تخطى إلى المحتوى

العلاج الواقعي 00Reality Therapy

  • بواسطة

خليجية
العلاج الواقعي 00Reality Therapy
07-16-2019 12:47 AM

مقدمة
العلاج الواقعي يعتبر أحد ركائز المدرسة الانسانية في العلاج النفسي حيث أنه يعطي أهمية كبيرة لقدرة الإنسان على تحديد مصيره والاختيار بين البدائل وفقا لما يملكه من قدرات ذاتية.
ويعتبر العلاج الواقعي امتدادا لمجموعة من الأساليب العلاجية نهتم بالعالم الظاهري للعملاء (Phenomenological World)، وتشمل العلاج الوجودي والعلاج المتمركز حول الحل وعلاج الجشتالت. وهذه الأساليب تركز على الجانب الذاتي للعملاء من خلال قدرتهم على فهم وإدراك المحيط الذي يعيشون فيه من وجهة نظرهم.
وفي هذا الصدد يشير مؤسس هذا الأسلوب العلاجي William Glasser (1985) إلى أن العملاء لا يدركون العالم الذي يحيط بهم كما هو في الواقع، ولكنهم يدركونه وفقا للكيفية التي

ينظرون بها إليه من خلال خبراتهم الذاتية. ويؤكد أن العملاء يعيشون بين محيطين مختلفين الأول يمثل المحيط الواقعي (Real World) كما هو في الواقع والثاني المحيط الذي يدركونه بحواسهم (Perceived World). وعلى هذا فالسلوك الذي يصدر ما هو إلا محاولة لاستخدام القدرات والخبرات التي يملكها العملاء في فهم وادراك متغيرات المحيط الواقعي بما يشبع احتياجات المحيط المدرك.
ومن أوجه التشابه بين أسلوب العلاج الواقعي وأسلوب العلاج الوجودي هو أن العملاء ليسوا ضحايا للأحداث التي مروا بها في حياتهم والحاضر الذي يعيشونه إلا إذا هم رغبوا في ذلك بإرادتهم. وعلى هذا لا يوجد تأثير للجوانب اللاشعورية والدوافع الجبرية ما لم يتم الخضوع لها وإفساح المجال لها للتأثير. وبناء على ذلك، فللعملاء قدرة على السيطرة على جوانب حياتهم وليسوا رهائن للظروف المختلفة التي يمرون بها.
وعلى الرغم من هذا التشابه بين أسلوب العلاج الواقعي وغيره من الأساليب العلاجية سالفة الذكر، إلا أن هذا الأسلوب العلاجي يختلف عنهم في النظرة الشمولية لتفسير السلوك الانساني الذي يصدر من الفرد. وفي هذا يشير Glasser إلى أن السلوك هو محصلة لتفاعل أربعة عناصر هي: الفعل (Doing)، والتفكير (Thinking)، والشعور (Feeling)، والخبرة الحركية (Physiology). وهذا يعني أن الفرد مسؤول عن أفعاله والطريقة التي يفكر بها والمشاعر التي يشعر بها والخبرات الحركية الصادرة منه.
ويشير Corey (1996) إلى أسلوب العلاج الواقعي يمكن تصنيفه ضمن الأساليب السلوكية الإدراكية Cognitive-behavioral لأنه يركز على فهم الأفعال التي يقوم بها العملاء والكيفية التي يدركون بها الأشياء من أجل تغيير ما يشعرون به. ويضيف أن العملاء بحاجة إلى الدخول في علاقات مهنية مع المعالجين من أجل صياغة خطة عملية والالتزام بها للوصول إلى مطابقة بين المحيط الواقعي كما هو والمحيط المدرك الذي يتصورونه ويرسمون أبعاده من خلال قدراتهم الذاتية.
المفاهيم الأساسية
إن هذا الاسلوب العلاجي يختلف عن الأساليب التقليدية التي ترى أن السلوك الانساني هو محصلة لعوامل خارجية تتحكم فيه (Deterministic) وتسيره وفقا لدرجة تأثيرها. ومن هذه الأساليب التقليدية العلاج السلوكي والعلاج التحليلي النفسي.
وفي نظره معارضة لهذا التوجه، يرتكز هذا الاسلوب العلاجي الواقعي على اطار نظري مؤداه أن السلوك الانساني سلوك هدفي ينشأ من داخل الإنسان وليس من القوى الخارجية، على الرغم من أهمية تلك القوى في التأثير على حدة ذلك السلوك. ولذلك يرى أنصار هذا الأسلوب العلاجي أن السلوك الانساني ينشأ من قوى داخلية للحصول على اشباع لاحتياجات محددة يرغب الإنسان الحصول عليها.
ويحدد Glasser (1985) خمسة احتياجات أساسية للإنسان أربعة منها نفسية هي: الانتماء (Belonging)، والقوة (Power)، والحرية (Freedom)، والمرح (Fun). والاحتياج الخامس طبيعي وهو الحاجة للبقاء (Survival). ويضيف أن لدى كل إنسان جهاز للتحكم يمكنه من تحقيق ما يرغب في تحقيقه لإشباع هذه الاحتياجات. وعلى الرغم من امتلاك كل فرد لهذه الاحتياجات الخمسة، إلا أن كل إنسان يشبع هذه الاحتياجات بطريقة متميزة عن الآخر.
ومن خلال هذه النظرة للسلوك الانساني يرى Glassrer أن تفسير هذا السلوك يجب أن يتسم بالشمولية (Total behavior) من خلال أربعة عناصر أساسية هي:
1. الفعل (Doing) أو الفعل النشط (Active behavior): مثل أن يأكل الانسان أو يمارس نشاط رياضي.
2. التفكير (Thinking): ويتضمن بناء الأفكار وترتيبها وتنظيمها وايجاد العلاقات فيما بينها.
3. المشاعر (Feeling): ويتضمن الفرح والحزن والغضب والشعور بالألم والتوتر والاكتئاب وغيرها من المشاعر.
4. الأعراض الجسمية (Physiology): ويتضمن الأعراض الجسمية المصاحبة للسلوك مثل التعرق والأعراض النفسجسمية.
وعلى الرغم من أهمية هذه العناصر الأربعة، فإن Glasser (1992) يعطي أهمية كبرى لعنصري الفعل والتفكير لأنهما يوجهان السلوك الانساني. ويضيف أنه من الصعوبة تغيير ما نشعر به بمعزل عما نفعله أو نفكر فيه بينما نملك القدره على تغيير ما نفعله ونفكر فيه بمعزل عما نشعر به.
وعلى هذا فالعلاج الواقعي يركز في عملية المساعدة على تغيير الأفعال والأفكار لأنها الأكثر قابلية للتغيير والتي بدورها ستؤدي إلى تغيير المشاعر.
والمحصلة التي يصل إليها Glasser هي أن السلوك الكلي أو الشمولي هو ما نسعى إليه من خلال هذه العناصر الأربعة وتكون كل محاولاتنا هي ردم الفجوة بين ما نريد تحقيقه من احتياجات وبين إدراكنا لما حققناه منها.
ويمكن تقديم مثال على ذلك كما في العبارتين التاليتين:
" أنا شخص مكتئب" العبارة الأولى
" أنا أشعر بالاكتئاب" العبارة الثانية
ففي العبارة الأولى يكون الاكتئاب نتيجة لعوامل خارجية تؤثر على الإنسان ويكون ضحية لها. بينما في العبارة الثانية يكون الاكتئاب نتيجة لعوامل داخلية تتمثل في الطريقة التي يفكر فيها الإنسان.
ولذلك يرى Glasser أن الأفراد يرغبون أحيانا في الشعور بالكآبة والحزن لتحقيق واحد أو أكثر من النتائج التالية:
1. للمحافظة على الشعور بالنقص تحت السيطرة.
2. للسيطرة على اتجاه العلاقات سواء مع الذات أو مع الآخرين.
3. لطلب المساعدة الغير مباشرة من الآخرين.
4. لايجاد العذر بعدم القدرة على فعل ما هو فعال.
ومن هنا يرى Glasser (1985) أن الانحياز نحو التعاسة ما هو إلا اختيار يلجأ إليه الإنسان لتحقيق أحد النتائج السابقة.
وبناء على هذه الاطار الفلسفي الذي يقدمه العلاج الواقعي يمكن استعراض أبرز المفاهيم العلمية التي يرتكز عليها وهي:

رفض النموذج الطبي
تعتمد كثير من الأساليب التقليدية على النموذج الطبي في تفسير السلوك الانساني إذ يشير النموذج الطبي إلى أن كل ما نعاني منه من مشكلات أو يصدر من السلوك ما هو إلى نتيجة لعوامل خارجية تتمثل في البيئة التي نعيش فيها. ولذلك فالاكتئاب والفصام والقلق والاضطرابات العقلية والنفسية على اختلافها ما هي إلا محصلة لتأثير عوامل خارجية. وفي المقابل يرى أنصار العلاج الواقعي أن تلك المشكلات ما هي إلا اختيارات نلجأ إليها للسيطرة على العالم الذي نعيش فيه.
ولهذا يرفض أنصار العلاج الواقعي النموذج الطبي في تفسير المشكلات الانسانية الذي يقوم على مبدأ السبب والتأثير Cause – Effect ويرون أن التفسير يجب أن يكمن في ايجاد العلاقة بين ما نريد (What we want) وبين ما نملك في الواقع (What we have). ويدللون على ذلك بأن ما يعتبر مؤلما لشخص ما قد يكون مفرحا لشخص آخر، ولهذا فالقدرات الذاتية تلعب دورا أساسيا في السيطرة على ما مجمل الاختيارات التي تصدر.

الهوية الناجحة والاعتماد الايجابي
يشير مفهوم الهوية الناجحة (Success Identity) إلى أن الإنسان لديه قدرة على العطاء مثل ما له قدرة على الأخذ، لديه قدرة على الشعور بالأهمية لدى الآخرين، لديه شعور بأنه يستطيع تغيير الواقع الذي يعيش فيه، ولديه قدرة على اشباع احتياجاته بالطريقة التي يختارها وبما لا يكون على حساب الآخرين. إن هذا المفهوم الذي يقدمه العلاج الواقعي يعطي قوة نفسية دافعة للإنسان تمكنه من التعود الايجابي على بلوغ أهدافه وإشباع احتياجاته. لقد حاول Glasser أن يعطي أهمية كبيرة للقدرات الذاتية وإرادة الإنسان في صياغة هوية ناجحة تستطيع تحقيق التوازن بين رؤية الإنسان لذاته وبين البيئة التي تحيط به. ولهذا يرى أنه كلما نجح الإنسان في تحقيق هذه الهوية الناجحة كلما أصبح لديه اعتمادا ايجابيا عليها في تحقيق أهدافه وإشباع احتياجاته.

التأكيد على المسؤولية
يشير Glasser (1992) في تعريفه لهذا المفهوم إلى المسؤولية ما هي إلا سلوك يقوم به الإنسان لإشباع احتياجاته من خلال وسائل لا تشكل تعارضا مع سعي الآخرين لإشباع احتياجاتهم. بمعنى أن الإنسان المسؤول هو الذي يسعى باستقلالية إلى انجاز أهدافه التي يرغب تحقيقها في الحياة من خلال وضعها موضع التنفيذ. ومن خلال ذلك يؤكد أنصار العلاج الواقعي أهمية أن يبتعد الإنسان عن النقد الشديد تجاه الذات أو تجاه الآخرين لأن ذلك يساهم في الهروب من الواقع وعدم الوصول إلى تحقيق الأهداف. ويؤكدون أن على الإنسان أن يتعلم كيف يتعلم ويتصرف بمسؤولية بدون أن يمارس النقد الشديد نحو ذاته من خلال التقليل من إمكانياته وقدراته نحو الوصول إلى أهدافه وإشباع احتياجاته لأن البحث عن الأخطاء وتضخيمها يؤدي إلى الفشل.

الابتعاد عن التحويل
يرى Glasser (1984) أن كثيرا من الممارسين للعلاج النفسي والاجتماعي يعكسون كثيرا من أفكارهم ومشاعرهم وخبراتهم على العملاء من خلال عملية التحويل. وهذا يساهم في منع العملاء من تحقيق الاستثمار الأمثل خلال عملية المساعدة. ويقترح أن يبتعد الممارسون عن لعب دور الموجه أو المرشد أو المعلم أثناء الاتصال مع العملاء لتقديم عملية المساعدة. حيث أن جوهر العلاج الواقعي هو التعامل مع الأفكار والمشاعر التي يحضرها العملاء والاختيارات التي يرغبون فيها والأهداف التي يسعون إلى تحقيقها. والخوض في المحاولات الفاشلة التي قاموا بها في الماضي لا يساعدهم على النجاح في الحاضر.

الأهداف العلاجية
يسعى الممارسون الذين يستخدمون العلاج الواقعي إلى تحقيق عدة أهداف علاجية أثناء التعامل مع العملاء يمكن استعراضها كما يلي:
1. مساعدة العملاء على تعلم طرق مختلفة تمكنهم من اعادة التحكم في أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم بطريقة فعالة. وهذا يتضمن تشجيع العملاء على اكتساب المهارة في صياغة أساليب فعالة لإشباع احتياجاتهم.
2. يركز العلاج الواقعي على الجانب الشعوري للعملاء ومساعدتهم على زيادة مستوى الوعي. وكلما كان العملاء أكثر وعيا بأنماط السلوك غير فعال الذي يستخدمونها في السيطرة على عالمهم، كلما كانوا أكثر انفتاحا لتعلم طرق بديلة لسلوكيات جديدة.
3. يسعى العلاج الواقعي إلى مساعدة العملاء على تقييم رغباتهم واحتياجاتهم بطريقة واقعية بالاضافة إلى تقييم مدى ملائمة سلوكياتهم لتحقيق تلك الرغبات والاحتياجات.
4. يعطي العلاج الواقعي العملاء مبدأ المسؤولية الذاتي من خلال أنهم وحدهم من يقرر الأفعال التي يقومون بها، كما أنهم وحدهم يحددون التغيير المرغوب الذي يرغبون الوصول إليه.
5. يساعد العلاج الواقعي العملاء على صياغة الخطة العلاجية التي تتضمن الأهداف المرغوبة من وجهة نظر العملاء. وبهذا تكون الخطة العلاجية أكثر واقعية للتطبيق.
الأدوار المهنية للممارس المهني
تتحدد أدوار الممارس المهني في العلاج الواقعي من خلال الدخول مع العملاء في علاقة مهنية تؤسس لتحقيق أهداف عملية المساعدة. ومن خلال العلاقة المهنية يقوم الممارس المهني بدور المعلم (Instructor ) لتعليم العملاء كيف يفكرون في واقعهم بطريقة فعالة.
ويدخل الممارس في مواجهة مع العملاء من خلال طرح سؤال رئيسي هو: " هل ما تقوم باختياره يحقق لك ما تريد؟". والإجابة على هذا السؤال تفتح آفاق جديدة يمكن للعملاء من خلالها ايجاد وسائل وطرق جديدة للاختيار تكون مرتكزة على ما يرغبون فعلا القيام به وتحقيقه في الواقع.
أيضا يقوم الممارس المهني بتعليم العملاء كيف ينشئون الهوية الناجحة من خلال تقبل عملية المحاسبة لكل الأفعال والمشاعر والسلوك الصادر منهم. ومن خلال عملية المحاسبة يستطيع العملاء اعادة صياغة خبراتهم بما يتوافق واحتياجاتهم.
لقد قدم Corey (1996) مجموعة من الأدوار التي يجب على الممارس المهني القيام بها وهي:
1. الاعداد الجيد لجلسات العلاج من خلال تحديد الأهداف والوقت بدقة ليكون واضحا للعملاء.
2. تكوين العلاقة المهنية مع العملاء التي تقوم على الرعاية والاحترام والتقبل.
3. التركيز على مواطن القوة (الايجابيات) لدى العملاء التي تقود إلى النجاح والابتعاد عن مواطن الضعف (السلبيات) التي تقود للفشل والإحباط.
4. تعزيز الحوار مع العملاء حول سلوكهم الحالي وحثهم على المناقشة في ذلك لمساعدتهم على الخروج من اللامسؤولية واللامبالاة التي يحاولون الوقوع فيها.
5. مساعدة العملاء على ممارسة عملية التقييم المستمر لرغباتهم وامكانية تحقيقها في الواقع.
6. تعليم العملاء صياغة وتنفيذ خطط التغيير المرغوبة لمقابلة احتياجاتهم وتشجيعهم على الابتعاد عن التوقف من الاستمرار في عملية المساعدة حتى عندما يشعرون بالإحباط واليأس.

العلاقة بين العميل والممارس المهني
يعتمد نجاح العلاج الواقعي بدرجة كبيرة على مدى قدرة كل من العميل والممارس المهني في الاندماج بعلاقة مهنية يتم تأسيسها على الاحترام والتقدير والرغبة الصادقة في تحقيق أهداف مرغوبة. فالعملاء بحاجة إلى التأكد من أن الممارس المهني لديه استعداد وتقبل لمساعدتهم في الوصول إلى اشباع احتياجاتهم في المحيط الواقعي. ومن هنا فعلى الممارس المهني اظهار الدلائل التي تؤكد للعملاء مدى جديته في تقديم عملية المساعدة مثل الاهتمام والاحترام والتقبل والانفتاح للمناقشة والاستعداد لتقبل المواجهة مع العملاء والإنصات إلى كل ما يقوله العملاء لمناقشتهم فيه. ولا يمكن أن تتحقق أهداف عملية المساعدة ما لم يصل العميل والممارس المهني إلى علاقة مهنية قوية يتقبلها كل منهما.

العلاقة المهنية بين العميل والممارس المهني

تتطلب الممارسة المهنية للعلاج الواقعي توفر عنصران متساندان يكمل أحدهما الآخر. الأول يتعلق بإيجاد بيئة إرشادية تسودها الثقة المتبادلة بين طرفي العلاقة المهنية – العميل والممارس المهني. والثاني تطبيق تكنيكات علاجية تساعد العملاء على اكتشاف ما يرغبون الوصول إليه.
وتبدأ عملية التدخل المهني من تكوين العلاقة المهنية المبنية على الثقة والاحترام. ثم اكتشاف العملاء لرغباتهم واحتياجاتهم وفقا لتصوراتهم الإدراكية وما يقومون به من سلوك لتحقيقها. وبعد ذلك يقوم العملاء بتقييم الوسائل التي يستخدمونها لإشباع رغباتهم واحتياجاتهم وهل هذه الوسائل فعالة في تحقيق ما يرغبون الوصول إليه. وإذا كانت هذه الوسائل غير فعالة يقوم العملاء بتصميم وتنفيذ خطط بديلة لتحقيق التغيير المرغوب.
خلال عملية التدخل المهني يبتعد الممارس عن نقد العملاء وتوجيه اللوم لهم في حالة إخفاقهم في الوصول إلى التغيير المرغوب. كما يرفض الممارس اعتذارات العملاء عن مواصلة عملية المساعدة نتيجة لشعورهم بالإحباط والقلق.
إن ايجاد بيئة إرشادية (Counseling Environment) يتطلب من الممارس المهني بذل الجهود للاندماج مع العميل في علاقة مهنية تمكنه من فهم ماذا يفكر فيه العميل ويتصرف تبعا لما يدركه في عالمه الذاتي للوصول إلى أهدافه. ومما يساعد الممارس على عمل ذلك إنصاته جيدا لكل ما يقوله العميل ومناقشته. وعلى الممارس المهني أن يبذل جهدا مضاعفا لمساعدة العميل على ردم الفجوة بين فهمه وإدراكه لما يحقق له رغباته وبين العالم الواقعي الذي يعيش فيه.
ومن خلال مناقشة العملاء فيما يفكرون ويقومون من أفعال، يسعى الممارس المهني إلى مساعدتهم على ايجاد العلاقة بين ما يشعرون به وما يصدر عنهم من أفعال وأفكار. ولهذا يرى Glasser (1986) أن العملاء كلما بدءوا في القيام بأفعال مختلفة كلما انعكس ذك على ما يشعرون به. وبهذا يكون التغيير قد بدأ في الظهور.
وعلى الممارس المهني من خلال العلاج الواقعي الإيمان بقدرات العملاء وإمكانياتهم على التغيير متى ما توفرت لهم البيئة الايجابية والرغبة الحقيقية التي تدفعهم لبلوغ أهدافهم. ولذلك يتجنب الممارس المهني استخدام أساليب سلبية أثناء عملية المساعدة كالعقاب واللوم والنقد والتقليل من قدرات العملاء وازدراء ما يقومون به. ويشير Wubbolding (1988) إلى أهمية أن يسعى الممارس المهني إلى تطوير قدراته المهنية حتى يتسنى له اكتساب المهارات اللازمة لممارسة العلاج الواقعي بكفاءة وفاعلية.

استراتيجية التدخل المهني

يؤكد Glasser (1992) في عرضه لإستراتيجية التدخل المهني أن العملاء يكون لديهم دافعية للاستمرار في عملية المساعدة عندما يكونوا مقتنعين بأن سلوكهم الحالي لا يحقق لهم ما يريدون الوصول إليه وأن لديهم القدرة في اختيار أنماط سلوكية أخرى تجعلهم قادرين على الوصول للتغيير المرغوب.
لقد قدم كل كم Glasser & Wubbolding (1995) استراتيجية للتدخل المهني تتكون من أربعة جوانب أشارا لها بالرمز WDEP وهي:
• الرغبات Wants ويرمز له بالرمز W
• الفعل والاتجاه Direction & Doing ويرمز له بالرمز D
• التقييم Evaluation ويرمز له بالرمز E
• التخطيط Planning ويرمز له بالرمز P

أولا: الرغبات
تظل الخطوة الأولى في العلاج الواقعي مساعدة العملاء على اكتشاف رغباتهم واحتياجاتهم. فيسعى الممارس المهني على تشجيع العملاء على ادراك وتحديد السلوك الذي ينتهجونه لمقابلة تلك الرغبات واشباع تلك الاحتياجات.
إن كثيرا من رغبات واحتياجات العملاء لا تبدو واقعية وتنسجم مع متغيرات العالم الواقعي الذي يعيشون فيه. وبالتالي يكون لكل منهم عالم محدد ترتسم أبعاده وفقا لمستوى الادراك الذي يعيشه وأنماط السلوك الذي ينتهجه للوصول إلى تحقيق تلك الرغبات.
إن عملية مناقشة العملاء في تحديد رغباتهم واحتياجاتهم هي عملية مستمرة خلال مدة عملية المساعدة. ولذلك فالممارس المهني يستمر في سؤال العملاء عن تحديد رغباتهم واحتياجاتهم ومستوى ادراكهم لها وتوقعاتهم حول كيفية الوصول إليها وما هي المعوقات التي يواجهونها في سعيهم لتحقيقها.
ومن أمثلة الأسئلة التي يلجأ إليها الممارس المهني:
• إذا كنت ترغب في أن تكون شخصا آخر، فماذا يجب عليك أن تفعل؟
• ماذا ترغب في تحقيقه داخل أسرتك؟
• ماذا ترغب القيام به لو تغيرت طريقة حياتك وفقا لما تريد؟
• هل فعلا ترغب في تغيير حياتك؟
• ما هو الشيء الذي لم يتحقق في حياتك وترغب في تحقيقه؟
• ما الذي يمنعك من تحقيق ما ترغب القيام به؟

إن مناقشة العملاء من خلال طرح مثل هذه الأسئلة يساهم في نجاح العملية العلاجية ويقود عملي المساعدة إلى الخطوة الثاني من خطوات العلاج الواقعي.
الفعل والاتجاه
على الرغم من أن المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها العملاء لها جذور في الماضي، إلا أن العملاء بحاجة إلى تعلم كيف يعاملون معها في الحاضر. ويرى Glasser (1989) أنه مهما كان الماضي محبطا وذو تأثير كبير على العملاء، إلا أنه لا مناص من التعامل مع الحاضر كما هو وعلى كل من الممارس المهني والعميل الاتجاه نحو ايجاد اختيارات بديلة تساعد على اشباع الاحتياجات.
إن على الممارس المهني مساعدة العملاء على تحديد اتجاه الحياة الذي يرغبون الوصول إليه وما هي أنماط السلوك التي يستخدمونها للوصول إلى ذلك. ومثال ذلك هو سؤال العميل: "ما الذي تراه في نفسك الآن وفي المستقبل؟". إن مثل هذا التساؤل يشكل للعميل مرآة يرى من خلالها رغباته واحتياجاته وأنماط السلوك المستخدم لتحقيقها. وهذا يتيح للعميل التعبير عن مستوى الادراك الذي يرى من خلاله امكانية تحقيق احتياجاته ورغباته.
ومن أمثلة الأسئلة التي تساعد في تحديد أفعال واتجاه العملاء نحو تحقيق ما يرغبون ما يلي:
• ماذا الذي تقوم بفعله الآن؟
• ما الذي قمت بفعله في الأسبوع الماضي؟
• ما الذي كنت ترغب في فعله الاسبوع الماضي ولم تستطع؟ ولماذا؟
• ما الذي سوف تقوم بفعله غدا؟

إن استماع الممارس المهني لكل ما يقوله العميل حول هذه الأسئلة يعطيه المقدرة على مساعدته ودفعه نحو اتخاذ أفعال من شأنها الوصول به نحو احداث التغيير المرغوب. ولذلك يشير Glasser (1992) أن ما يقوم به الفرد من فعل من السهل مشاهدته ومن الصعب رفضه، ولذلك تشكل هذه الأفعال بؤرة التركيز في العلاج الواقعي إذ من خلالها يمكن استخدام المشاعر المصاحبة للأفعال في إدراك الواقع كما هو.
ويخلص العلاج الواقعي في هذه الخطوة إلى زيادة وعي العميل بالسلوك الكلي أو الشمولي لأن ذلك يساهم في مساعدته على اشباع رغباته وتنمية صورة ايجابية عن الذات.

التقييم

تأتي هذه الخطوة مكملة للخطوتين السابقتين من حيث أنها تتضمن جانبا علاجيا يساعد العملاء على تقييم ما يصدر منهم من أفعال وسلوكيات حول ما يرغبون ويريدون انجازه. ومن أمثلة الأسئلة المساعدة في ذلك:
• هل سلوكك الحالي يعطيك فرصة مناسبة لتحقيق ما ترغب فيه الآن؟
• هل ما تفعله الآن يساعدك أو يؤلمك؟
• هل ما تفعله الآن هو فعلا ما تريد فعله؟
• هل ما تقوم بفعله الآن فعال وعملي؟
• هل ما تقوم به الآن ضد القوانين والأنظمة؟
• هل الذي ترغب في الحصول عليه واقعي وممكن؟
• هل أنت ملتزم بالعملية العلاجية وتود فعلا تغيير حياتك؟

إن إجابة العملاء على هذه الأسئلة تساعدهم على تقييم كل عنصر من عناصر السلوك الكلي (الفعل – التفكير – الشعور – الحركة). فعلى سبيل المثال العميل الذي يعاني من الخجل الاجتماعي يقيم أفعاله التي يقوم بها والتفكير المصاحب لانسحابه من المواقف الاجتماعية والمشاعر التي تكون مصاحبة لذلك والوظائف الحيوية المرتبطة بوجوده في تلك المواقف.

التخطيط

عندما يقوم العملاء بعملية التقييم لتحديد ما يرغبون في تغييره ويحتاجون إلى إشباعه يصبحون في وضعية تمكنهم من اكتشاف بدائل جديدة وأنماط سلوكية جديدة للتغيير وهذا ما يقودهم لوضع خطة عملية لبلوغ ما يريدون.
إن قيام العملاء ببذل الجهود لصياغة خطط التغيير وبمساعدة الممارس المهني والشروع في تنفيذها يجعلهم أكثر مقدرة على اكتساب السيطرة على أمور حياتهم. ويرى Glasser (1992) أنه حالما يكون العملاء ملتزمون بحل مشكلاتهم فعليهم صياغة خطط التغيير لتحقيق ذلك. وفي حالة فشل الخطة فإن العملاء عليهم عدم التوقف والاكتفاء بذلك بل عليهم الاستمرار في البحث عن خطط أخرى للوصول إلى التغيير المرغوب.
ويرى Wubbolding (1991) أن خطة التغيير التي يصوغها العملاء يجب أن تتسم بالبساطة وامكانية تطبيقها وقابلة للقياس ويمكن التحكم فيها من قبل من يضعها ويتم الالتزام بها ومستمرة. ويضيف أن هناك خصائص معينة لتلم الخطط يمكن استعراضها فيما يلي:
1. يجب أن تكون خطة التغيير في حدود قدرات العملاء وإمكانياتهم ومستوى دافعيتهم ورغبتهم للتغيير.
2. خطط التغيير الناجحة يجب أن تكون بسيطة وسهلة الفهم. وعلى الرغم من ذلك إلا أنها يجب أن تكون أيضا مرنة وقابلة للتعديل وفقا لتطور انجاز العملاء وقدرتهم على احداث التغيير المرغوب.
3. يجب صياغة خطط التغيير بما يتلائم ورغبات العملاء ولا يتم فرض اتجاهات ورغبات لا يريدها العملاء. ويقتصر دور الممارس المهني على مساعدة العملاء ودفعهم نحور صياغة وتنفيذ خطوات خطط التغيير ومواصلة الانجاز.
4. خطط التغيير الناجحة هي تلك الخطط التي تكون واقعية ومستمرة ويمكن انجازها على مراحل.
5. خطط التغيير يجب أن يتم تنفيذها حال تصميمها وذلك لأن التأخير في القيام بذلك يجعلها غير فعالة نتيجة لظهور مستجدات جديدة قد تؤثر على مخرجاتها.
6. خطط التغيير الفعالة تتطلب أنشطة عملية يتم تنفيذها في الحال دون تأخير. بمعنى أن العملاء يلتزمون بمباشرة تنفيذ خطوات خطة التغيير من خلال أفعال هادفة.
7. خطط التغيير يجب أن تكون مكتوبة وواضحة لكل من العملاء والممارس المهني لسهولة مراجعتها وتعديلها وفقا لسير عملية التنفيذ ومستوى الانجاز.

تقييم العلاج الواقعي

لقد قدم Glasser مؤسس العلاج الواقعي أسلوبا علاجيا يعطي أهمية كبيرة للقدرات الذاتية التي يملكها العملاء. ومن وجهة نظره فالعملاء هم الأقدر على فهم ما يرغبون في تحقيقه والتعبير عنه. وبالتالي هم أيضا الأقدر على اكتشاف أنماط السلوك للوصول إلى التغيير المرغوب.
لقد حاول Glasser تقديم أسلوب علاجي تفاؤلي يرتكز على الايمان بأن العملاء وحدهم قادرون على صياغة وتنفيذ الخطط العلاجية للتغيير نظرا لما يملكونه من طاقات وقدرات يمكنهم استثمارها لأقصى مدى. غير أن هذه النظرة المغرقة في التفاؤل لا تأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية بين العملاء فيما يتعلق بالقدرات والإمكانيات. فالعملاء يتباينون كثيرا في القدرات وهذا ما يجعلهم يتباينون أيضا في مستوى الادراك والإنجاز.
ومن هنا يكن لنا التسليم بأن العملاء من السهولة عليهم إدراك أنهم ضحية للظروف النفسية والاجتماعية التي تحيط بهم، ولكن من الصعوبة عليهم في كثير من المواقف تغيير الواقع الذي يعيشونه.
إن العلاج الواقعي يعطي دورا ثانويا للممارس المهني خلال العملية العلاجية، فدوره كمعلم يتولى مساعدة العملاء على الاختيار بين البدائل لا يعطيه الكثير من الحرية لقيادة العملية العلاجية.
ومن النقد الذي يوجه للعلاج الواقعي الغموض في دور الممارس المهني خلال العملية العلاجية. فمن ناحية يقف الممارس المهني مترددا في إعطاء العملاء القرار حول ما هو واقعي وغير واقعي ، وما هو صواب وما هو خطأ، وما هو السلوك المسؤول. وبينما يؤكد العلاج الواقعي على أهمية حرية العملاء في التعبير عن الواقع يأتي الحذر من أن الممارس قد يعكس اتجاهاته ومشاعره الشخصية للتأثير على العملاء.

ااااااااب

شكراً على هذا الموضوع المفيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.