تخطى إلى المحتوى

اجتنبو النميمه

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعـد.. فيا عباد الله: اتقوا الله الذي خلقكم ورزقكم وأنعم عليكم، ومن أعظم نعمه سبحانه وتعالى أن عرفَّنا من شرعه ما نعبده به، وعرفَّنا أسباب غضبه فنتقيها لننجو من عذابه. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي قال لنا في حديثه، وقد مر بقبرين قال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة). وعذاب القبر ثابتٌ في هذه الشريعة جاءت به لتحذير المسلمين من أهوال القبر وما فيه من الفتن، وهو مما حذر منه الأنبياء من قبلنا؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف عند قبره واستغفر له، وقال للناس: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم فتنة القبر، والسؤال الذي يكون فيه، كما أثبت عليه الصلاة والسلام عذاب القبر والنكال الذي يكون فيه. وأول شيءٍ يحصل في ذلك المقام: الضغطة التي يضغط بها القبر على صاحبه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عند موت سعد بن معاذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو نجا أحد منها لنجا سعد بن معاذ) ولكن هذه الضغطة عامة لجميع من يدخل القبر، فإذا كان من أهل الصلاح روخي عنه وانفرج القبر واتسع عليه، وإن كان من أهل الكفر والفجور ازداد عليه ضيقاً حتى تختلف أضلاعه، ثم يكون بعد ذلك السؤال، وبناءً عليه يكون النعيم أو العذاب. لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أسباب عذاب القبر، وذكر منها في هذا الحديث سببين: الأول: النميمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (لا يدخل الجنة نمام)، وفي رواية: (قتات) فالنمام الذي ينقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد بينهم، فيسمعهم يتحدثون حديثاً فينم عليهم، وقيل: إن القتات هو الذي يتسمع عليهم دون أن يشعروا ثم ينقل خبرهم. فهذا الذي ينقل للإيقاع والإفساد بين المسلمين يكون متعرضاً مباشرةً لسببٍ من أسباب العذاب في قبره.

إن النميمة من الآفات العظيمة في المجتمع، والنمام يفسد ذات البين، والشريعة جاءت لإصلاح ذات البين، والأمر بالتقريب بين نفوس المؤمنين، فهذا النمام يعمل على خلاف ما أمرت به الشريعة وسعت إليه، ويفعل بالناس فعل النار بالهشيم، فيدخل بين الصديقين، فيصيرهما عدوين، وينقل إلى كل منهما عن أخيه ما يسوءه وما يكدر عليه، وهذا -ولا شك- إيذاء للمؤمنين والمؤمنات، وقد قال عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58]. وينبغي للإنسان إذا بلغه خبر من نمام أن يرده عليه وأن يعظه وينصحه، وقد قال الحكماء: من نمَّ لك نمَّ عليك. احفظ إخوانك، وصل أقاربك، وآمنهم من قبول قول ساعٍ أو سماع باغٍ يريد الإفساد بينك وبينهم، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك، وينبغي على الناس أن يسدوا الطريق على النمامين، فلا يذكروا إخوانهم في المجالس إلا بخير. إن بعض النمامين يجلسون في المجالس، فيجاملون الذي يتكلم على فلان وعلان ليوهموه أنهم معه، فإذا قاموا نقلوا كلامه للإفساد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن شر الخلق عند الله ذو الوجهين وذو اللسانين) وذو الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. وكذلك فإننا إذا تأملنا في المجتمع وجدنا أن كثيراً من الحبال قد انقطعت بسبب هذه الفتنة العظيمة.. فتنة النميمة؛ لأن الفسق الذي صار بالنمام والقبول الذي حصل من الآذان لكلام النمام هو الذي أوجب القطيعة، وأوجب العداوة بين كثير من المسلمين.

وقد علَّمنا الله تعالى كيف نعامل النمام، فقال: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] أي: يمشي بين الناس بالنميمة، قال: (ولا تطع) أي: لا تصغ إليه، ولا تقبل كلامه، وتعظه وتنصحه وترده على عقبيه .. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] فهذا الذي يمشي بالنميمة لابد من إيقافه عند حده، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] ولا شك أن النمام فاسق. ولذلك ينبغي التوقف في قبول خبره، والاحتياط والتحرز.

هؤلاء النمامون لم تسلم منهم العلاقات الزوجية، ولا علاقة الموظفين مع مدرائهم، ولا الموظفون مع بعضهم البعض، بل حتى مع طلبة العلم، فقد صار بعضهم يمشي إلى فلانٍ ويقول له: إن فلاناً قد ذكرك في مجلسه بشر، وقد انتقدك أو عابك أو نحو ذلك، فيكون هذا سبباً حتى في الإفساد بين طلبة العلم، وكم من الإحن قد حصلت في الصدور، وكم من الأحقاد قد استقرت في القلوب بسبب أفعال هؤلاء. ومن النميمة: إيغار صدور الآباء والأساتذة بما ينقل بعض الأبناء والتلاميذ عن بعض، فيصبح الولد البار والتلميذ الصالح بغيضين ممقوتين، وهما يستحقان من الوالد ومن المعلم الشكر والتقدير. أما النميمة في البيوت وبين العائلة فحدث عن الابتلاء بها، ولئن كانت الضرة تنم على ضرتها لبعض الغيرة بينهما؛ فإنك تجد في كثير من الأسر النميمة تنقل من أم الزوج إلى ابنها عن زوجته، ومن الزوجة إلى زوجها عن أمه، وكذلك تنقل من الأقارب والأباعد، وكثيراً ما كانت النميمة سبباً للطلاق، وتهديم الأسر وتخريبها؛ فلا تستغرب -يا عبد الله- إذا علمت بعد ذلك أن النميمة سببٌ مباشر من أسباب عذاب القبر، وتنقل زوجة الأب لزوجها عن أبناء ضرتها، أو عن أبناء زوجته المطلقة أو الثالثة ما تنقل، وقد يكون جاهلاً ينخدع، أو مستمالاً إليها فيطيعها. وكذلك ما يذهب به بعض الناس إلى الكهان، ويسمعون منهم كلاماً في بعض الناس فيصدقونه، فيكون الكاهن قد أضاف إلى جرمه بالشرك نميمة أيضاً. وكذلك فإن بعض المدراء في الشركات، أو المسئولين في الدوائر لا يكونون حكماء، فيفتحون المجال للموظفين لنقل الأخبار في بعضهم البعض، وربما يريد أن يفرق ليسود، وأن تجتمع عنده الأخبار، زعماً بأنه من طبيعة وظيفته أن يعرف ما يدور، ولكن الشريعة فوق هذه الأمور الإدارية التي يظنها بعض المدراء مصلحة، وإنما المفسدة فيها كل المفسدة، فبعض الموظفين قد فصل أو اضطر إلى مغادرة عمله بسبب نميمة موظفٍ آخر، وكل واحدٍ يريد أن يتزلف إلى المدير بكلامٍ ينقله عن موظفٍ آخر تكلم على هذا المدير أو ذمه أو نحو ذلك، ويظن هذا الموظف النمام أنه يتقرب إلى سيده، وأنه يزداد حظوة عنده، وأنه عينه على بقية الموظفين، وما درى أنه نمام معذبٌ في قبره، وأنه سببٌ لإيذاء الآخرين، فينبغي على الإنسان أن يكف لسانه عن عيب الناس، وينبغي على من سمع العيب ألا ينقله.

جزاك الله خير الجزاء يا اختاه ؤبارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.