور، التي أثبت كثير من الباحثين أن سببها الخنازير التي احتضنت المرض، فنقلته الطيور منها، لتظهر في هذه الأيام أنفلونزا الخنازير.
والخنزير ثبت تحريمه في شريعة موسى – عليه السلام – وبقيت نصوص تحريمه فيما بقي مما لم يحرَّف من التوراة المحرفة؛ ولذا فإن اليهود الملتزمين بالتوراة المحرفة يحرِّمونه على أنفسهم، ويذكر نصارى الشرق في قاموسِ كتبهم المقدسة: أن الناس في عصر المسيح – عليه السلام – ما كانوا يأكلون الخنزير.
وإنما أحدث النصارى ذلك بعده – عليه السلام – مما حرفوه من دينهم، وغيَّروه من كتابهم؛ ولذا دعا بعض رهبانهم في هذا العصر إلى الامتناع عن أكل الخنازير، وطالبوا بقتلها.
وقد ثبت في أبحاث الغربيين الطبية أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من أربعمائة وخمسين مرضًا وبائيًّا، وهو يقوم بمهمة الوسيط في نقل سبعة وخمسين منها إلى الإنسان؛ ولكن علوهم يجعلهم يكابرون ولو ضروا أنفسهم، وأهلكوا البشر معهم، وانتفاع تجار الخنازير ببيعها يدفعهم لأَسْرِ البسطاء من الناس بالدعايات لمنتجاتهم الخبيثة، والآن يجنون ثمار هذا الاستكبار، ويجرُّون البشرية معهم إلى هوة سحيقة، لا يعلم مداها إلا الله – تعالى – ذلك أن وباء الخنازير لو انتشر لكان طاعون العصر – نسأل الله تعالى العافية والسلامة – والمسؤولون منهم صرحوا بأن الآلاف في أوربا قد يهلكون بسبب وباء الخنازير، ومنظمة الصحة العالمية قد قرَّرت رفع حالة التأهب لمواجهة هذا الوباء إلى الدرجة الخامسة، وهي الدرجة التي تسبق إعلان حالة الوباء العالمي.
ومع كل ذلك، فإنهم لا يزالون مستكبرين عن شرائع الله – تعالى – ويريدون تغيير اسم هذه الأنفلونزا، ليكون اسمها الأنفلونزا النبيلة، أو الأنفلونزا المكسيكية؛ لئلا تتأثر تجارة الخنازير بعزوف شعوبهم عنها.
وقبل ثنتين وأربعين سنة انتشر هذا الفيروس في الصين، فقتل مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، وفي تاريخ إسبانيا ذُكر فيروس للأنفلونزا صدر من ديارهم، فقتل على وجه البسيطة ما يقارب مائة مليون إنسان قبل تسعين سنة من الآن؛ ولذلك خافوا هذا الخوف؛ لمعرفتهم بعواقب انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير في الناس.
إن هذه الأمراض المتلاحقة التي يخافها البشر لَتدلُّ على عجزهم وضعفهم أمام قدرة الرب – جل جلاله -: {وَللَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 7]، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلاق: 12]، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدَّثر: 31]، كما تدل على أن استنكاف البشر عن شريعة الله – تعالى – هو الهلاك في العاجل والآجل، وأن الله – تعالى – لا يظلم عباده؛ بل يجازيهم بأعمالهم؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الكَفُورَ} [سبأ: 17]، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].
وقد بغى المستكبرون في الأرض على شريعة الله – تعالى – وحاربوا المستمسكين بها، وحرفوا الناس عنها، وسكت بقية البشر على ظلمهم وبغيهم؛ إلا من رحم الله تعالى – وقليل ما هم – والله تعالى غيور، يغار على محارمه، ويُخشى على البشر من عقوبات متلاحقة لا تُبقي ولا تذر، فنعوذ بالله – تعالى – من عذابه، ونسأله – سبحانه – أن يلطف بعباده، وألاَّ يعاجلهم بعقابه؛ فلا قوة إلا بالله – تعالى – ولا ملجأ منه – سبحانه – إلا إليه، ولا معاذ منه – عز وجل – إلا به؛ ذلك {أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ} [البقرة: 165]، فلُوذُوا بربكم، وتوبوا من ذنوبكم، وراجعوا دينكم، وخذوا على أيدي السفهاء منكم، قبل أن يحل بكم ما حل بالأمم قبلكم؛ {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
——————————————————————————–
أنفلونزا الخنازير (2/2)
الحمد لله العلي الأعلى؛ أعطى كلَّ شيء خَلْقَه ثم هدى، وأنزل الشرائع، فمَن تمسَّك بها اهتدى، ومَن ضلَّ عنها فقد غوى، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سُلطانه؛ فله الحمد كلُّه، وبيده الخير كلُّه، وإليه يُرجع الأمرُ كلُّه، علانيتُه وسرُّه، وهو إله الخلق كلِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ يُرينا من عجائب خَلقِه ما يأخذ بالألباب، ومن مظاهر قدرته ما يُحير العباد؛ {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73].
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله؛ أيَّده ربُّه – سبحانه – بالآيات، وأجرى على يديه المعجزات، وأنزل عليه الكتابَ هُدًى للناس إلى آخر الزَّمان، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه؛ مَن والاهم كان من أولياء الله – تعالى – ومَن عاداهم كان مِن أعدائه – عزَّ وجلَّ – هم نَقَلةُ الدِّين إلينا، فمن طعن فيهم طعن في دِيننا، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ:فأوصي نفسي وإيَّاكم – عبادَ الله – بتقوى الله – تعالى – وطاعته واجتناب معصيته؛ فإنَّ الفوز في ذلك؛ {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ الله وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 198].
أيُّها الناس:مِنْ حِفْظِ الله – تعالى – لعباده المؤمنين، وتثبيته لإيمانهم، وزيادة يقينهم بدِينهم: أنَّه – سبحانه وتعالى – يُريهم من آيات عظمته وقدرته، ويُظهِر لهم من إعجاز كتابه المنزَّل عليهم ما يَرْبِطُ على قلوبهم، ويدفع الشُّبَهَ عنهم؛ {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، ولمَّا ذكر – سبحانه وتعالى – ملائكةَ النار – عليهم السلام – وتقَالَّهم المشركون واستخَفُّوا بعددهم، علَّل – سبحانه – ذلك بقوله – عزَّ وجلَّ -: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا} [المدَّثر: 31].
وكتاب الله – تعالى – فيه من البيان والإعجاز ما يقطع بصدق النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأنَّه جاء بالحقِّ من ربِّه – تبارك وتعالى – ولا يبقى أمام المنكرين إلاَّ الاستكبارُ والعِناد، ليس غيرُ.
هل تعلمون – يا أيها المسلمون – أنَّ تحريم الخنزير في القرآن من أبينِ البراهين، وأقوى الأدلة على نُبوَّة المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم – وعلى عالمية الإسلام، وعلى التحدِّي به لأقوى الأديان والأفكار إلى آخِرِ الزَّمان، وليس هذا الكلام من باب المبالغة، أو لأنَّنا نَدين بالإسلام، كلاَّ، بل كلُّ عاقل مُنصفٍ – ولو لم يَدن بالإسلام – لا يملك إلاَّ أن يقول ذلك حين يعلم مكانةَ الخنزير عندَ العرب، مع عِلْمه بآيات تحريمه.
لقد جاء تحريم الخِنزير نصًّا في القرآن؛ {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} [البقرة: 173]، وكُرِّر هذا التشديدُ فيه في سور المائدة والأنعام والنحل، ومعلومٌ أنَّ تحريمه لمَّا نزل لم تفتح بعدُ بلادُ الرُّوم ولا العجم، وليس في سيرة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ما يدلُّ على أنَّه يعرف الخِنزير أو رآه، فيحتمل أنَّه رآه لمَّا هاجر إلى الشام في شبابه، ويحتمل أنَّه لم يرَه، وأمَّا هجرته للمدينة، فإنَّ اليهود يُحرِّمونه فلا يوجد عندهم.
وأمَّا أُمَّة العرب في الجاهلية فكانوا لا يأكلونه؛ استقذارًا له، أو هو ممَّا بقي تحريمُه فيهم من دِين الخليل – عليه السلام – لأنَّ الحنفاء فيهم كانوا يحرِّمونه؛ اتِّباعًا لإبراهيم – عليه السلام – ولم يكن في شِعر العرب، ولا نثرهم، ولا تاريخهم – ذكرٌ له، كما ذُكِر غيرُه من بهيمة الأنعام، إلاَّ أنَّ نصارى العرب – ومنهم تغلب – كانوا يأكلونه، وكانت العرب تُعيِّرهم بذلك، كما هجَا "جرير"ٌ "الأخطل"َ بأنَّه يَشمُّ قفا الخِنزير، وأمَّة العرب كانوا يأكلون السِّباع إن وقعت في أيديهم واحتاجوا إليها، ويركبون الحمر الأهلية ويأكلونها – إن احتاجوا – بدليل أنَّ تحريمها كان في خيْبر.
ومع كلِّ ذلك لا يأتي في القرآن نصٌّ واحد على تحريم الحُمُرِ، ولا كلِّ ذي ناب من السِّباع، ولا كل ذي مِخْلب من الطير، مع انتشار الحُمُر في العرب، وصيدهم لبعض السِّباع والطير، ويأتي تحريم الخِنزير وهم لا يُربُّونه ولا يستخدمونه؛ بل كان أكثرُهم لا يسمعون به ولا يعرفونه، أليس هذا غريبًا؟!
لكنَّ الغرابةَ تزول حين نعلمُ أنَّ الخِنزير الآن هو الطعامُ الأكثر لأهل الأرض عدَا المسلمين واليهود، وهم لا يزيدون على خُمُس الناس، فأربعةُ أخماس البَشر يأكلون الخِنزير.
أليس من أبينِ علامات النبوَّة أن يُبلِّغَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قرآنًا، يتكرَّر فيه أربع مرَّات تحريمُ حيوان لا يأكله العرب، وأكثرهم لا يعرفونه، ويحتمل أنَّ المبلِّغ بتحريمه رآه، ويحتمل أنَّه لم يَرَه، ولا يأتي تحريم غيرِه من الحيوانات التي يعرفونها إلاَّ في السُّنة النبويَّة؟!
ثم يتبيَّن بعدَ أربعة عشر قرنًا أنَّ تِجارة الخنازير لا يكاد يُضاهيها تجارةٌ أخرى من سائر أنواع الحيوان.
إنَّها علامةٌ بيِّنةٌ من علامات النبوَّة، وإنَّها لَمِن أكبر الأدلة على عالمية الإسلام، وأنَّ الناس مخاطبون به في كلِّ مكانٍ إلى آخر الزَّمان، كما أنَّها آيةٌ عظيمة على أنَّ القرآن ذِكرٌ للعالمين، وأنَّ الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – رحمة للناس أجمعين؛ ففي القرآن تحريمُ ما يضرُّهم، وهو كما قال الله – تعالى – {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 52] وفي آية أخرى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90]، والنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنصحُ الناس للناس؛ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وفي آية أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].
إنَّها عالمية الإسلام التي تجاوزت حدودَ مكَّة وجزيرة العرب؛ لتصلَ إلى أَكَلةِ الخنازير في كلِّ مكان بالتحريم والبيان والإرشاد؛ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، وتتخطَّى به حدود زمن الرِّسالة، أو الفتوح، أو عزِّ المسلمين؛ لتُظهرَ حقيقةَ ذلك في زمنٍ كان فيه أهلُ الخنزير وأكلتُه أقوى الأُمم وأغناها، وكان المُصرِّون على تحريمه من المسلمين أضعفَ الأمم وأفقرَها، فهل هذا إلاَّ تثبيت من الله – تعالى – للمؤمنين أمامَ غزو الأعادي في الداخل والخارج؛ ليعلموا أنَّ دِين الله – تعالى – حقٌّ فيستمسكوا به، ويزدادوا إيمانًا مع إيمانهم؟! {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} [الرُّوم: 60]، وهل هو إلاَّ كسرٌ لحضارة العُلوِّ والاستكبار التي رضيت أن يكونَ أخبثُ مخلوق وأحطُّه وأقذره هو شعارَها؟!
وإنَّ العجبَ كلَّ العجب ليتملَّك قلبَ المؤمن حين ينظر لحضارة الخنازير، وهو يقرأ وصفَ الأُمَّة النصرانيَّة بالضلال في كلِّ ركعة يصليها، إنَّها حضارة بلغت من العِلم ما بلغت، حتى حلَّقت مركباتها في السَّماء، وبلغت غوَّاصاتها قعرَ المحيطات، واكتشفوا بأبحاثهم كثيرًا من الأمراض الفتَّاكة في الخنازير، وهم مِن أحرص الشُّعوب على صِحة أبدانهم وقوتها والعناية بها، ومع ذلك يأكلون ما يفتك بهم ويُهلكهم بعلمٍ وإصرار، فأيُّ ضلال أعظم مِن هذا الضلال؟! ولقد صار الخنزير شِعارًا لهذه الأمَّة الضالَّة، يقتله المسيح – عليه السلام – إذا نزل في آخِرِ الزَّمان؛ ردًّا عليهم لَمَّا أحلُّوه وقد حرَّمه الله – تعالى – وإبطالاً لدِينهم المحرَّف.
لقد كان في آيات تحريم الخِنزير تحدِّيًا لأرباب الحضارة المعاصرة وصُنَّاعها وتُجَّارها، وكان هذا التحدِّي قبل أربعة عشر قرنًا؛ ذلك أنَّ الله – تعالى – حرَّم الخنزير تحريمًا قاطعًا، وكان تحريمه في كلِّ الشرائع الربانيِّة السابقة، بما فيها النصرانيَّة التي حرَّفها بولس، فأحلَّ الخِنزير الذي حرَّمه عيسى – عليه السلام – وبيان وجه هذا التحدِّي أنَّ تجارة الخنزير من أعظم التجارات الرابحة؛ لسرعة نموِّه؛ ولتغذيه على كلِّ شيء، ولاكتنازه باللحم والشَّحم، ولاستخدام جميع أجزائه فلا يُرمى منه شيءٌ حتى دمه الخبيث، إضافةً إلى أنَّ أُنثاه تضع سبعةً إلى عشرين في الحمل الواحد، ولا يوجد في بهيمة الأنعام مثل ذلك؛ ممَّا أغرى أصحابَ الحضارة المعاصرة – وهي حضارة ماديَّة – بتربية الخنازير وأكْلها مع علمهم بأضرارها، وكثرة أمراضها؛ بل بلغ من استكبارهم وعنايتهم بها أنَّهم يُصْدرون مجلاَّتٍ دوريةً عالمية متخصِّصة في تربيتها، وكيفية اتِّقاء أمراضها المتكررة.
وكان فعلهم هذا تحدِّيًا لله – تعالى – في شرائعه المنزلة التي حرَّمت الخنزير على لسان الرُّسل – عليهم السلام – ليرتدوا الآن على خنازيرهم بالذَّبح والإفناء، وعزْلِها عن الناس، والبحث عن علاجٍ لفيروسها الجديد الذي بدأ يفتك بالناس، ويتحمَّلوا خسائر عظيمة من جرَّاء ذلك، ولم ينجُ من هذه الخسائر إلاَّ مَن عملوا بشريعة الله – تعالى – فلم يُجاوزوا ما أحلَّ – سبحانه – لهم إلى ما حرَّم – عزَّ وجلَّ – عليهم، مع ابتلائِهم بالخنازير في رُخْص أسعارها، وتوفُّر لحومها وشحومها، ولا سيما في البلاد التي تسمح بها، فكان ذلك من الابتلاء للمؤمنين؛ فمَن ذا الذي يتحدَّى القويَّ القهَّار، العزيزَ الجبار، إلاَّ مَن أهلك نفسَه، وأهلك مَن اتبعه في ضلاله وعتوِّه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ} [ص: 66]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانيةالحمد لله، حمدًا طيِّبًا كثيرًا مبارَكًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أنَّ لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعدُ:فاتقوا الله – عباد الله – وأطيعوه؛ {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].
أيُّها المسلمون:مَن نظر في القرآن العظيم فإنَّه يجد أنَّ الله – تعالى – لم يحرِّم مشروبًا غير الخمر، ولا حيوانًا باسمه إلاَّ الخنزير، ومَن نظر في الحضارة المعاصرة التي حادتْ عن شريعة الله – تعالى – وجد أنَّ أفراد هذه الحضارة الماديَّة قد وَلِعوا بالخمر وفُتِنوا به فتنةً شديدة، وتجارة الخمر مِن أعظم التجارات الرائجة في الأرض، وفي الغرْب بوجهٍ أخصَّ، كما يجد أنَّ الخنزير أكثرُ الحيوانات أكْلاً وتجارةً واستخدامًا.
إنَّ الحضارة الغربية المعاصرة كان لها منافعُ لا تُنكر في الصناعة والإنتاج، وتطوير كثيرٍ من الأنظمة الإداريَّة، وتوسيع دائرة المعارف الدنيويَّة؛ ولكنْ ضررُها أعظمُ من نفْعها، فهي التي صدَّرت ثقافة الإلحاد الوجوديِّ والشيوعيِّ والليبرالي، وكان فِكرُها الذي بُنيت عليه مقصيًا للدِّين والأخلاق، منتهكًا للمحرَّمات، معارضًا للشرائع الربَّانيَّة.
وهي حضارة تميَّزت برعاية الخنازير والعناية بها، وأكْلها وتسويقها، وإدخال أجزاء الخنزير في أكثرِ الصناعات الغذائيَّة والدوائيَّة، فكان الانتكاس الفِطري العظيم بانعكاس أخلاق الخنزير على كثيرٍ من أفراد تلك الحضارة، حتى صاروا بشرًا يحملون أخلاقَ الخنازير وطباعَها.
وفي دراسةٍ لأخلاق الخنازير منشورة في دائرة المعارف البريطانيَّة، تبيَّن أنَّ الخنازير تختلف عن غيرها من ذوات الأظلاف من الحيوان، من حيثُ إنَّ ذَكَرها لا يَغار على أُنثاه لو نَزَا عليها غيرُه، ولا يُدافع عنها ولا عن صغارِه لو تعرَّضوا لاعتداء؛ بل يُفارقهم بهدوء، ولا يَحمي مسكنَه أو مرعاه لو احتلَّه غيرُه، بل يتركه له؛ ولذا اتصف الخنزير بالحقارةِ وعدم الغَيْرة، وشَتْمُ الإنسان بوصفه خِنزيرًا هو أعظمُ شَتمٍ عند كلِّ الأمم، حتَّى عند مَن يربُّونه ويأكلونه.
ومن خساسةِ الخِنزير أنَّه لا يكتفي بالأنثى؛ بل ينزو الذَّكَرُ على الذَّكَر، وجاء عن التابعي الجليل محمَّد بن سيرين – رحمه الله تعالى – أنَّه قال: "ليس شيءٌ من الدَّوابِّ يعمل عملَ قوم لوط إلاَّ الخنزيرَ والحمار"، وفي بعض الدِّراسات أنَّ الجنس الجماعي لا يُمارِسه من الحيوان إلاَّ الخنازير.
ومَن نظر إلى ما صدَّره الغرب من حضارتِه للأُمم الأخرى، يجد أنَّهم مع تصديرهم لكثيرٍ من الصناعات والأنظمة، قد صدَّروا ثقافةَ الخنزير وأخلاقه وطباعه؛ ابتداءً بتصدير ثقافة تحطيمِ القيود الدِّينيَّة والأخلاقيَّة التي اكتسبوها من الخِنزير، حين حطَّم كلَّ القيود في شهوة بطنه وفرْجه، وخالف سائرَ الحيوان في ذلك، وثقافة إباحة المحرَّمات والنجاسات هي ثقافة خِنزيريَّة؛ فإنَّ الخنزير لا يأنف مِن أكْل وشُرْب أيِّ شيءٍ، مَهْمَا كان نجسًا مستقذرًا يَعافه غيرُه مِن الحيوان.
والثقافة الغربيَّة الجنسيَّة التي أباحوا فيها الزِّنا والسِّحاقَ، وعَمَل قومِ لوط، وممارسة الجِنس الجماعي، وسائر أنواع الشُّذوذ – هي ثقافة خِنزيريَّة؛ فإنَّ كلَّ هذه الفِعال القبيحة هي مِن طبائع الخنزير وأخلاقه.
وفُقدان الغَيْرة على الحرمات، وخيانة الأوطان، وممالأة الأعداء هي أيضًا من الثقافة الخِنزيريَّة؛ ذلك أنَّ الخنزير لا يحمي مرعاه ومسكنه، كما لا يحمي أُنثاه وصِغارَه، والذين خانوا أوطانَهم وسلَّموها للمحتلِّين، ولم يغضبوا للحُرمات التي انتُهِكت، ولا للكرامة التي أُهينت، ولم يأْبَهوا بنساء المسلمين وأطفالهم – هم مُكتسبون لثقافة الخِنزير وطباعِه من الأمَّة الغربيَّة التي صدَّرت هذه الثقافة إليهم.
والذين يدعون إلى الفسادِ والاختلاط في بلاد المسلمين، ويُروِّجون للانحلال والضياع باسم الانفتاح والحُريَّة، والذين يُحاربون الطُّهر والعفاف ويَصِمُونه بالرجعيَّة، ويَدْعون إلى نزْعِ حجاب المرأة وخروجها ورقصها وتمثيلها، ويُريدون نشْرَ الجِنس على أوسع نِطاق، ويُقنِّنون الانحلال والضياع، ويُلزمون الناسَ به بنشر ثقافته تحت دَعاوى التطوير والإصلاح – كلُّ أولئك لم يأخذوا من الغربِ ما ينفع؛ بل اقتصروا على الثقافة الخِنزيريَّة لديه، ويُريدون فرْضَها على الناس، وهل يرضى عاقلٌ أن يُطبع بطباع الخنازير، وأن تُفرض عليه أخلاقُه؟! لا يرضى بذلك عقلاءُ الناس، فكيف بِمَن رضي بالله – تعالى – ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبمحمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – نبيًّا.
فلْيعلموا أنَّ نشْرَ أخلاق الخنزير وطباعه في الناس أشدُّ غِلظةً في التحريم من لحْمِه وشَحْمه، فما بالهم يجرُّون الناس جرًَّا إلى أخلاقه وطباعه، وهم يَدَّعُون أنَّهم يُنزِّهون أنفسَهم عنه؟!
وما بال غيرهم لا يُنكرون ذلك عليهم، وهم يعلمون أنَّهم لا يَنشرون فيهم إلاَّ ثقافةَ الخنازير وطباعَها؟!
{إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، فاحذروهم، وحَذِّروا الناس منهم، كما تَحْذرون أنفلونزا الخنازير وتُحذِّرون منها، كفى الله المسلمين شرَّهم، وردَّهم على أعقابهم.
وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم…[/FONT]