تخطى إلى المحتوى

فوائد من قوله تعالى:{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه .}

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فوائد من قوله تعالى:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾
[الأنعام:38]
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

فإن الله أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به، قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص:29].

وعملاً بهذه الآية الكريمة لنستمع إلى آية من كتاب الله، ونتدبر ما فيها من العظات والعبر، قال تعالى:﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام:38].

قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تُعْرَفُ بأسمائها، وقال قتادة: الطير أمة, والإنس أمة، والجن أمة، وقال السدي:﴿ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ أي: خلق أمثالكم[1].

قوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ أي: الجميع علمهم عند الله، لا ينسى واحداً من جميعهم من رزقه وتدبيره، سواء كان بريًّا أو بحريًّا، كقوله: ﴿ ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6] أي: مُفصِح بأسمائها وأعدادها ومظانِّها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، قال تعالى: ﴿ وكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت:60][2] أي: لا تطيق جمعه وتحصيله، ولا تدَّخر شيئاً لغد، ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ أي: الله يُقَيِّض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء[3].

قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ روى ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «حشْرها: الموت».

القول الثاني: أن حشرها هو بعثها يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾ [التكوير:5] روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتطِحَانِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟»، قَالَ: لَا، قَال صلى الله عليه وسلم:«لكن الله يدري وسيقضي بينهما»[4].

وروى عبدالرزاق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة: البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجمَّاء من القرناء، قال: ثم يقول: «كوني تراباً، فلذلك يقول الكافر: ﴿ يالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ﴾ [النبأ:40][5] ».

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:«لَقَد تَرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَقَلَّبُ فِي السَّمَاءِ طَائِرٌ، إلاَّ ذَكَرَ لَنَا مِنهُ عِلماَ»[6].

ومن فوائد الآية الكريمة:

أولاً: عدل الله التام بين البهائم والطيور وسائر المخلوقات، وهذا العدل دقيق جداً حتى في مثقال الذرة الذي يحتقره الناس، قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16].

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهِلهَا يَوْمَ القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»[7].

ثانياً: أن الله قد تكفل برزق جميع الدواب والطيور والأسماك وسائر المخلوقات، من كان منها في الأرض أو الجو أو البحار والأنهـار، قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت:60].

قال حاتم بن الأصم:
وَكَيْفَ أَخَافُ الفقرَ واللهُ رازِقِي ورازقُ هذا الخلقِ في العسِر واليسرِ

تَكَفَّل بالأرزاقِ للخلقِ كلهم وللضبِ في البيداءِ والحوتِ في البحرِ

ثالثاً: أنه يجب على المؤمن أن يتوكل على الله الرزاق الذي رزق جميع المخلوقات، فإن رزقه سبحانه لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب, فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصـار[8]، قال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، وقال تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ [العنكبوت: 17]، روى الإمـام أحمد في مسنده من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِه لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطيَّرَ، تَغْدُو خِمَاصاً، وتَرُوحُ بِطَاناً»[9].

رابعاً: عِلْمُ الله التام الشامل فلا يغيب عنه شيء، صغيراً كان أو كبيراً، ولا ينسى أحداً من خلقه، سواء كان إنساناً أو دابة أو طيراً، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ [مريم: 64]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

خامساً: أن المؤمن إذا استشعر عظمة الله وقدرته وإحاطته بكل شيء، حاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، وأبرأ ذمته من حقوق العباد، قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف: 49].

سادساً: إثبات الحشر لجميع المخلوقات حتى الدواب والطيور بنص الآية والحديث.

والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــ

[1] تفسير ابن كثير (6/31).

[2] تفسير ابن كثير (6/31).

[3] تفسير ابن كثير (10/526).

[4] (35/345) برقم 21441، وقال محققوه: حديث حسن.

[5] تفسير عبدالرزاق (2/206).

[6] (35/346) برقم 21441، وقال محققوه:حديث حسن.

[7] ص104، حديث رقم 2582.

[8] تفسير ابن كثير (10/526).

[9] (1/332) برقم 205، وقال محققوه: إسناده قوي.

يزاج الله خير على الموضوع الجميل

جزاك الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.