تخطى إلى المحتوى

إنه القرآن الذي صدع عناد الكفر .

فضل القرآن

خليجية

محاضرة للشيخ محمد حسان

أنزل الله عز وجل كتابه الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم معجزة للبشرية، وآية لهم، فتحدى الله به أفصح العرب أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم لن يستطيعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ثم حفظه الله من التحريف والتغيير والتبديل؛ ليكون مهيمناً على جميع الكتب والأديان السماوية، فحفظه الله في صدور الرجال من صحابة رسول الله، حتى دونوه في الصحف، ونشروه للأمة، وقد تعبدنا الله تعالى بتلاوته وضاعف على ذلك الأجر، فمن أخذه فقد وفق للحق والهداية، وكان شفيعاً له يوم القيامة بإذن الله.

بيان فصاحة القرآن وإعجازه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء وأيتها الأخوات الفاضلات! وأسأل الله عز وجل الذي جمعني مع حضراتكم جميعاً في هذه اللحظات الكريمة الطيبة على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أخي الحبيب! إن موضوع هذا اللقاء موضوع جليل؛ لأننا سنتحدث فيه عن كلام ربنا الجليل، فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، فهو الحجة البالغة، والدلالة الدامغة، والعصمة الراقية، والنعمة الباقية، وهو شفاء الصدور، وهو الحكم العدل إذا ما اشتبهت الأمور. أولاً: مصدرية القرآن الكريم دليل على إعجازه، بمعنى: أنك إذا علمت أن القرآن من عند الله؛ فاعلم يقيناً أنه كلام معجز؛ لأنه كلام الله جل جلاله، وهذا معنى أن مصدرية القرآن دليل على إعجازه، والله سبحانه وتعالى جعل هذا القرآن أعظم معجزات نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، مع كثرة ما أجرى الله لنبينا صلى الله عليه وسلم من معجزات، إلا أنني أود أن أؤكد للمسلمين والمسلمات بأن أعظم وأكرم وأخلد وأبقى معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم: هي القرآن الكريم. فأنت تعلم أن الله سبحانه وتعالى قد بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيئة اشتهر أهلها بالبلاغة والبيان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب قومه بلغتهم؛ فأنزل الله تبارك وتعالى عليه هذا القرآن المعجز ليتحدى الله به البشرية كلها، لا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، وإنما في كل العصور، بل وستعجب إذا قلت لك بأن التحدي ما زال قائماً إلى هذه اللحظة، بل إلى يوم القيامة ونحن في القرن الحادي والعشرين ما زال ربنا تبارك وتعالى يتحدى بهذا القرآن الكريم البشرية كلها. ……

القرآن الكريم ومعجزة التحدي

مراحل تحدي الله للمشركين أن يأتوا بمثل القرآن

لما نزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة البلاغة والبيان؛ اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جاء به من عنده، وأنه من نظمه وكلامه، وقالوا: هذا كلام عادي؛ فتحداهم ربنا سبحانه وتعالى أن يأتوا بقرآن مثله، فقال سبحانه: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] أي: ولو ناصر وظاهر وساند بعضهم بعضاً؛ فلن يتمكنوا أبداً من أن يأتوا بمثل هذا القرآن. وهو سبحانه وتعالى تحداهم ابتداءً بقرآن مثله، فلما كان التحدي عسيراً، وكان الأمر شاقاً جداً خفف الله عز وجل التحدي، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط، فقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، من باب الذم على ما يقوله الخصم؛ لإقامة الحجة عليه، أي: أنتم تزعمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد افترى هذا القرآن وأتى به من عند نفسه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) أي: افتراه المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)، فعجزوا. فخفف الله التحدي إلى أقل صور التخفيف، فتحداهم أن يأتوا بسورة، فقال سبحانه: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] و(لن) مستقبلية فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]. فمصدرية القرآن دليل على إعجازه، ولذلك من أبلغ ما قاله جماهير المفسرين في الأحرف المتقطعة في أوائل السور، كقوله تعالى في أول سورة البقرة: الم [البقرة:1]، وكقوله تعالى: كهيعص [مريم:1]، وكقوله تعالى: حم * عسق [الشورى:1-2].. إلى آخر هذه الأحرف المتقطعة التي استفتح الله بها بعض سور القرآن الكريم؛ إن أعظم ما قيل في معناها -وهو قول جماهير المفسرين- إنها أحرف متقطعة من حروف اللغة العربية التي يتحدث بها أهل البلاغة والبيان في مكة، وإن القرآن مكون من هذه الأحرف، فإن كنتم تزعمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أتى بهذا القرآن من عند نفسه، فهاهي أحرف القرآن من لغتكم؛ فائتوا بقرآن مثله.

خوف أهل الشرك والكفر من سماع القرآن

إن مصدرية القرآن دليل على إعجازه، بل وستعجب إذا علمت أن المشركين كانوا يخافون على أنفسهم من سماع القرآن؛ لماذا؟ لأن القرآن كان يصدع عناد الكفر والكبر في قلوبهم، وإذا سلم أحدهم عقله وقلبه للقرآن غيَّر القرآن قلبه، ولقد سجل الله وصيتهم لبعضهم البعض في القرآن، فقال الله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، أي: شوشوا على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تفتحوا آذانكم ولا قلوبكم لهذا القرآن؛ لأنهم إن سمعوه تغيرت القلوب والأبصار والآذان، وتغير كل شيء. كيف وقد بين لنا ربنا أن هذا القرآن لو أنزله على جبل وعلى حجارة صلدة لخشعت، فكيف تخشع الجبال الصم للقرآن ولا يخشع القلب الذي فطر أساساً على التوحيد؟! كما قال الله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فكل بشر ولد على فطرة التوحيد.. على فطرة الإسلام. كانت وصية الكفار لبعضهم البعض: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه)؛ لماذا؟ (لعلكم تغلبون).

كسر القرآن لعناد الكفر واستكباره

بل واعلم معي أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد روى في كتاب التفسير في الصحيح -في باب قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]- حديثاً مختصراً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (سجد النبي صلى الله عليه وسلم بسورة النجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن). ما القصة؟ إنها قصة عجيبة: سجد النبي.. وسجد المسلمون.. وهذا وارد، لكن: والمشركون كيف ذلك؟ هذا حديث له قصة: ففي السنة الخامسة من البعثة، دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيت الله الحرام، وكان في بيت الله الحرام في هذا الوقت مجموعة كبيرة من سادة المشركين وكبرائهم، وقام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لله جل وعلا، وافتتح النبي صلاته بسورة النجم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:1-5].. إلى آخر السورة. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر سورة النجم آيات تطير لها القلوب: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:59-62]، وخر النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً لله، فلم يتمالك أحد من المشركين نفسه؛ فخر ساجداً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو السر الحقيقي الذي ربما يجهله كثير من أحبابنا وإخواننا، هذا هو السر الذي جعل المسلمين الأوائل الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة يعودون مرة أخرى إلى مكة بعد هجرتهم الأولى؛ فإنهم لما وصلهم الخبر بأن المشركين قد سجدوا خلف رسول الله، ظنوا أنهم قد دخلوا في دين الله عز وجل فرجعوا، لكن المشركين لما رفعوا رءوسهم أنكروا ما فعلوه! وأنكروا ما صنعوه! لكنه القرآن الذي صدع عناد الكفر والكبر في قلوبهم؛ فسجدوا لله تبارك وتعالى خلف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن له فصاحته! وله روعته: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون [الحشر:21]، هذا القرآن لو أنزله الله على جبل لخشع وتصدع من خشية الله سبحانه وتعالى، فالقلوب تخشع للقرآن إن أنصتت القلوب إليه، وإن أصغت الآذان إليه. واعلم أخي الحبيب بأن كل أحد يأخذ من القرآن على بقدر ما أراد الله له أن يأخذ منه، فأنت تأخذ من القرآن، وأنا آخذ من القرآن، والعامل البسيط يأخذ من القرآن، وعالم الذرة يأخذ من القرآن، والكيميائي في معمله يأخذ من القرآن، وكل واحد يأخذ من القرآن على قدر ما فتح الله على العبد، وعلى قدر استقبال العبد لكلام ربه سبحانه وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]. أيها الأحبة! كان لا بد من هذه المقدمة قبل أن أبين كيف وصل إلينا القرآن الكريم. فلما بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم، بدأت آيات القرآن الكريم تتنزل تترا على قلب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، بعدما خاطبه ربنا على لسان جبريل بقوله: اقْرَأْ [العلق:1]، ثم نزلت الآيات: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً [المزمل:1-2].. يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2]. فقام سيدنا رسول الله، ووالله لم يذق طعم الراحة حتى لقي سيده ومولاه! وبدأت الآيات تتنزل، فكان ينزل أمين وحي السماء جبريل على أمين أهل الأرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآيات القرآن الكريم، وكان من حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشغفه على أن يسمع القرآن، أنه كان يتعجل في القراءة، فأنزل الله سبحانه وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18]، (فإذا قرأناه) أي: على لسان جبريل.

لتحميل المحاضرة الصوتية

https://www.youtube.com/watch?v=5f-F8Rxajs4

خليجية

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.