بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الفرح بالله
قال الملك ذو الجلال سبحانه: {قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
الفرح فرحان، فرح بالحق وفرح بالباطل.
الفرح بالباطل هو مثلاالفرح بالأموال التي تؤخذ كيفما اتفق.. هو عموما الفرح بكل ما ليس بحق؛قال سبحانه: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} غافر_آية:76 ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تمرحون: الفرح والمرح بالباطل هو الذي نهى عنه أصحاب قارون قرون، حين قالوا له: {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}
هناك فرح منهي عنه: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ} الحديد_آية:23، الفرح الذي تشوبه الخيلاء، الفرح بالباطل وبما أصله الحزن:
لما أدخل الحجاج بن يوسف الثقفي على سعيد بن جبير آلات اللهو والطرب، أدخل عليه العود فبكى سعيد فقال له الحجاج: "لم تبكي؟ هذا اللهو والفرح، فقال سعيد: "إنه الحزن، أما العود فخشبه من شجرة قطعت بغير حق كانت تسبح الله، أما الأوتار فأمعاء شاة، كانت يومًا تسبح الله".
أرأيت ما يسمونه طربا؟ ما يسمونه فرحا يكون حزنًا وألمًا ونكدًا وهمًا وتعبًا، فلذلك تجد الذين يفرحون بغير حق، إذا خلوا.. في آخر المطاف دخل إلى غرفته وأغلق عليه، يعصر قلبه الألم بعد المعاصي والسيئات، أما الذين يفرحون بالحق.. يفرحون بالله، فهم أسعد الناس في الخلوة.. عندما يختلي لوحده يعيش في الأنس مع ربنا، قمة السعادة، قمة الفرح بالله تعالى.
ابن القيم عليه رحمة الله، يقول في هذا السياق: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره".
وقال كذلك: "فمحبته تعالى، ومعرفته، ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة به، وإفراده بالحب، والخوف والرجاء، والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد، وعزماته وإراداته هو جنة الدنيا".
وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".
هذه هي جنة الدنيا، حب الله، معرفته، دوام ذكره، السكون إليه، سكون القلب إلى الله، طمأنينة القلب بالله، وإفراد الله بالحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والمعاملة، بحيث يكون الله هو المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته.
عندما يكون ربنا هو شغلك الشاغل، مشغولٌ به طوال الوقت، لست مشغولاً بكذا ولا كذا ولا كذا.. حين يكون شغلك الدائم الله، الله سبحانه وتعالى يسعد قلبك، هذه هي جنة الدنيا، النعيم الذي لا يشبهه شيء، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين، وإنما تقر عيون الناس على حسب ما تقر به عين الله عز وجل، فمن قرت عينه بالله قرت به الدنيا، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
ابن القيم يقول: "وإنما يصدق هذا من في قلبه حياة"، وهذا ما أعنيه، فقد يقول أحدهم لك: لا، لا ، أنا حين ألعب مباراة في كرة القدم أسعد وأفرح، ولما أشاهد فيلما كوميديا أفرح.."
فهذا ميت، وإنما يصدّقُ ما نقول أصحاب القلب الحي، من يحس قلبه بالفرحة الحقيقية، أما الفرحة الثانية فهي فرحة شكلية، وسعادة وهمية، ليست حقيقية، تُنغص في أقرب فرصة، أما الذين يفرحون بالله، ويسعدون بالله، فهؤلاء لا تنتهي فرحتهم، ولا تنقطع سعادتهم، ولا تكدر صفوتهم، هؤلاء يعيشون حياة مختلفة، مع ربنا سبحانه وتعالى، وذلك حين يعيش الإنسان فرحًا بالله سعيدًا به سبحانه وتعالى.
كيف نبْلغ هذه السعادة ؟
المحبون هم سعداء الدنيا والآخرة، مهما جرت عليهم من أقدار الدنيا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له"، سبحان الله العظيم، المؤمن، كما نقول دائمًا: "كل ما يأتي من حبيبك فهو حبيبك"، فالمؤمن لأنه يعلم أن هذا أتاه من الله، وبقدر الله ومن عند الله، مهما كان هذا القدر فهو به راض، به يعيش، ويكون في غاية السعادة.
الفرح بالله قرة العين، يكون فرحا وسعيدا بربنا، بالله جل جلاله.
كيف يتأتى هذا ؟ بحسن الظن بالله، وصدق التوكل على الله، وقوة الاستعانة بالله، وحب التقرب من الله بهذا تعيش السعادة القلبية مع الله.
منقول للفائدة