تخطى إلى المحتوى

دعوة للتوبة في هذه الأيام المُباركة

بسم الله الرحمن الرحيم
[ الحمد لله الذي قضى على كل مخلوقٍ بالفناء و تفرّد بالعزّ و البقاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم تسليماً كثيرا

أمّا بعد ، ، ،

فاتّقوا اللهَ حقّ التقوى ، الأعمار تُطوى و الآجال تفنى ، و ما عند اللهِ خيرٌ و أبقى ] .

أخي الفاضل !

كم كُنتَ تعرف ممّن صام في سلفٍ ، من بين أهلٍ و جيرانٍ و إخوانِ ، أفناهمُ الموتُ و استبقاكَ بعدهمُ حيًّا، فما أقرب القاصي مِن الدَّاني ، و مُعجبٌ بثيابِ العيدِ يقطعها ، فأصبحت في غدٍ أثوابَ أكفانِ ، حتى متى يعمر الإنسانُ مسكنه ؟! مصيرُ مسكنه قبرٌ لإنسانِ !

كم أفجعنا موت الآباء و الأمّهات !
و فراق الأصحاب و الخلاّن !
و رحيل العلماء و الملوك !
الشيب منهم و الشباب !

و ما زلنا نتلقّف أنباء مصرع فُلانٍ و فلان مِن كُلّ حدْبٍ و صوْب – رحم الله جميع موتى المسلمين –

فأين هم اليوم ؟!
أين ؟!

ها هم في ظلمة القبور ، المكان الموحش، مضجعهم التراب و غطاؤهم اللحد و مقرّهم القبر و الدود أنيسهم و منكر و نكير جليسهم ، و الساعة موعدهم ، و الجنّة أو النّار موردهم و لا نعلم مَن مِنّا غداً سيجاورهم !

فما بالنا نشيّع كل يومٍ غادياً لربّه فنعود و كأنّ شيئاً لم يكن ! نتذكّر آثار موتانا بمصرعهم و ننساهم ما أن نولّي الظهور لتلك المقابر ! نبكي عليهمُ اليوم و لا ندري مَن سيبكينا غداً ؟! نذكرهم اليوم و لا ندري هل نُنسى غداً ؟! قد نتّعظ لفراقهم برهةً مِن الزمن و سرعان ما ننساهم كما نسينا قبلهم الكثير ممّن خطفهم الموتُ عنّا فنعود لهذه الدنيا الفانية و ننغمس في ملذّاتها و شهواتها ! إلى متى هذه الغفلة ؟!

أخي الكريم / أختي الكريمة

ماذا لو خطفك الموتُ بغتةً مِن هذه الدنيا ؟!
مِن أهلك و جيرانك و أصحابك ؟!
مِن شهواتك و ملذّاتك ؟!
مِن دور الخراب ( السينما ) ؟!
مِن المُزَلزِلات ( المسلسلات ) ؟!
مِن الأغاني و اللهو المحرّم ؟!
مِن إطلاق بصرك في النساء ؟!
مِن تضييعك للولاء و البراء ؟!
مِن الكذب و الغيبة و النّميمة ؟!
مِن الغش و البُهتان ؟!
مِن إشعال فتيل الفتنة بين الإخوان ؟!
مِن سخريتك و لمزك و ازدرائك مِن الآخرين ؟!
مِن استهزائك بالمستقيمين ؟!
مِن تضييعك لحقوق وُلاة أمرك ؟!
مِن عقوقك لوالديك ؟!
مِن عدم تغييرك المُنكر بل و إعانتك عليه ؟!
مِن مجاهرتك بمعاصيك ؟!
مِن سفرك لبلاد الكفر لغير الحالات التي بيّنها أهل العلم ؟!
مِن التشبّه بالكفّار الفسقة الفجرة ؟!
مِن تجرّؤك في التّكلّم في دين الله بغير علم ؟!
مِن لمزك و تنقّصك للعلماء ؟!
مِن كبائر الذنوب و صغائرها ؟!
مِن غفلتك عن طاعة الله ؟!
مِن تركك للصلاةِ تهاوناً أو تكاسلاً ؟!
مِن تركك للجُمَع و الجماعة ؟!
مِن تركك للصيام بغير عذر ؟!
مِن تبرّجكِ و سفوركِ و كشفكِ للوجه ؟!
مِن عدم التزامكِ بالحجاب الشرعي ؟!
مِن تشبّهكِ بالرجال و عباءة الكتف إحداها ؟!
مِن تزيّنكِ و تطيّبكِ عند الخروج ؟!
مِن الاختلاط المُحرّم ؟!
مِن كثرة الخروج مِن بيتكِ لحاجة أو لغير حاجة ؟!
مِن المحادثات المحرّمة مع الشباب عبر شبكة الإنترنت أو غيره ؟!
مِن خضوعكِ بالقول لفتنة الشباب ؟!
مِن . . .
مِن . . .
مِن . . .

كيف سيكون حالك حينئذ ؟! و لم تُعدّ العدّة و العتاد لمثل هذا اليوم العسير ! و قد صدّك التسويف مِن الرجوع و العودة لله – جلّ و عزّ – و غرّتك الأمانيّ و طول الأمل و اتّباع الهوى عن الحق ؟!

جاء في المسند1 مِن حديثِ البراءِ بن عازبٍ – رضي الله عنه – ؛ قال : بينما نحنُ معَ رسولِ الله – صلى الله عليه و سلم – إذْ بَصُرَ بجماعةٍ فقالَ : عَلاَمَ اجْتَمَعَ هؤلاءِ ؟ قِيلَ : على قبرٍ يَحْفُرُونَهُ ، ففَزِعَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه و سلم – ، فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أصحابِه مُسْرِعاً ، حتَّى انْتَهَى إلى القبرِ ، فَجَثَا على رُكبَتَيْهِ ، فَاسْتَقبَلْتُهُ بينَ يديهِ لأنْظُرَ ماذا يَِصْنَعُ ، فبكى حتَّى بلَّ الثَّرى مِن دُمُوعِهِ ، ثُمَّ أقْبَلَ علينا فقالَ :أيْ إخواني ! لِمِثْلِ هَذَا اليومِ ؛ فأعِدُّوا "

ماذا أعددنا لمثل هذا اليوم ؟!
ماذا أعددتَ أخي؟!
ماذا أعددتِ أخيّة ؟!

أتدرون ما حالنا اليوم ؟!
نحن اليوم في غايةِ التقصير بل و التفريط مع غايةِ الأمن !

لكن لو نظرنا لحال الصحابة – رضوان الله عليهم – كما ذكر ذلك الإمام ابن قيّم الجوزيّة – رحمة الله عليه – في كتابه [ الداء و الدواء ]2 لوجدناهم في غايةِ العمل مع غايةِ الخوف !

ها هو أبو بكر الصدّيق – رضي الله عنه و أرضاه – إذا قام إِلَى الصَّلاةِ كَاَنَّهُ عُودٌ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ – عزَّ وَ جلَّ – و ذُكِرَ عنه أنَّهُ كان يُمسكُ بلسانِه و يقولُ : " هذا الذي أوْردني الموارد "

و هذا عمرُ بن الخطّاب – رضي الله عنه و أرضاه – قرأ سورة الطورِ حتى إذا بلغَ : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } [ الطور:7] ، بكى و اشتدَّ بكاؤه حتى مرض و عادوه و قال لابنهِ و هو في المَوْتِ : " وَيْحَكَ ضَعْ خَدِّي على الأرْضِ ، عساه أن يَرْحَمَنِي " ، ثم قال : " ويلَ أمِّي ، إن لم يغْفِر لي " . ثلاثاً ، ثم قضى ، و كان في وجههِ – رضي الله عنه – خَطَّانِ أسودانِ مِنَ البُكَاءِ

و قال له ابنُ عباسٍ : مصَّرَ اللهُ بكَ الأمصَارَ ، و فتحَ بك الفُتوحَ ، و فَعَلَ و فَعَل ، فقالَ : " وَدِدْتُ أنِّي أنجو لا أجْرَ و لا وِزْرَ "

و هذا عثمانُ بنُ عفانَ – رضي الله عنه و أرضاه – ، كان إذا وقف على القبرِ يبكي حتى تبتلَّ لحَيَتُهُ و قال : " لو أنّني بينَ الجنَّةِ و النَّارِ لا أدري إلى أيتهما يُؤمَر بي ؛ لاخترتُ أنْ أكونَ رماداً قبلَ أن أعلمَ إلى أيَّتهما أصيرُ "

و قرأ تميمٌ الدّاري ليلةً سورَةَ الجاثيةِ ، فلمّا أتى على هذهِ الآيةِ : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُم كالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [الجاثية:21] جعلَ يُردِّدُهَا و يبكي حتى أصبحَ !

و نحن اليوم كما قال النّاظم :

نصل الذنوبَ إلى الذنوبِ ونرتجي
درج الجِنانِ بها وفوز العابدِ

ونسينا أن اللهَ أخرج آدما
منها إلى الدُّنيا بذنبٍ واحدِ

قال3 العلاّمة ابن القيّم – رحمه الله – :

و ممّا ينبغي أن يُعلمَ أنَّ مَنْ رَجا شيئاً استلزمَ رجاؤه ثلاثة أمورٍ :

أحدها : محبةُ ما يرجوه
الثاني : خوفُه مِنْ فواتِهِ
الثالث : سعيُهُ في تحصيلِهِ بحسبِ الإمكان.

و أما رجاءٌ لا يُقارنُهُ شيءٌ مِن ذلك ؛ فهو مِنْ بابِ الأمانِيِّ . و الرجاءُ شيءٌ و الأمانِي شيءٌ آخَرُ؛ فكلُّ راجٍ خائفٌ، و السائرُ على الطريق إذا خافَ ، أسرعَ السيرَ مخافةَ الفواتِ.

و في " جامع الترمذيِّ " مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال : قالَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه و سلم – : "مَن خَافَ أَدْلَجَ ، وَ مَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِِلَ ، ألَا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ ، ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ "

و هو سبحانه كما جعلَ الرَّجاءَ لأهلِ الأعمالِ الصَّالِحَةِ ، فكذلك جعل الخوف لأهلِ الأعمالِ الصَّالِحةِ ، فعُلِمَ أنَّ الرجاءَ و الخوفَ النافعَ هو ما اقترن به العملُ الصالحُ ؛ قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشفِقُونَ . وَ الَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤمِنُونَ . و الَّذِينَ هُمْ بِربِّهِم لَا يُشْرِكُونَ . وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ راجِعُونَ . أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَ هُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [ المؤمنون 57-61]

و قد روى الترمذيُّ في " جامعهِ " عن عائشةَ – رضي الله عنها – ؛ قالت : " سألتُ رسولَ الله – صلى الله عليه و سلم – عن هذه الآية ، فقلتُ : أهُمُ الّذين يَشْرَبُونَ الخَمْرَ و يَزْنُونَ و يَسْرِقُونَ ؟

فقالَ :لاَ ، يا بنْتَ الصِّدِّيق ، و لكنهم الَّذينَ يَصُومُونَ و يُصَلُّونَ و يَتَصَدَّقُونَ، وَ يَخَافُونَ أن لا تُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ، أُولئِكَ يُسَارِعُونَ في الخيراتِ " ا.هـ كلامه – رحمه الله –

خاب و خَسِر مَن فرّط في أيّام هذا الشهر المُبارك ، و قضى ليلَه في السهر و اللَّهو و اللعب و ضيّع نهارَه في النَّومِ أو ضيَّعه أمام الشاشات و أطلق بصره في النساء السافرات و مكّن سمعَه مِن الكذب و الزور في تلك المسلسلات ؛ قال النَّبي – صلى الله عليه و سلم – : رُب صائمٍ حظه مِن صيامه الجوع و العطش " رواه أحمد و ابن ماجة

خاب و خَسِر مَن لم يردعه صيامَه عن الكذبِ و الغيبةِ و النَّميمة و البهتان و الغش و الاستهزاء و الفُحش و التبرّج و السفور و غيرها مِن المُحرَّمات ؛ قال النَّبي – صلى اللهُ عليه و سلم – : " مَن لَم يدع قول الزُّور و العمل به فليس للهِ حاجةٌ في أَن يدع طعامَه و شرابه " رواه البخاري

قُل لي بربّك !

أين التقوى التي مِن أجلِها شُرِع الصّيام ؟!

قال – تعالى – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون } [ البقرة : 183]

و قال النَّبي – صلى الله عليه و سلم – : " رغم أنف امرئٍ دخل عليه رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له " رواه الترمذي و صححه الألباني

ها نحن في العشر الأواخر مِن هذا الشهر المُبارك فطوبى لمَن اغتنمها أيّما اغتنام و هذه دعوة للمفرّطين و المذنبين أن يتوبوا و يعودوا إلى الله – جلّ جلاله – لأننا لا ندري هل سنُدرك رمضان المُقبِل أم أنّنا سنكون تحت الثرى و أقول كما قال الإمام الحسن البصري – رحمه الله – : "يا ابن آدم إنما أنتَ أيّام إذا ذهب يومٌ ذهب بعضك " !

و الله تعالى أعلى و أعلم

و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم

22- رمضان – 1445 هـ

__________________

ما بين معقوقتين مقتبس مِن محاضرة ( غُربة أهل السُّنّة و الجماعة ) للشيخ سالم العجمي – حفظه الله –
1 (4/492)
2 ص 61-64
3 [الداء و الدواء] ص59-60

منقول

يرفع للفائدة ،،

جزاك الله الف خير

… تسلمين اختي… اللهم تب علينا واغفر لنا وارحمنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.