بين ما تعلق به القائلون بمشروعية الإحتفال بالمولد النبوي شبهة واهية وهي ما رُوي من أن أبا لهب الخاسر رؤي في المنام، فسئل فقال: إنه يعذب في النار، إلا أنه يخفف عنه كل ليلة اثنين، ويمص من بين أصبعيه ماء بقدر هذا، وأشار إلى رأس أصبعه، وأن ذلك كان له بسبب إعتاقه جاريته ثويبة لما بشَّرته بولادة محمد -صلى الله عليه وسلم- لأخيه عبد الله بن عبد المطلب، وبإرضاعها له -صلى الله عليه وسلم-.
هذا الخبر رواه البخاري مرسلاً في باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ، و ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) من صحيحة، بعد أن ذكر الحديث بسنده عن عروة بن الزبير، أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان، فقال: ((أو تحبين ذلك؟)) . فقلت: نعم، لست لك بِمُخلية، وأحب من شاركني في خير أختي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ذلك لا يحل لي)) . قلت: فإنا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: ((بنت أم سلمة؟)) . قلت: نعم. فقال: ((لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكنّ)) .
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة ، قال له: ماذا لقيت؟ قال: أبو لهب: لم ألق بعدكم، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة .
وردُّ هذه الشبهة وإبطالها من أوجه:
1ـ إن أهل الإسلام مجمعون أن الشرع لا يثبت برؤى الناس المنامية، مهما كان ذو الرؤيا في إيمانه وعلمه وتقواه، إلا أن يكون نبي الله فإن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي، والوحي حق.
2ـ إن صاحب هذه الرؤيا هو العباس بن عبد المطلب، والذي رواها عنه بالواسطة، فالحديث إذاً مرسل، والمرسل لا يحتج به ولا تثبت به عقيدة ولا عبادة، مع احتمال أن الرؤيا رآها العباس قبل إسلامه، ورؤيا الكافر حال كفره لا يحتج بها إجماعا.
3ـ أكثر أهل العلم من السلف والخلف على أن الكافر لا يثاب على عمل صالح عمله إذا مات على كفره، وهو الحق؛ لقول الله تعالى، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}، وقوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد سألته عائشة -رضي الله عنها- عن عبد الله بن جدعان الذي كان يذبح كل موسمِ حج ألف بعير، ويكسو ألف حلة، ودعا إلى حلف الفضول في بيته: هل ينفعه ذلك يا رسول الله؟ فقال: "لا؛ لأنه لم يقل يوما من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". وبهذا يتأكد عدم صحة هذه الرؤيا، ولم تصبح شاهدا ولا شبهة أبدا.
4- إن الفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي، إذ كل إنسان يفرح بمولود يولد له، أو لأحد إخوته أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف هذه الرواية ويبطلها. مع أن فرح المؤمن بنبيه معنى قائم بنفسه لا يفارقه أبدا؛ لأنه لازم حبه، فكيف نحدث له ذكرى سنوية نستجلبه بها؟ اللهم إن هذا معنى باطل، وشبهة ساقطة باطلة لا قيمة لها ولا وزن، فكيف يثبت بها إذا شرع لم يشرعه الله لا عن عجز ولا عن نسيان، ولكن رحمة بعباده المؤمنين؟ فله الحمد وله المنة.
5- ما ذُكر من أن أبا لهب أعتق جاريته (ثويبة) عندما بشرته بولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- غير صحيح لأن ثويبة قد أرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مملوكة وإعتاق أبي لهب لها كان بعد ذلك بدهر طويل , وقد نص على ذلك أهل السير:
قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب (1/12) بعد أن ذكر إرضاع ثويبة للرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة )
وقال ابن سعد في كتاب الطبقات (1/108، 109) : ( وأخبرنا محمد بن عمر – الواقدي – عن غير واحد من أهل العلم ، وقالوا : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها – أي ثويبة- وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها ، وهي يومئذٍ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها، فأبي أبو لهب، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أعتقها أبو لهب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وكسوة ، حتى جاءه خبرها أنها قد تُوفيت سنة سبع مرجعه من خيبر ) .
وقال ابن الجوزي في كتاب الوفا بأحوال المصطفى (1/178، 179) : ( وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة فيكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة ، وهي يومئذٍ أمة ، ثم أعتقها أبو لهب )
فلم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن ثويبة بشرته بولاته ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي صلى الله عليه وسلم, فكل هذا لم يثبت ، ومن ادّعى ثبوت شيء من ذلك ، فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه ، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً.المراجع:
– الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإحجاف لأبي بكر جابر الجزائري – نشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – الطبعة : الأولى 1405هـ
– البدع الحولية لعبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري – دار الفضيلة للنشر والتوزيع، الرياض – الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2024 م
بس لو اختصرت الموضوع بيكون احسن
بدال الموضوع الطويل
الله يجزاك كل خير
في ميزان حسناتج يارب ..
في ميزان حسناتج يارب ..